واشنطن تضغط على الجيش السوداني من بوابة الدول الصديقة

قوى إقليمية توظف استمرار الحرب لتدشين قواعد عسكرية في السودان.
السبت 2024/09/14
بيريلو يبذل محاولات لإنقاذ منبر جنيف

تدرك الولايات المتحدة أن الدول الصديقة للسودان تخشى من تأثير انفراط عقد السيطرة العسكرية والأمنية على الأوضاع في البلاد، لذلك تسعى لاستكشاف سبل وقف الحرب مع السعودية ومصر وتركيا، باعتبار أن مهمة تأمين الدول المتشاطئة على البحر الأحمر والتخفيف من حدة التوتر في القرن الأفريقي من الأهداف المشتركة لهذه الدول.

الخرطوم - تواصل الولايات المتحدة ضغوطها على الجيش السوداني للانخراط في مساعي وقف الحرب مع قوات الدعم السريع بأدوات مختلفة، آخرها الاعتماد على بعض الدول الصديقة للسودان، ممن لديها علاقات جيدة مع قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في وقت تدعم فيه واشنطن إجراءات لتقليص مساحة المناورة أمام الطرفين المتصارعين، قد تصل حد التدخل الدولي لحماية المدنيين.

وبدأ المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيريلو هذا الأسبوع، جولة شملت السعودية ومصر وتركيا، من أجل استكشاف سبل وقف الحرب، ما يؤشر أن واشنطن عازمة على ممارسة ضغوط متنوعة على قيادة الجيش لتجاوز تعقيدات رفض فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير الذهاب باتجاه وقف الصراع.

وأشار بيريلو من القاهرة إلى وجود قوى سياسية سلبية تسهم في تأجيج الصراع، وتسعى إلى إطالة الحرب بدلاً من العمل نحو الحلول السلمية، مناشدا المجتمع الدولي بالتكاتف لدعم جهود السلام، وتخفيف معاناة الشعب السوداني.

عادل سيدأحمد: زيارة المبعوث الأميركي إلى الدول الثلاث تحمل عنوان “"الجزرة والعصا"
عادل سيدأحمد: زيارة المبعوث الأميركي إلى الدول الثلاث تحمل عنوان “"الجزرة والعصا"

وتبرهن جولة المبعوث الأميركي على أن تمسك الجيش بموقفه الرافض للتفاوض ستكون له نتائج سلبية على قدرته في الإمساك بزمام الأمور في البلاد، وأن القرارات التي يجهز لها المجتمع الدولي مع توالي التأييد لتوصيات بعثة تقصي الحقائق التابعة للمجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تمضي في طريقها، وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ المسار الذي جرى تدشينه في جنيف مؤخرا.

وتدرك الولايات المتحدة أن الدول الصديقة للسودان تخشى من تأثير انفراط عقد السيطرة العسكرية والأمنية على الأوضاع في البلاد، وأن السوابق التاريخية للتدخلات الدولية أدت للتقسيم، وإن كانت قد هدأت من وتيرة العمليات العسكرية المباشرة.

وعلاوة على المخاوف المتنامية للدول التي اختارها المبعوث الأميركي للسودان على البحر الأحمر، فقد توظف بعض القوى استمرار الحرب لتدشين قواعد عسكرية.

وتبقى مهمة تأمين الدول المتشاطئة على البحر الأحمر والتخفيف من حدة التوتر في القرن الأفريقي من الأهداف المشتركة لكل من مصر والسعودية وتركيا، ما يجعل هناك فرصة للضغط على قيادة الجيش لتقديم تنازلات مقابل الحفاظ على وجوده ضمن هياكل السلطة في المستقبل.

ويعد استكشاف مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار ومصير الجيش نقطة مهمة تطرقت لها مباحثات المبعوث الأميركي مع الدول الصديقة للسودان، والتعويل على تبني مواقف دولية بشأن حظر توريد الأسلحة وتوسيع نطاق العقوبات على معرقلي التسوية السلام، والتباحث حول التدخل الدولي وفقا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وقال المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد إن زيارة المبعوث الأميركي للدول الثلاث تحمل عنوان “الجزرة والعصا”، لأن الرجل يبذل محاولات لإنقاذ منبر جنيف والسير نحو الحل التفاوضي، شريطة أن يأتي السلام برضاء الطرفين، على أن يتبع ذلك تقديم المجتمع الدولي مساعدات لإعادة بناء السودان، وحال الرفض ستبحث واشنطن عن استخدام أدوات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وغيرهما بغرض التدخل لأغراض إنسانية، وأخرى تتعلق بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

