واشنطن تطمئن الأردن بشأن استمرار وصايته على المقدسات في القدس

عمان تتعاطى بحساسية تجاه أي تطور يتعلق بملف القدس خاصة بعد إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام 2017 على الاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل.
الخميس 2019/06/20
دبلوماسية نشطة تفتقد لأدوات ضغط مؤثرة

الإدارة الأميركية تسعى لتخفيف هواجس الأردن حيال خطة السلام الموعودة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك قبل انطلاق ورشة البحرين التي لم تعلن عمان أي موقف نهائي بخصوص المشاركة فيها، وإن كانت المؤشرات توحي بأنها ليست في وارد المقاطعة.

عمان – نفى مبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات في سلسلة تغريدات على موقعه على “تويتر” ممارسة الولايات المتحدة لأي ضغوط على الأردن بشأن دوره في رعاية المقدسات في القدس.

جاء ذلك ردا على تقارير إعلامية تزعم وجود توجه أميركي لسحب ملف الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس من الأردن، لفائدة دول أخرى بالمنطقة كالمملكة العربية السعودية، بحكم ثقلها الديني والسياسي في المنطقة.

وكتب غرينبلات في إحدى تغريداته “الولايات المتحدة لم ولن تضغط على الأردن للتخلي عن دوره الخاص في ما يتعلق بالمقدسات الإسلامية كما هو منصوص عليه في معاهدة السلام الأردنية مع إسرائيل”. وأضاف “أي تكهنات بعكس ذلك خاطئة تماما”.

وتتعاطى عمان بحساسية تجاه أي تطور يتعلق بملف القدس خاصة بعد إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام 2017 على الاعتراف بالمدينة (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لإسرائيل، وبروز تسريبات على أن خطة السلام الأميركية المعروفة بصفقة القرن تتضمن تكريسا لهذا الاعتراف، المرفوض من قبل المجتمع الدولي.

وتكتسي القدس أهمية استثنائية بالنسبة للأسرة الهاشمية الأردنية بالنظر لطابعها الروحي، حيث يوجد في مدينتها القديمة المسجد الأقصى المذكور في القرآن وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ويحتل مكانة خاصة في وجدان العالم الإسلامي.

وتولت الأسرة الهاشمية الوصاية على المقدسات في القدس منذ العام 1924، وظل الأمر كذلك حتى بعد فك الارتباط بين الضفتين عام 1988.

وكرس اتفاق السلام المعروف بوادي عربة بين إسرائيل والأردن في العام 1994، تلك الوصاية وإن كان تضمن ثغرات لجهة تنصيصه على أنه يمكن للإسرائيليين الدخول إلى الأماكن المقدسة، واستغلت تل أبيب في ما بعد وتحديدا في العام 2015 تلك الثغرات عبر توقيع ملحق مع عمان يشير إلى أنه من حق الإسرائيليين زيارة الأماكن المقدسة في المدينة.

وفي خطوة لتعزيز أحقية الأسرة الهاشمية في الوصاية وقع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على وثيقة في العام 2013 تؤكد أن الملك عبدالله الثاني من له السلطة على المقدسات في القدس، بما يعنيه ذلك من إلغاء لأي دور مستقبلي للفلسطينيين.

أيمن الصفدي: إذا طرح شيء لا نقبله في ورشة البحرين سنقول لا بكل بساطة
أيمن الصفدي: إذا طرح شيء لا نقبله في ورشة البحرين سنقول لا بكل بساطة

ويقول البعض إنه أمام الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في المسجد الأقصى وآخرها استفزاز المسلمين المعتكفين في الأيام العشرة الأخيرة لرمضان، وفي ظل عجز واضح عن التصدي لتلك الانتهاكات فإنه يمكن القول إن الوصاية الأردنية تتجه لأن تكون مجرد وصاية صورية.

