واشنطن تلوّح بإعادة تقييم علاقاتها مع القوى الفاعلة في ليبيا

ريتشارد نورلاند: لسنا في موضع تأييد للدبيبة أو باشاغا.
السبت 2022/11/12
المبعوث الأميركي: الأولوية حاليا لإجراء الانتخابات

حملت زيارة مبعوث الولايات المتحدة وسفيرها لدى ليبيا إلى طرابلس تأكيد واشنطن على بقائها على مسافة واحدة من الحكومتين المتنافستين في ليبيا، وأن الأولوية بالنسبة إليها هو الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية باعتبارها السبيل الوحيد لإنهاء حالة الانسداد، موجهة رسالة تحذير صريحة إلى كل طرف يسعى لعرقلة هذا المسار.

طرابلس - شهدت الساحة الليبية عودة نشطة للدبلوماسية الأميركية، ترجمت في الجولة التي أجراها مبعوث الولايات المتحدة وسفيرها لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، على عدد من القادة والمسؤولين الليبيين في العاصمة طرابلس، والتي توجه في ختامها بجملة من الرسائل لا تخلو من تحذير أهمها أن واشنطن قد تعيد تقييم علاقاتها مع الجهات الفاعلة والمؤسسات التي تؤخر وتعرقل التقدم نحو حل سياسي.

ويرى مراقبون أن عودة الاهتمام الأميركي، بعد انحسار نسبي خلال الفترة الماضية، مرده استشعار واشنطن لتلكؤ الفاعلين الليبيين للتوافق على أرضية صلبة تفسح المجال لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المتعثرة، ورغبة هؤلاء الفاعلين في تكريس الوضع الراهن، للحفاظ على موقعهم ضمن معادلة السلطة القائمة.

ويقول المراقبون إن من الدوافع الأخرى التي قد تكون خلف عودة التركيز الأميركي على الملف الليبي، هو إيصال رسالة بأن واشنطن تمتلك اليد الطولى في مفاتيح الحل، لاسيما مع تقدم عدد من القوى المتدخلة في الشأن الليبي، على غرار فرنسا وتركيا، لشغل ما بدا فراغا أميركيا وتعزيز نفوذها في البلاد، عبر دعم الأطراف المتضادة.

 وقام مبعوث الولايات المتحدة إلى ليبيا، في الفترة الممتدة من 8 إلى 10 نوفمبر، بزيارة إلى طربلس قادما من تونس، والتقى خلال هذه الزيارة برئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش ورئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، والممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري.

◙ عودة الاهتمام الأميركي بالملف الليبي، مردها استشعار واشنطن لعدم وجود رغبة لدى الفرقاء في إجراء انتخابات

وأدلى نورلاند في ختام تلك اللقاءات بسلسلة من التصريحات أكد من خلالها على بقاء واشنطن على مسافة واحدة من الأطراف الليبية المتصارعة، مشددا على أن هدف واشنطن حاليا هو التركيز على إجراء الانتخابات العامة لإنهاء الانسداد.

وأوضح السفير الأميركي أن الولايات المتحدة لا تنحاز إلى أي من الحكومتين المتنافستين في ليبيا قائلا “نحن الآن لسنا في موضع تأييد للدبيبة أو باشاغا”، مشيرا إلى أنه التقى الدبيبة خلال زيارته، والتقى باشاغا في تونس يوم السبت الماضي

وتابع "كلاهما (باشاغا والدبيبة) من مصراتة ويعرفان بعضهما لذا نظن أن الاتفاق أمر ممكن بينهما"، مشيرا إلى أنه التمس "من الحديث معهما أنهما لا يرغبان في التصعيد وحدوث مشاكل"، وأن ما يهم واشنطن في الظرف الحالي هو أن يكون هناك توافق بين القوى في ليبيا.

وتشهد ليبيا أزمة سياسية، في ظل فشل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في الاتفاق على قاعدة دستورية يتم بموجبها إجراء الاستحقاقات الانتخابية، وازدادت هذه الأزمة تعقيدا في مارس الماضي، مع وجود حكومتين متنافستين الأولى يقودها رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس، والثانية يترأسها وزير الداخلية الأسبق فتح باشاغا وتحوز على دعم من مجلس النواب في طبرق.