الدول الصديقة للسودان يمكنها توصيل رؤية الولايات المتحدة للطرفين المتصارعين، ومنحهما الاختيار بين التفاوض أو الاتجاه إلى التدخل الدولي

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الدول الصديقة للسودان يمكنها توصيل رؤية الولايات المتحدة للطرفين المتصارعين، ومنحهما الاختيار بين التفاوض أو الاتجاه إلى التدخل الدولي، وأن نجاح جولة بيريلو يتطلب تقديم الدول الثلاث وعودا لقائد الجيش بوجود معادلة مرنة تتمثل في موافقته على الحل السياسي مقابل وضع أسس للحقيقة والمصالحة تضمن حماية للجيش من المحاسبة كوجهة تعزز فكرة العدالة الانتقالية.

وجاءت جولة المبعوث الأميركي عقب فشل محادثات جنيف في أغسطس الماضي، والتي شاركت فيها قوات الدعم السريع وقاطعها وفد الجيش السوداني.

وذكر عادل سيد أحمد في حديثه لـ”العرب” أن البرهان يناور بالمحور الروسي – الإيراني كي يحقق مكاسب، غير أن ذلك قد ينقلب ضده إذا تحول إلى ضرر مباشر بالمصالح الأميركية، وقد يكون لدى واشنطن رد خشن يسرع من التدخل العسكري في ظل استقطابات دولية حادة بين روسيا والغرب.

نبيل أديب: واشنطن في عام الانتخابات لن تكون مستعدة لدعم تدخل عسكري
نبيل أديب: واشنطن في عام الانتخابات لن تكون مستعدة لدعم تدخل عسكري

وتشير التجارب السابقة بشأن تمرير الاعتماد على الفصل السابع للتدخل العسكري إلى أن كلا من روسيا والصين يمتنعان عن التصويت، وحدث ذلك في أفغانستان وجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، وحال اتخذت موسكو قراراً مغايراً، فالولايات المتحدة يمكنها أن تلجأ إلى الكونغرس الأميركي لتمرير القرار ذاته بصيغة أخرى.

وأكد الحقوقي السوداني نبيل أديب أن الولايات المتحدة في عام الانتخابات، وبالتالي لن تكون مستعدة لدعم تدخل عسكري، وهي تحاول أن تجد حلاً سلميا للصراع القائم وتنوع في أساليب تحركاتها بحثا عن تحقيق هذا الهدف.

ولفت لـ”العرب” إلى أن المشاورات مع مصر والسعودية وتركيا تمنح ضمانة للجيش بأن هناك رغبة في الوصول إلى حل يضمن وحدة البلاد، شرط أن تشارك الحكومة الحالية في العملية السياسية، على أن يكون ذلك وفق الأساليب المرنة وليس الخشنة.

وأضاف أن الحكومة السودانية ترفض وقف الحرب، وحال الاستجابة لوقفها ستقدم على المفاوضات، وتنفيذ ما جاء في إعلان جدة، ما يجعل المحادثات عسكرية بصورة رئيسية، مع ضمان التزام الطرفين بقوانين الحرب والابتعاد عن الأعيان المدنية.

وكشف بيريلو في تغريدة له على منصة إكس أن الجيش السوداني “لا يملك الإرادة في اتخاذ قرار المضي قدماً في عملية التفاوض للحل السلمي، وأضاع فرصة بعدم المشاركة في محادثات جنيف، لكن السعي سيستمر في تلك المحادثات لإنهاء الحرب”.

ومدد مجلس الأمن الدولي بالإجماع الأربعاء، نظام العقوبات الذي يخص دارفور لمدة عام، ويشمل حظر نقل المعدات العسكرية إلى دارفور، بما في ذلك الأسلحة والذخائر والمركبات والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار.

وهي رسالة تشي بعد استبعاد توسيع نطاق الحظر والعقوبات على السودان كله، وأن التوازنات في لحظة معينة قد لا تعمل في صالح الجش السوداني كما يتمنى، فالإجماع الذي حظي به قرار مجلس الأمن يشير إلى إمكانية حدوث تغيير في المعادلة التي يؤسس عليها حساباته.

2