واشنطن والفصائل الشيعية تؤججان توترا مقلقا للحكومة العراقية

عبء إضافي على حكومة السوداني في فصل الاحتجاجات الشعبية.
الجمعة 2024/06/21
شارع مهيأ للتفاعل مع التوترات

فترة الراحة النسبية التي حظيت بها الحكومة العراقية بفعل التهدئة بين الفصائل الشيعية والولايات المتحدة، تؤذن بالانتهاء جرّاء عودة التراشق بين الطرفين وما قد ينجرّ عنه من تصعيد ميداني من شأنه أن يجعل الحكومة أمام حقيقة استحالة التوفيق بين استرضاء تلك القوى النافذة وواشنطن التي تربطها بها مصالح حيوية.

بغداد - حمل التراشق بين الدبلوماسية الأميركية والفصائل الشيعية العراقية نذر توتّر جديد، مقلق على نحو خاص لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني كونه يأتي في فترة حساسة من السنة باتت معروفة بارتفاع منسوب الغضب الشعبي خلالها بسبب سوء الخدمات لاسيما خدمتي تزويد السكان بالماء والكهرباء.

وتواجه الحكومة العراقية الحالية كغيرها من الحكومات المتعاقبة خلال مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للبلاد صعوبة التوفيق بين الحفاظ على العلاقة الحيوية سياسيا واقتصاديا وأمنيا مع الولايات المتّحدة الأميركية من جهة، وعدم استثارة الأحزاب والفصائل الشيعية ذات النفوذ الكبير في البلاد والمتأثرة بشدّة بسياسات إيران في العراق والمنطقة، من جهة مقابلة.

لكن حكومة السوداني تبدو أكثر ارتهانا لتلك الأحزاب والفصائل المشتركة بشكل مباشر في تشكيلها وتوفير الغطاء السياسي لها من خلال الإطار التنسيقي الشيعي. وحظيت الحكومة بفترة تهدئة بين واشنطن والفصائل الشيعية منذ أعلنت الأخيرة مطلع فبراير الماضي عن وقف هجماتها على مواقع تمركز القوات الأميركية في العراق وسوريا.

وخبت مع تلك التهدئة نبرة مطالبة الأحزاب والميليشيات الشيعية بإخراج القوات الأميركية من الأراضي العراقية، وهو موضوع بالغ الحرج للحكومة تحاول الالتفاف عليه لمعرفتها بمدى إصرار الولايات المتّحدة على إبقاء قواتها في العراق تحت عنوان وجود حاجة إليها في المساعدة على مواجهة تنظيم داعش الذي تقول واشنطن إنه لا يزال يشكل تهديدا للأمن الإقليمي والدولي.

وسارت تلك التهدئة خلال الأيام الأخيرة نحو الانهيار، وعادت بالتوازي مع ذلك النبرة العالية المطالبة بإنهاء الوجود العسكري الأميركي على أرض العراق. وشنّت الدبلوماسية الأميركية ممثّلة بالسفيرة الحالية لدى العراق ألينا رومانوسكي والسفيرة المرشّحة من قبل إدارة جو بايدن لخلافتها تريسي جاكوبسون حملة انتقادات لاذعة للميليشيات وتوعدتها بالتصدي لأنشطتها التي وصفتها بالتخريبية والهدامة.

وترافق ذلك مع إعلان واشنطن عن تصنيف إحدى الميليشيات الشيعية وقائدها على لائحة الإرهاب الدولي. وردّت الميليشيات على ذلك بعقدها اجتماعا وصفته بالاستثنائي، وقالت إنّها خصصته لبحث موضوع إخراج  القوات الأميركية من العراق. وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن تصنيف حركة أنصار الله الأوفياء وأمينها العام حيدر مزهر ملك السعيدي “إرهابيين عالميين محدّدين بشكل خاص”.

محمد علي الحكيم: بوادر تغيير في الأسلوب الأميركي بمواجهة الفصائل المسلحة
محمد علي الحكيم: بوادر تغيير في الأسلوب الأميركي بمواجهة الفصائل المسلحة

وقالت الوزارة في بيان إنّ “الحركة هي عبارة عن تجمّع لميليشيات متحالفة مع إيران ومقرها العراق.. وتضمّ العديد من الجماعات الإرهابية التي تصنفها الولايات المتحدة، وهي كتائب حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء التي هاجمت بشكل متكرر التحالف الدولي ضد داعش”. وعقّبت السفيرة رومانوسكي على القرار معتبرة أنّه “يؤكد من جديد التزام الولايات المتحدة بمواجهة النفوذ الخبيث لإيران والتهديدات التي تشكلها الميليشيات التابعة لطهران”.