واعتبر نورلاند "أن الحديث عن هذه الحكومة أو تلك يعتبر أمرا قد أزاح التركيز بعيدا عن الانتخابات وهذا أمر لا ينبغي أن يحدث"، مؤكدا على ضرورة المضي نحو الانتخابات التي ينتظرها الليبيون لاختيار من يمثلهم في السلطة لقيادة البلاد.

وردا على سؤال بشأن إمكانية الحديث عن موعد قريب للانتخابات، قال نورلاند "حتى الآن لا توجد أي مواعيد وهناك آراء مختلفة، البعض يقول إنه من غير الواقعي التفكير في الانتخابات قبل سنة أخرى لأن التحضير للعملية يستغرق وقتا. لكن لا أظن أن هذا في الواقع أمر صحيح، ليبيا دائما لديها القدرة على مفاجأتنا كنا متفاجئين من نتائج عملية اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وقدرتها على الاستمرار والحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار".

وأعاد نورلاند خلال حديثه التأكيد "ما يهمنا هو أن يتفق ممثلو القوى السياسية في ليبيا وأن يجلسوا مع بعضهم البعض"، معتبرا أنه "إن كانت هذه الإرادة السياسية موجودة فالانتخابات ممكنة خلال أشهر قليلة".

وشدد المبعوث الأميركي في ختام زيارته على ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة لإنشاء قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات موثقة وشفافة بما يتماشى مع تطلعات الشعب الليبي، وناشد نورلاند جميع القادة والمؤسسات الليبية لاستخدام نفوذهم للدفع نحو هذا الهدف.

◙ المبعوث الخاص يشيد بالتمديد الأخير للأمم المتحدة للدعم في ليبيا باعتباره فرصة لإعادة تحديد خارطة طريق موثوقة لإجراء الانتخابات

وعقد قبل أسابيع قليلة لقاء بين رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح والمجلس الأعلى للدولة خالد المشري في المغرب لبحث التفاهم حول النقاط الخلافية التي تعوق التوصل إلى قاعدة دستورية، ومنها مسألة مزدوجي الجنسية، ومشاركة العسكريين، لكن هذا اللقاء لم يسفر عن تقدم فيما يتعلق بالنقطتين.

وتقول مصادر ليبية إنه من المرتقب عقد لقاء جديد بين صالح والمشري في تركيا، لكن لم يجر تأكيد ذلك من الجانبين. ولفت نورلاند "رئيس مفوضية الانتخابات أكد لي أنهم جاهزون فنيًا، وينتظرون القاعدة الدستورية، ومجلسا النواب والدولة لهما سبع سنوات في السلطة، ولم يتوصلا إلى توافق حتى الآن، وقد اقتربنا كثيرًا من التوافق حاليًا، وسنبذل كل ما في وسعنا، لدعم إجراء الانتخابات".

وأشاد المبعوث الخاص بالتمديد الأخير الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع لولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا باعتباره فرصة لإعادة تحديد خارطة طريق موثوقة لإجراء الانتخابات، وتحقيق المشاركة اللازمة من الجهات الفاعلة الرئيسية، ووضع رزنامة معقولة لكي تحظى بدعم المجتمع الدولي.

وشدد على أن التهديد المستمر بقطع النفط، والاشتباكات الأخيرة بين الميليشيات، والغضب الشعبي عقب صدور تقرير ديوان المحاسبة، كل ذلك يبرز الحاجة إلى المزيد من الشفافية المالية والمساءلة لصالح جميع الليبيين وازدهارهم.

وجدد نورلاند التأكيد على "دعم بلاده لمغادرة القوات الأجنبية للأراضي الليبية وتوحيد الجيش وعمل اللجنة العسكرية المشتركة"، مشيرا إلى تركيزهم على إعادة فتح السفارة الأميركية والتواجد بشكل دائم في طرابلس وبنغازي وسبها.

4