ويلفت هؤلاء إلى أن الدول العربية وعلى رأسها السعودية قد أكدت في القمة الأخيرة التي عقدت في تونس في أبريل الماضي وصاية الأردن على المقدسات في القدس، وبالتالي تدحض الروايات التي تروجها بعض الأطراف عن نية الرياض لعب دور مستقبلي في هذا الملف.

ويشير محللون إلى أن تصريحات غرينبلات بشأن الوصاية تهدف إلى طمأنة الأردن الذي يبدو إلى حد اللحظة مترددا حيال المشاركة في مؤتمر البحرين الذي يعقد الأسبوع المقبل برعاية أميركية، ويتوقع أن يطرح الشق الاقتصادي من خطة السلام الأميركية، التي من المرجح أن تعرض في أواخر العام الجاري، بعد الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية.

وقد أكد مسؤولون في البيت الابيض أن الأردن كما مصر والمغرب ستشارك في المؤتمر، فيما لم تؤكد عمان مشاركتها، رغم أن الملك عبدالله ترك الباب مفتوحا حينما قال قبل أيام لجمع من السياسيين والإعلاميين إنه من الضروري المشاركة في مثل تلك المؤتمرات “حتى لا يجد الأردن نفسه خارج الغرفة”.

ويعتبر محللون أن الأردن الرسمي يبدو في موقف صعب في ظل ضغوط داخلية متصاعدة آخرها دعوة النقابات المهنية الثلاثاء إلى ضرورة مقاطعة المؤتمر، وخشيته من رد فعل الولايات المتحدة إذا ما اختار الخضوع لتلك الضغوط.

ويواجه الأردن وضعا اقتصاديا صعبا جدا، في ظل تفاقم المديونية وعجز كبير في الميزانية، وبالتالي هو غير قادر على التضحية بالدعم الأميركي. ويعد الأردن ثالث أكبر متلق للمساعدات الأميركية في المنطقة بقيمة 1.275 مليار دولار سنويا.

ويقول المحللون إنه ليس أمام المملكة على ما يبدو من خيار سوى المشاركة في المؤتمر، مع التأكيد على موقفها المتمسك بخيار إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

وجدد وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي خلال لقائه الثلاثاء الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني التأكيد على أن لا بديل عن حل الدولتين لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وقال الوزير الأردني إن حل الصراع سياسي لا اقتصادي وإنه عندما ينتهي الاحتلال وتقوم الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967 تتفجر الطاقات ويتقدم الاقتصاد.

وفي ما يتعلق بورشة البحرين، قال الصفدي “وجهت للمملكة الأردنية الهاشمية دعوة لحضورها، ندرس هذه الدعوة، إن حضرنا نحضر لنعبر عن هذا الموقف الثابت الراسخ في إطار سياسة الاشتباك الإيجابي التي اعتمدتها المملكة سبيلا دائما للتعبير عن مواقفها”.

وأضاف “إذا طرح شيء لا نقبله سنقول لا بكل بساطة، قلنا لا في الماضي وسنقول لا لأي شيء لا ينسجم مع ثوابتنا التي يعرفها الجميع، وإذا طرح شيء إيجابي سنتعامل معه”.

وليست مسألة الوصاية على المقدسات في القدس، ما يثير فقط مخاوف عمان، بل قد يشكل ذلك جزئية صغيرة مقارنة بالخشية من أن تنقل خطة السلام أزمة الفلسطينيين من إسرائيل إليها، في حال قوضت الخطة، وهذا متوقع وتم الإيحاء به من قبل المشرفين عليها، الأسس المتعارف عليها للسلام وهو حل الدولتين.

ويشكل حاليا الفلسطينيون في الأردن أكثر من 50 بالمئة من عدد سكان المملكة، وانتقال أعداد أخرى إليها سيعني إحداث انقلاب في التركيبة الديمغرافية لسكان المملكة.

وسبق وأن نقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” عن المبعوث الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات الذي يعد أحد عناصر الفريق الذي يشرف على الخطة الموعودة، أنها لن تعتمد على خيار حل الدولتين.

2