واشنطن وأوروبا تدعوان الجزائر لاحترام حق التظاهر

الولايات المتحدة تؤكد دعمها للشعب الجزائري وحقه في التظاهر السلمي، في أول رد فعل أميركي على الوضع في المنطقة منذ انطلاق التظاهرات الرافضة لترشح بوتفليقة.
الأربعاء 2019/03/06
الشعب الجزائري يتمسك برفض الولايات الخامسة للرئيس الغائب

واشنطن- دعت الولايات المتحدة الثلاثاء الجزائر إلى احترام حقّ التظاهر، في الوقت الذي يتظاهر فيه آلاف الجزائريين منذ أيام عديدة ضدّ ترشّح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة.

وقال المتحدّث باسم الخارجية الأميركية روبرت بالادينو للصحافيين "نحن نراقب هذه التظاهرات في الجزائر وسنواصل فعل ذلك"، مشدّداً على أنّ "الولايات المتحدة تدعم الشعب الجزائري وحقّه في التظاهر السلمي".

وهذا أول ردّ فعل أميركي على الوضع في الجزائر منذ بدأت التظاهرات في هذا البلد رفضاً لترشّح بوتفليقة لولاية خامسة. لكنّ ردّ فعل الولايات المتحدة لم يتطرّق إلى دوافع الاحتجاجات ولا إلى ترشّح الرئيس المنتهية ولايته لعهدة خامسة.

من جهتها، دعت المفوضية الأوروبية إلى احترام حرية التعبير في الجزائر وأكدت أن حق التظاهر وحرية التعبير والتجمع منصوص عليها في الدستور الجزائري.

وأوضحت المفوضية الأوروبية أنها تتوقع أن يتم ضمان ممارسة الشعب الجزائري لهذه الحقوق بشكل سلمي وأن يتم احترام دولة القانون، مشددة على أهمية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، وعلى التزام الاتحاد الأوروبي بتعميق العلاقات مع الجزائر.

ومنذ 22 فبراير، تشهد الجزائر احتجاجات رافضة لترشّح بوتفليقة لولاية خامسة، في حركة غير مسبوقة من حيث حجمها وسقف مطالبها خلال العشرين سنة الماضية. ويرفض المحتجون تشبّث الرئيس المريض والمقعد منذ 2013، بالحكم.

وانحسرت في مطلع الأسبوع أكبر مظاهرات شهدتها الجزائر منذ انتفاضات الربيع العربي عام 2011، لكن بدأت تظهر تصدعات في أوساط النخبة الحاكمة التي تعتبر منيعة منذ فترة طويلة.

وأدى العرض الذي طرحه الرئيس الجزائري الأحد بتقليص مدة رئاسته بعد انتخابات أبريل إلى سحب بعض الزخم من الاحتجاجات التي بدأت أواخر الشهر الماضي غير أن طلابا ومجموعات شبابية أخرى لا تزال في الشوارع.

استقالات من الحزب الحاكم

رؤساء الجزائر الذين تداولوا على الحكم
رؤساء الجزائر الذين تداولوا على الحكم

وانضم بعض المسؤولين من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم إلى عشرات الآلاف من الأشخاص الذين خرجوا الجمعة لمطالبة بوتفليقة بالتنحي هو ودائرته المقربة. وأعلنت عدة شخصيات عامة استقالاتها في بلد يجري فيه عادة تغيير المسؤولين خلف الأبواب المغلقة.

وكتب الوزير السابق سيدي أحمد فروخي على فيسبوك لدى إعلان استقالته من الحزب الحاكم والبرلمان "مهمتنا في هذا البلد هو أن نستمع.. أن نستمع وأن نتشرب الحكمة كي نواكب هذه الحركة الاجتماعية المهمة من أجل مستقبل بلدنا".

وشهد منتدى رؤساء المؤسسات، وهو رابطة أعمال يدعم زعماؤها بوتفليقة منذ فترة طويلة، استقالات تعاطفا مع المحتجين، ومن بينهم نائب رئيس المنتدى العيد بن عمر.

وقال إن الرابطة حادت عن رسالتها المتمثلة في المساعدة على قيادة البلد إلى مستقبل أكثر إشراقا. وأضاف "مواجهة هذا التحدي تتطلب دعم الشعب أيضا... معارضة إرادة رفاقنا المواطنين إنما هو عدم كفاءة وحماقة وإلغاء لقيمنا وتاريخنا".

ولم تلق دعوة مجهولة المصدر لإضراب عام آذانا صاغية إلى حد بعيد لكن القيادة تواجه اختبارا آخر: دعوة على الإنترنت "لمسيرة العشرين مليون" الجمعة المقبل.

ومن غير المرجح أن تؤدي الاحتجاجات السلمية حتى الآن إلى الإطاحة سريعا بالرئيس الذي تحوطه المشكلات، وهو أحد أبطال حرب الاستقلال بين عامي 1954 و1962 ضد فرنسا التي لا تزال تهيمن على الجزائر، المنتج الكبير للنفط والغاز.

لكن الانسحاب المضطرد من دائرته المقربة مع تصاعد الاحتجاجات قد يُضعف موقفه، مما يثير مخاوف قادة الجيش الذين لا تزال تخيم على أذهانهم الذكريات المظلمة للحرب الأهلية التي دارت رحاها في التسعينات بعدما حمل الإسلاميون السلاح عندما ألغى الجيش انتخابات كانوا في طريقهم للفوز بها.

