واشنطن تفقد قيادتها للعالم الديمقراطي

قمة بايدن للديمقراطية قد لا تتجاوز كونها مجرد ثرثرة.
الاثنين 2021/11/29
ديمقراطية الشعارات

في وقت تنتشر فيه الحروب والنزاعات وتكثر فيه انتهاكات حقوق الإنسان وتنقلب أنظمة رأسا على عقب، يدعو الرئيس الأميركي جو بايدن لعقد قمة افتراضية من أجل الديمقراطية يومي التاسع والعاشر من شهر ديسمبر المقبل، في خطوة يرى محللون أنها تؤكد أن تمثيل واشنطن للديمقراطيات في العالم لا يتجاوز حدود اللقاءات والمؤتمرات المغلقة، مقارنة بتراجع الحريات في مختلف دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة.

واشنطن - يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن الزعيم المفترض للعالم الحرّ، القمة من أجل الديمقراطية، خلال الأسبوع الأول من الشهر القادم، وسوف تضم ضيوفا من حوالي 110 دول يراها الرئيس الأميركي ديمقراطية بالقدر الذي يؤهلها للمشاركة.

وقد أثارت المعايير التي تبناها بايدن في هذا الصدد جدلا واسعا، حيث تشعر الصين، التي لم تتلق بالطبع دعوة للحضور، بالغضب إزاء مشاركة تايوان، التي لا تعترف بها الولايات المتحدة حتى كدولة، ولكنها على الأقل مفعمة بالديمقراطية. ولا ينطبق هذا المعيار على دول أخرى مدعوة إلى القمة، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا وباكستان.

وفي وقت سابق، وجهت الناشطة السويدية الشابة في مجال حماية المناخ غريتا تونبرغ انتقادا حادا لزعماء العالم الذين احتشدوا في قمة الأمم المتحدة للمناخ بغلاسكو مؤخرا، وقالت إنهم لا يتقنون إلا الثرثرة، دون تحرك فعلي.

ويرى المحلل السياسي أندرياس كلوث في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أنه لو كانت قضية تونبرغ هي الحرية وليست البيئة، ربما كانت ستوجه نفس القدر من التهكم إلى الزعماء الذين سيشاركون، افتراضيا، في “القمة من أجل الديمقراطية”.

وجاء على الموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة الأميركية أن الهدف من القمة يتمثل في “وضع جدول أعمال إيجابي لتجديد الديمقراطية والتعامل مع أكبر التهديدات التي تواجهها الديمقراطيات اليوم من خلال تحرك جماعي”.

أندرياس كلوث: ثلثا العالم يعيشون في ظل نظم استبدادية أو ديمقراطية متهاوية

ومع ذلك، فإنه على مدار الأعوام الأخيرة، تحول عدد من الدول المشاركة، مثل البرازيل والهند والفلبين، إلى نماذج ترمز إلى تراجع الديمقراطية، حيث يقوم قادة هذه الدول الشعبويون الأقوياء، باقتباس أساليب من نهج السلطويين، وبتخريب الأعراف الليبرالية.

وهناك أيضا الدولة المضيفة، فقد كانت القوة العظمى الأميركية خلال حقبة الحرب الباردة، غالبا ما تضطر إلى تحمل اتهامات لها بالنفاق، في الوقت الذي كانت تقود فيه العالم ضد الكتلة الشيوعية. ولكن الولايات المتحدة كانت بشكل عام، جديرة بعباءة “الديمقراطية الليبرالية” الرئيسية على كوكب الأرض. ورغم ذلك، صارت خلال السنوات الأخيرة، تشبه في بعض الأحيان مسلسلا تلفزيونيا مأسويا يشاهده العالم كله كثيرا.

وأشار المحلل كلوث إلى التقرير الأخير للمعهد الدولي للديمقراطية ومساعدات الانتخابات، ومقره السويد، عن حالة الديمقراطية في العالم خلال عام 2021، والذي اتسم بالتشاؤم الشديد. وقد أعرب المعهد عن قلقه في التقرير من أن الولايات المتحدة “حصن الديمقراطية العالمية، قد سقطت هي نفسها ضحية لنزعات سلطوية، فقد تحولت إلى مجتمع يتسم بالاستقطاب الشديد ويرفض فيه من يخسر الانتخابات النزيهة، قبول الهزيمة، بل ويسعى إلى نشر الأكاذيب عن سرقة الانتخابات”.