وأضافت قولها عبر منصة إكس “واشنطن متلزمة بإضعاف وتعطيل قدرة الجماعات المدعومة من إيران على شن هجمات إرهابية، وباستخدام جميع الأدوات المتاحة لمواجهة دعم إيران للإرهاب”. وانضمت السفيرة بذلك إلى هجوم على إيران والميليشيات كانت بدأته جاكوبسون المرشّحة لخلافتها في المنصب. حيث قالت الدبلوماسية الأميركية في كلمة لها أمام لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية إنّ “إيران ممثل خبيث في ‎العراق ومزعزع لاستقرار المنطقة وندرك أن التهديد الرئيسي للبلد هو الميليشيات المتحالفة معها”.

وزادت جاكوبسون من إثارة حفيظة مكونات المعسكر الإيراني في العراق، بحديثها عن مهمّة القوات العسكرية لبلادها على الأراضي العراقية، كاشفة عن عدم وجود أي نيّة لواشنطن لسحب تلك القوات استجابة لمطالبة القوى الشيعية ذات النفوذ  الكبير في حكومة السوداني. ووضعت تصريحات المرشحة لمنصب السفيرة الحكومةَ العراقية في موقف محرج كونها مضطرة إلى مسايرة الأحزاب والفصائل التي تمثّل مظلّتها السياسية عن طريق الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل من قوى مقرّبة من إيران.

وقالت المرشحة لمنصب السفيرة في كلمتها الافتتاحية أمام لجنة مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية إنّها ستعمل بشكل وثيق مع اللجنة لتعزيز المصالح الأميركية في العراق. وأضافت في كلمتها “إذا تم تأكيد تعييني ستكون أولوياتي القصوى حماية المواطنين الأميركيين وتعزيز شراكتنا الثنائية لدعم إستراتيجياتنا ومصالحنا المشتركة”.

وفي ما يتعلق بالأمن، شددت جاكوبسون على أهمية تعزيز استقرار وأمن وسيادة العراق، لافتة إلى أن تنظيم داعش لا يزال يشكل تهديدا في المنطقة. وفي تلويح بضرورة إبقاء القوات الأميركية في العراق، قالت السفيرة المرشّحة “يقدم جيشنا دعما حيويا لقوات الأمن العراقية والبيشمركة في إقليم كردستان. وبعد عشر سنوات من عودة قواتنا إلى العراق لمحاربة داعش، حان الوقت لجيشنا أن ينتقل إلى دور جديد. وسأضمن أن يكون أي انتقال من عملية العزم الصلب إلى ترتيب أمني ثنائي موجها نحو هزيمة داعش وضمان أمن العراق”.

ويعني تشبّث السفيرة الجديدة بأنّه لا يزال للجيش الأميركي دور يؤديه في مواجهة الإرهاب في العراق، ثبات واشنطن على موقفها بشأن عدم سحب ما بقي من قوات هناك وذلك بالضدّ من إرادة الأحزاب والفصائل الشيعية التي تحاول بكل ما أوتيت من قوة النفوذ دفع حكومة السوداني الى اتخاذ موقف حاسم بشأن إخراج تلك القوات من البلاد.

وفي سياق حديثها بالغ السلبية عن الدور الإيراني في العراق، قالت الدبلوماسية الأميركية إنّها ستستمر في دعم إجراءات الخزانة الأميركية لتحديث النظام المصرفي العراقي وإنها لن “تسمح لإيران باستخدام الغاز الضروري لتوليد الكهرباء كسلاح ضد العراق”.

كما حذرت جاكوبسون مما سمّته “نوايا إيران الشريرة ودورها المستمر في تعكير الأوضاع الأمنية في المنطقة”، مؤكدة أن “الميليشيات المدعومة من إيران تشكل خطرا كبيرا على استقرار العراق وأنها ستعمل بكل الوسائل السياسية المتاحة للتصدي لهذا التهديد وتحجيم النفوذ الإيراني". وردّت الميليشيات الشيعية بغضب على تصريحات جاكوبسون. ولم تستثن حركة النجباء من انتقاداتها “السياسيين العراقيين لانجرارهم وراء المطامع والانتهاكات الأميركية”.

