واشنطن تفك لغز اختفاء أبوعجيلة من طرابلس وسط صمت القوى الليبية

حلت الولايات المتحدة أخيرا لغز اختفاء المسؤول الليبي الأسبق أبوعجيلة محمد مسعود المتهم في قضية لوكربي، بتأكيد أنه أصبح على أراضيها وسيجري قريبا مثوله أمام محكمة اتحادية في واشنطن، ما يعني فتح قضية لطالما سعى الليبيون إلى طي صفحتها.
طرابلس - أكدت الولايات المتحدة ما أعلنه القضاء الأسكتلندي الأحد بشأن احتجازها أبوعجيلة محمد مسعود، مسؤول المخابرات الليبي الأسبق، الذي تطالب واشنطن بتسليمه إليها لمحاكمته على أراضيها في إطار قضية لوكربي، وسط صمت لافت من القوى الليبية.
جاء ذلك بعد مرور أسابيع على بروز معلومات عن اختفاء المسؤول الليبي الأسبق في ظروف غامضة داخل السجن الذي يقبع فيه بالعاصمة طرابلس التي تسيطر عليها حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، وسط شكوك حينها في أن يكون جرى تسليمه للولايات المتحدة.
وقال مسؤول بوزارة العدل الأميركية إن الولايات المتحدة احتجزت الرجل المتهم بصنع القنبلة التي فجرت رحلة بان أم رقم 103 فوق لوكربي في أسكتلندا عام 1988.
أبوعجيلة محمد مسعود سيمثل أمام محكمة اتحادية في واشنطن، في خطوة ستعيد فتح قضية سعى الليبيون إلى طيها
وأوضح المتحدث أن محمد مسعود سيمثل لأول مرة أمام محكمة اتحادية في واشنطن، في خطوة ستعيد فتح قضية سعى الليبيون إلى طي صفحتها الأليمة التي كلفتهم مئات المليارات من الدولارات خلال حكم الرئيس الراحل معمر القذافي.
ولم يكشف المسؤول الأميركي عن الجهة التي سلمت محمد مسعود للولايات المتحدة، لكن اتهامات سابقة وجهت إلى حكومة عبدالحميد الدبيبة بالوقوف خلف ذلك، في سياق مساعي الأخير لكسب دعم الولايات المتحدة.
وأعلن القضاء الأسكتلندي في وقت سابق الأحد أن ليبيًّا يشتبه في قيامه بصنع القنبلة التي استخدمت في تفجير طائرة أميركية فوق مدينة لوكربي في 21 ديسمبر 1988، بات محتجزا في الولايات المتحدة.
وحوكم متهم واحد فقط حتى الآن في قضية تفجير رحلة بان أميركان رقم 103 الرابطة بين لندن ونيويورك والذي أودى بحياة 270 شخصًا.
وقضّى ضابط المخابرات الليبي السابق عبدالباسط المقرحي سبع سنوات في سجن أسكتلندي بعد إدانته عام 2001، وتوفي في ليبيا عام 2012. ولطالما دفع المقرحي ببراءته. وقالت النيابة العامة الأسكتلندية إن “أهالي ضحايا هجوم لوكربي علموا أن المشتبه به أبوعجيلة محمد مسعود محتجز في الولايات المتحدة”.
وأضافت أن “المدعين العامين والشرطة الأسكتلندية، بالتنسيق مع حكومة المملكة المتحدة وزملائهم في الولايات المتحدة، سيواصلون التحقيق لتقديم من شاركوا المقرحي إلى القضاء”.
وأوردت شبكة “بي بي سي” الشهر الماضي أن المحتجز الليبي خطف على أيدي جماعة مسلحة ليبية عقب توقيفه على خلفية هجوم برلين الذي أسفر عن مقتل عسكريين أميركيين ومواطن تركي.