لقد اعتاد الأميركيون إعطاء دروس للدول الأخرى بشأن مثل هذه المساوئ مثل قمع الناخبين والعنف السياسي. أما اليوم، فهم يمثلون الطرف الذي يتعين عليه أن يقدم تفسيرات لما يحدث في بلادهم.

ويقول كلوث “بالطبع، التراجع الديمقراطي بعيد كل البعد عن أن يكون ظاهرة أميركية، فهو يحدث في كل مكان، تقريبا: انحدار بشدة إلى الطغيان، كما هو الحال في ميانمار وأفغانستان وبيلاروس، أو انزلاق تدريجي- كما هو الحال في المجر وتركيا، اللتين لم يوجه إليهما بايدن دعوة للمشاركة في قمة الديمقراطية”.

وبحسب المحلل السياسي كلوث، يعيش حوالي ثلثي العالم في ظل نظم استبدادية، أو نظم ديمقراطية متهاوية. ويتعلق الأمر في بعض الأحيان باستشراء الفساد، وبما يرتبط به من انتشار فقدان الثقة وعدم الاكتراث بين السكان. وفي أحيان أخرى، تتعلق المشكلة بالتفكك التدريجي للضوابط والموازين، مثل استقلال القضاء، كما هو الحال في بولندا (المدعوة رغم ذلك للقمة). وقد زادت جائحة كورونا الأمر سوءا، حيث وفرت للمستبدين قدرا كبيرا من المبررات لفرض المزيد من القيود التعسفية.

الولايات المتحدة صارت خلال السنوات الأخيرة تشبه في بعض الأحيان مسلسلا تلفزيونيا مأسويا يشاهده العالم كله كثيرا
الولايات المتحدة صارت خلال السنوات الأخيرة تشبه في بعض الأحيان مسلسلا تلفزيونيا مأسويا يشاهده العالم كله كثيرا

وفي كل مكان تقريبا، تغذي المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة الاستقطاب والانقسام والتشكك، حيث إنها تنتشر في عصر الإنترنت أسرع من أي وقت مضى. والعقول المدبرة وراء هذه الحملات هي في الغالب من الأعداء المعروفين للديمقراطية الليبرالية، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني شي جين بينج.

وأوضح كلوث أن ذلك يقود إلى الغرض الحقيقي وراء “قمة بايدن للديمقراطية”، فالهدف من القمة هو أنها تشكل فرصة كبيرة للحديث الحماسي للبقية الباقية من الديمقراطيين في العالم، من النشطاء، والزعماء المدنيين، والساسة أصحاب النوايا السليمة. بل أكثر من ذلك، يراد للقمة أن توجه دعوة حاشدة للدول الليبرالية، بشكل أو بآخر، للدخول في تحالف تقوده الولايات المتحدة ضد القوى الاستبدادية. وقد اعتبر بايدن نفسه هذه القمة بأنها “صراع عالمي بين الديمقراطية والاستبداد”.

وأشار كلوث إلى خطورة أن تتحول القمة إلى ما دفع الفتاة السويدية تونبرغ إلى التهكم على زعماء العالم في قمة المناخ، ففي أسوأ الحالات قد تتحول قمة بايدن الديمقراطية إلى مجرد ثرثرة، وقد يتمكن بايدن من حشد الديمقراطيين الحقيقيين والمدعين، لإجراء حديث مطول يتسم بالنفاق عن أمور غير ذات أهمية ولالتقاط الصور، وبذلك لن يصبح أي إنسان في أي بقعة من الأرض أكثر حرية، بل وسيتفشى التشاؤم على نطاق أوسع.

وفي أحسن الأحوال، ستدرك الديمقراطيات التي تحتشد في القمة، وبينها الولايات المتحدة الدولة المضيفة، أنها جميعا تواجه معا نوعين من الأعداء: الأول واضح، وهو عدو خارجي يتمثل في نظم استبدادية مثل روسيا والصين، والثاني أكثر مكرا أو غدرا ويتمثل في خائني الحرية والانهزاميين المحليين.

وفي عام 1987، عندما كانت الديمقراطية تتقدم ولا تتراجع، قال الرئيس الأميركي الراحل دونالد ريجان بشكل واضح “الحرية ليست أبدا أكثر من أن بيننا وبين الانقراض جيلا. يتعين على كل جيل أن يكافح من أجل الحرية والدفاع عنها”. ويرى كلوث أن على بايدن أن يجدد هذ ه الموعظة أمام ضيوفه في قمة الديمقراطية، وأمام جميع الأميركيين.

6