ليس شأن الجيش

لا للعهدة الخامسة لرئيس مريض
لا للعهدة الخامسة لرئيس مريض

وقال جنرال متقاعد "لن يتدخل الجيش في الوقت الحالي لأن النخبة الحاكمة هي المناط بها القضاء على الفوضى. هذا ليس شأن الجيش". وأضاف "لكنه لن يقبل تكرار سيناريو التسعينات".

وقال رئيس أركان الجيش الفريق قائد صالح، الثلاثاء، "الجيش سيبقى ماسكا بزمام مقاليد إرساء مكسب الأمن الغالي وهناك من يريد أن تعود الجزائر إلى سنوات الألم والجمر".

وأقال بوتفليقة وأقرب حلفائه عشرات من القادة العسكريين العام الماضي لإبعاد أي مناوئين محتملين عن الجيش وسبق أن اتخذوا إجراءات مماثلة في أجهزة الأمن. ويشيد المحتجون بالجيش الذي يلزم ثكناته منذ بدء الاضطرابات.

وعبر وزير سابق عن شكوكه في تفكيك المؤسسة السياسية الجزائرية برمتها حتى إذا أطيح ببوتفليقة من السلطة. وقال "رجال بوتفليقة سيغادرون دون شك، لكن النظام السياسي القائم على الإجماع بين النخبة الحاكمة سيبقى بلا ريب، ليس بوسعي رؤية بديل للنظام الذي سيجدد نفسه كالمعتاد للتكيف مع التغيرات ومطالب المتظاهرين".

وتسري منذ سنوات شائعات عن خلفاء محتملين لبوتفليقة، لكن لم يظهر أحد ذو مصداقية يحظى بدعم قادة الجيش والنخبة وليس في السبعينات أو الثمانينات من العمر مثلهم.

وكان الرئيس الذي يبلغ من العمر 82 عاما والذي يتولى المنصب منذ 1999 قال الأحد إنه سيترشح في انتخابات 18 أبريل لكن سيدعو لانتخابات مبكرة لإيجاد خلف له بعد عقد مؤتمر وطني لبحث الإصلاحات ودستور جديد.

ويبرز ذلك الإعلان الذي بعث به بوتفليقة للشعب في رسالة قرأها مدير حملته مدى انفصال الرئيس عن الشبان الجزائريين الذين يعبرون عن إحباطهم على وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت. ولم يظهر بوتفليقة في أي مناسبة عامة منذ إصابته بجلطة دماغية عام 2013. ولا يزال في مستشفى بجنيف لإجراء فحوص طبية.

دعوة على الإنترنت "لمسيرة العشرين مليون" الجمعة المقبل
دعوة على الإنترنت "لمسيرة العشرين مليون" الجمعة المقبل

وتقول مصادر سياسية إن من المعتقد بأن أسرته ترافقه، بما في ذلك شقيقه سعيد، وهو معلم سابق ونقابي ويعمل مستشارا له ويعتقد كثير من الجزائريين بأنه الذي يدير البلاد فعليا. وقال محتج "أنا متأكد أن الرئيس لم يعد يحكم. لذلك نحن لا نستطيع قبول هذا الوضع".

وتمكن بوتفليقة من البقاء في السلطة خلال احتجاجات الربيع العربي التي أطاحت بزعماء عرب لما لدى الجزائر من احتياطات كبيرة من النقد الأجنبي مكنتها من زيادة الإنفاق الحكومي واسترضاء المواطنين.

وما زالت ذكريات الحرب الأهلية المريرة تلازم الجزائريين من كبار السن وهو ما دفعهم لغض الطرف عن الإجراءات الصارمة بحق المعارضة مقابل الاستقرار.

لكن المحتجين الشبان الذين لا تربطهم أي صلة حقيقية بحرب الاستقلال، التي تمنح القادة المتقدمين في السن أوراق اعتمادهم، فقد نفد صبرهم في ظل ما يعانوه من نقص الوظائف.

أما الدول الأوروبية، التي تثمن دور الجزائر كمورد للغاز وشريك أمني في منطقة مضطربة، فالتزمت الصمت إلى حد بعيد باستثناء فرنسا التي طالبت بإجراء الانتخابات في أفضل ظروف ممكنة. ولفرنسا مصالح تجارية كبيرة مع الجزائر وتسكنها جالية جزائرية كبيرة.

وعلقت صحيفة لوموند الفرنسية في مقال افتتاحي على الأحداث في الجزائر بالقول "(ما قدمه) عبدالعزيز بوتفليقة: قليل جدا وبعد فوات الأوان".

ولخصت مزحة انتشرت في العاصمة الجزائرية هذا الأسبوع الإحباط من الرئيس الغائب بعدما قدم أحد معاونيه أوراق ترشحه للانتخابات مكانه وذكر تقرير أنه أقال مدير حملته الانتخابية.

وتقول المزحة "لذلك لدينا بوتفليقة أول في مستشفى بجنيف وبوتفليقة ثان عزل مدير حملته وثالث قدم أوراق ترشيحه".