واشنطن تعيد رسم خريطتها العسكرية بشرق سوريا في استراتيجية غامضة

200 شاحنة أميركية تغادر دير الزور إلى الحسكة، والمرصد يؤكد هبوط طائرة شحن للتحالف بقاعدة "خراب الجير" ومغادرة قافلة أخرى من حقلي العمر وكونيكو.
السبت 2025/05/03
انسحاب أمام إعادة انتشار

دير الزور (سوريا) - تواصل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تقليص وجودها في قواعدها بمحافظة دير الزور شرقي سوريا، والانسحاب نحو محافظة الحسكة (شمال شرق). حيث تتجه قوافل عسكرية ولوجستية نحو قواعد أخرى تقع في محافظة الحسكة شمال شرقي البلاد.

يأتي هذا التحرك في ظل تضارب الأنباء والتكهنات حول استراتيجية واشنطن طويلة الأمد في سوريا، خاصة مع تصريحات سابقة حول خفض محتمل للقوات أو حتى انسحاب كامل.

وأكدت مصادر محلية، توجه نحو 200 شاحنة من حقلي الغاز "كونيكو" و"العمر" في محافظة الدير الزور، حيث تتمركز القوات الأميركية، إلى محافظة الحسكة.

وانسحبت هذه المراكب من حقول النفط في دير الزور باتجاه قواعد أميركية تقع في منطقتي "قسرك" و"الشدادي" بريف الحسكة.

ووفقا للمصادر، فإن الشاحنات المنسحبة كانت تحمل العديد من الحاويات، وبعض المركبات العسكرية، ومنشآت مسبقة الصنع.

وفي سياق متصل، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن طائرة شحن تابعة للتحالف الدولي هبطت برفقة مروحيتين حربيتين، تحمل على متنها معدات عسكرية ولوجستية بقاعدة "خراب الجير" بريف رميلان شمال الحسكة.

وأشار المرصد السوري إلى مغادرة قافلة عسكرية تضم كتلا إسمنتية ومعدات عسكرية ولوجستية، تابعة لقوات التحالف الدولي، تتضمن معدات عسكرية ولوجستية، حقلي العمر النفطي وكونيكو للغاز بريف دير الزور الشرقي باتجاه قواعدها بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.

ويأتي هذا التحرك بعد أقل من 48 ساعة من إرسال قوات التحالف الدولي رتلا عسكريا إلى قواعدها في منطقة الرقة شمال سوريا، ضم نحو 25 شاحنة محملة بأنظمة مراقبة متطورة ومدرعات وصهاريج وقود ومعدات لوجستية متنوعة، وفقا للمرصد.

 كما أفادت مصادر أهلية في محافظة دير الزور الجمعة بانسحاب رتل عسكري جديد من قاعدتي العمر وكونيكو باتجاه العراق.

وقالت المصادر "انسحاب رتل عسكري جديد مؤلف من عشرات الآليات والمعدات العسكرية من قوات "التحالف الدولي"، الذي تقوده واشنطن، من قاعدتي العمر وكونيكو شرقي مدينة دير الزور وشمالها باتجاه العراق".

وتأتي هذه التحركات في ظل تصريحات متباينة من المسؤولين الأميركيين حول مستقبل الوجود العسكري في سوريا.

ففي وقت سابق، أكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها تعمل على تقليص عدد قواتها في سوريا إلى أقل من ألف جندي في الأشهر المقبلة، مع التعهد بمواصلة ضرب ما تبقى من "إرهابيي داعش".

وفي منتصف أبريل الماضي، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا استند إلى مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، ذكرت فيه أن البنتاغون يستعد لإغلاق 3 من أصل 8 قواعد شمال شرقي سوريا.

ولفت التقرير إلى أن هذه الخطة ستؤدي إلى خفض عدد الجنود الأميركيين في سوريا من 2000 إلى 1400 جندي.

وأشار إلى أن المسؤولين العسكريين الأميركيين سيقيّمون إمكانية إجراء تقليص إضافي للقوات بعد 60 يوما.

ويتمركز الجيش الأميركي حاليا في 21 قاعدة ونقطة عسكرية، في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور الواقعة شرقي الفرات، فضلا عن عين العرب التابعة لمحافظة حلب شمالي سوريا.

وكانت واشنطن قد عززت وجودها العسكري في سوريا أواخر العام الماضي، ورفعت عدد قواتها إلى 2000 جندي، معللة ذلك بخطر تنظيم داعش المتصاعد وهجمات الميليشيات المدعومة من إيران على القواعد الأميركية في المنطقة.

على صعيد آخر، كانت شبكة "إن بي سي" قد أفادت في بداية فبراير الماضي، نقلا عن مسؤولين في البنتاغون، بأن الوزارة بدأت إعداد خطط للانسحاب الكامل للقوات الأميركية من سوريا خلال فترة تتراوح بين 30 و 90 يوما، تماشيا مع سياسات إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وتكتسب محافظة دير الزور أهمية استراتيجية بالغة لغناها بحقول النفط والغاز وكونها منطقة نفوذ رئيسية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة.

ويرى مراقبون أن أي انسحاب أميركي كامل أو حتى تقليص كبير للقوات قد يؤدي إلى فراغ أمني تستغله أطراف فاعلة أخرى في المنطقة، بما في ذلك فلول النظام السوري والقوات المدعومة من إيران، بالإضافة إلى إمكانية عودة نشاط تنظيم داعش، مشيرين إلى أن هذا الانسحاب يثير تساؤلات حول مستقبل قوات سوريا الديمقراطية وحماية المناطق التي تسيطر عليه.

وتعكس التحركات العسكرية الأميركية الأخيرة في شرق سوريا عملية إعادة تنظيم وتخفيض محتمل للقوات، إلا أن الاستراتيجية الأميركية النهائية في المنطقة لا تزال غامضة.

وبينما تشدد واشنطن على التزامها بمكافحة داعش، فإن تقليص الوجود العسكري يثير شكوكا حول قدرة التحالف على تحقيق هذا الهدف على المدى الطويل وحماية مصالحه وحلفائه في المنطقة، مما يضع مستقبل الصراع في سوريا وتوازنات القوى الإقليمية على المحك.