وعُرف محمد مسعود بأنه صانع قنابل لصالح نظام معمر القذافي. ووفق لائحة الاتهام الأميركية، قام بتجميع وبرمجة القنبلة التي أسقطت طائرة بان أميركان. وكانت ليبيا توصلت إلى تسوية مع الولايات المتحدة خلال عهد الراحل القذافي تم خلالها دفع تعويضات لعائلات الضحايا قدرت بنحو 2.7 مليار دولار.
لكن الولايات المتحدة أعادت فتح التحقيق في القضية عام 2016 عندما علم القضاء الأميركي بتوقيف محمد مسعود بعد سقوط نظام القذافي وأنه قدم اعترافًا مفترضا لاستخبارات النظام الليبي الجديد عام 2012.
وتحدثت وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة المنتهية ولايتها نجلاء المنقوش في مقابلة العام الماضي مع قناة “بي بي سي” البريطانية عن إمكانية تسليم محمد مسعود لتحسين العلاقات مع واشنطن.
وقالت المنقوش حينها إن الحكومة تريد علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وإنّ واشنطن تريد تسلّم أبوعجيلة. وإثر تلك التصريحات أوقف المجلس الرئاسي في السادس من نوفمبر 2021 وزيرة الخارجية عن العمل احتياطيا وفتح تحقيق معها لعدم التنسيق معه في السياسات الخارجية.
وقرر المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي حينها منع المنقوش من السفر والتحقيق معها في ما نسب إليها من مخالفات إدارية، لكن الوزيرة عادت إلى عملها بعد وقت وجيز، دون أن يظهر المجلس نتائج التحقيق.
ومع بروز خبر اختفاء المسؤول الليبي الأسبق الشهر الماضي طالب المجلس الأعلى للدولة حكومة الدبيبة بتوضيح مصيره، محذرا في الآن ذاته من إعادة فتح ملف لوكربي مِن قبل مَا وصفها بـ”بعض الجهات المحلية” وإرجاعه إلى الواجهة مرة أخرى.
وقال المجلس في بيان إن ملف لوكربي أقفل بالكامل من الناحية السياسية والقانونية، بحسب نص الاتفاقية التي أبرمت بين الولايات المتحدة الأميركية والدولة الليبية بتاريخ الرابع عشر من أغسطس 2008.
وأكد المجلس عدم التزامه بكل ما يترتب على هذا الإجراء من استحقاقات تجاه الدولة الليبية، داعيًا مجلس النواب والمجلس الرئاسي والنائب العام إلى التضامن معه لاتخاذ الإجراءات المناسبة لإنهاء ما وصفه بـ”العبث”.
من جهته حذر مستشار الأمن القومي الليبي إبراهيم بوشناف من إثارة قضية لوكربي مجددا، داعيا كافة الوطنيين والكيانات السياسية إلى الاصطفاف لمنع ذلك بعيدا عن الصراع السياسي.
وفي خطاب وجهه إلى رئيس مجلس الوزراء قال بوشناف إن “قضية لوكربي إن أثيرت من جديد وأصبحت موضوعا لتحقيق جنائي ستُدخل ليبيا في عقود من الاستباحة”.
ولكن مع تأكد خبر تسلّم الولايات المتحدة للمسؤول الليبي الأسبق، لم يسجل أي رد فعل حتى الآن من قبل القوى الليبية، الأمر الذي فسره البعض بالخشية من أن يؤدي ذلك إلى إغضاب الولايات المتحدة.
وتشهد ليبيا نزاعا على السلطة بين القوى السياسية، ويسعى كل طرف إلى كسب دعم واشنطن لترجيح الكفة لصالحه في هذا النزاع.
ويرى مراقبون أن تسليم حكومة الدبيبة لمحمد مسعود يشي بحصول الأخيرة على تعهدات أميركية لجهة دعم هذه الحكومة التي من المفترض أن ولايتها انتهت، مشيرين إلى أن باقي القوى، خاصة مجلس النواب ومجلس الدولة، لا تستطيع الاعتراض على الإرادة الأميركية، وأن أقصى ما يمكن أن يتحقق هو بيان تنديد لا يقدم أو يؤخر في توجه واشنطن إلى إحياء قضية لوكربي.