◙ الحكومة تواجه معضلة التوفيق بين الحفاظ على العلاقة الحيوية مع واشنطن وعدم استثارة الأحزاب والفصائل المتنفذة

وقال علي الأسدي رئيس "المجلس السياسي" للحركة مخاطبا السفيرة المرشّحة عبر منصة إكس "عليك أن تعي وتعلمي أن الأيام بيننا ولن تكون صفعاتنا القادمة إلا على الأنوف، وسترين لمن الكلمة الفصل". واتهم الأسدي السياسيين العراقيين "بالتخبط والانجرار وراء المطامع والانتهاكات الأميركية، والتغافل عن حماية سيادة واستقلال العراق".

ومن جهتها لم تر الحكومة العراقية بدّا من مسايرة موقف الأحزاب والميليشيات الشيعية من تصريحات مرشحة بادين لمنصب السفيرة. ووصف خالد اليعقوبي المستشار الأمني لرئيس مجلس الوزراء العراقي حديث جاكوبسون بأنه لا يتناسب ومهامها الدبلوماسية. وقال في تعليق عبر منصّة إكس “استمعنا لجلسة الاستماع الخاصة بالمرشحة لموقع سفيرة الولايات المتحدة في العراق وما فيها من عدم فهم واضح للعراق الجديد المتعافي وتدخل في شؤونه الداخلية والإساءة إلى جيرانه”.

وختم بالقول “نتطلع إلى أداء يعزز العلاقة الجيدة بين البلدين خصوصا وأننا مقبلون على علاقات ثنائية تصون التضحيات العظيمة التي قدمت للانتصار على الإرهاب". ولم يثن الردّ الحكومي على تصريحات جاكوبسون الميليشيات عن التوجّه نحو التصعيد ضدّ الولايات المتّحدة، حيث عقدت الفصائل التي تطلق على نفسها اسم المقاومة العراقية اجتماعا عاجلا أصدرت على إثره بيانا جاء فيه أن "تنسيقية المقاومة العراقية عقدت اجتماعا استثنائيا لمناقشة الأحداث في المنطقة عموما وفي العراق على وجه الخصوص".

وأضافت في بيانها "ناقشت التنسيقية الفرصة التي منحتها للحكومة قبل أكثر من أربعة أشهر والمتضمنة جدولة انسحاب الوجود الأميركي من العراق". ولم يخل البيان من تلويح بالعودة إلى استهداف مواقع تواجد القوات الأميركية، حيث ورد فيه تأكيد المجتمعين “على ضرورة الاستمرار بالسير لتحقيق سيادة البلاد بعد مماطلة العدو وتعنته ليبقى محتلا لأرضنا ومستبيحا لسمائنا ومتحكما بالقرار الأمني والاقتصادي ومتدخلا بالشأن العراقي بكل استهتار وغطرسة وكأنه لا يعلم ما ينتظره بعد هذه الفرصة”، مضيفا أن “الشعب العراقي ومقاومته الأبية والمخلصين من السياسيين ورجال العشائر ونواب الشعب قادرون ومصرون على إنهاء هذا الملف وإغلاقه باستعمال السبل المتاحة كافة لإعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السيادة الكاملة". وتعليقا على التصعيد المفاجئ، اللفظي إلى حدّ الآن، بين الميليشيات الشيعية والولايات المتحدة الأميركية قال الباحث السياسي محمد علي الحكيم إن "الشد والجذب بين السفيرة الأميركية فوق العادة الجديدة في العراق تريسي جاكوبسون من جهة والفصائل من جهة أخرى، يؤكد وجود إستراتيجية جديدة للإدارة الأميركية في العراق".

وأضاف متحدّثا لوكالة بغداد اليوم الإخبارية “جاكوبسون أعلى مرتبة وخبرة من رومانوسكي وستكون سفيرة فوق العادة، ولها حرية اتخاذ القرارات دون الرجوع إلى واشنطن”، معتبرا أنّ الهدف من تعيينها “في هذا الظرف الحساس يحمل في طياته العديد من الدلالات أبرزها استهداف الفصائل المسلحة وكبح جماح الأطراف التي وقفت ندا للحكومات العراقية والتي استهدفت المصالح الأميركية والحد من نشاطاتها في المنطقة وبالتحديد في العراق".

3