واشنطن تضع ثقلها خلف مقترح المغرب للحكم الذاتي في الصحراء

واشنطن – عززت الولايات المتحدة الأميركية بشكل قاطع موقفها الداعم لمقترح المغرب القاضي بمنح حكم ذاتي لإقليم الصحراء تحت سيادة المملكة، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك، مشددة على أن هذا المقترح "الإطار الوحيد" الممكن للتفاوض من أجل التوصل إلى حل نهائي للنزاع المستمر منذ عقود، في خطوة تعكس عمق التحالف الاستراتيجي بين البلدين.
وقالت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء إن المحادثات لحل النزاع حول الصحراء المغربية ينبغي أن تجري فقط على أساس خطة مغربية من شأنها منح المنطقة بعض الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب.
وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، في بيان لها أن الوزير ماركو روبيو أكد خلال اجتماع مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في واشنطن أن الخطوة التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب في عام 2020 للاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة تظل سياسة أميركية.
وأضافت بروس إن "الوزير أكد مجددا دعوة الرئيس ترامب الأطراف إلى الانخراط في مناقشات دون تأخير، باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين".
ويشهد نزاع الصحراء جموداً منذ عام 1975، حيث يتواجه المغرب الذي يعتبر الإقليم جزءاً لا يتجزأ من أراضيه، وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر، والتي تسعى إلى إقامة دولة مستقلة تحت مسمى "الجمهورية الصحراوية" في الصحراء المغربية.
وفي هذا السياق، نقلت بروس عن الوزير روبيو قوله إن المقترح المغربي، الذي قدم لأول مرة في عام 2007، يتميز بـ "جديته وموثوقيته وواقعيته"، مؤكداً أنه يمثل "الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع". وأضافت أن "الولايات المتحدة لا تزال على قناعة بأن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل العملي الوحيد المتاح".
واعترف ترامب في نهاية ولايته الأولى بسيادة المغرب على الصحراء المغربية كجزء من اتفاقية تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. وقد كان لهذا الاعتراف تأثير كبير على تعزيز العلاقات الثنائية حيث منح المملكة المغربية زخماً دبلوماسياً وسياسياً كبيرا، وفي فبراير 2021، أكدت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن عدم وجود نية للتراجع عن هذا القرار.
وقد تبع الخطوة الأميركية اعترافات ودعم مماثل من قوى دولية مؤثرة. ففي يوليو من العام الماضي، اتخذت فرنسا قراراً مماثلاً خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون للمملكة. كما أعلنت إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة في الصحراء، في عام 2022 عن دعمها الصريح لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب.
في المقابل، لا تزال العملية التي تقودها الأمم المتحدة لإيجاد حل للنزاع تواجه تعثرا. فبينما يؤكد المغرب على أن مقترح الحكم الذاتي هو الأساس الوحيد للمحادثات، تصر جبهة بوليساريو والجزائر على إجراء استفتاء لتقرير المصير.
كما يشدد المغرب على استحالة إجراء أي محادثات جادة دون مشاركة الجزائر كطرف أساسي ومباشر في هذا النزاع الإقليمي. وترفض الجزائر، التي تعترف بـما يسمى "الجمهورية الصحراوية" المعلنة من جانب واحد، المشاركة في المحادثات التي دعا إليها المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية ، وتتمسك بمطلب إجراء استفتاء يطرح خيار الاستقلال.
يُشكل هذا التصريح الأمريكي الأخير تأكيداً قوياً وواضحاً على الدعم المستمر والعميق الذي توليه واشنطن لموقف الرباط بشأن قضية الصحراء. ويُعد تجاوزاً للغة الدبلوماسية المعتادة، حيث يصف المقترح المغربي صراحة بأنه "الإطار الوحيد" للتفاوض، مما يضع ضغطا إضافيا على الأطراف الأخرى، وخاصة جبهة بوليساريو والجزائر، للانخراط بجدية في هذا المسار.
ويعزز هذا الموقف الأميركي بشكل كبير الموقف التفاوضي للمغرب، ويمنحه دفعة قوية على الساحة الدولية في سعيه لترسيخ سيادته على أقاليمه الجنوبية.
على صعيد العلاقات الثنائية، أكد الوزيران روبيو وبوريطة خلال اجتماعهما على "متانة الشراكة الأميركية المغربية في تعزيز السلام والأمن"، مشيرين إلى الدور القيادي لكل من الرئيس ترامب والعاهل المغربي الملك محمد السادس في هذا الإطار.
وناقش الوزيران سبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات، بما في ذلك تعزيز الأولويات المشتركة في المنطقة وتوسيع التعاون التجاري بما يعود بالنفع على شعبي البلدين.
وتُعد الشراكة الأميركية المغربية فرصة سانحة لتعزيز التعاون في قطاعات واعدة مثل التجارة والطاقة والاستثمار. ويُنظر إلى المغرب على أنه بوابة استراتيجية للولايات المتحدة نحو القارة الأفريقية، كما أن زيادة الاستثمارات الأمريكية في المملكة يمكن أن تكون منصة آمنة وفعالة لولوج الأسواق الأفريقية، مما يعزز النمو الاقتصادي في المنطقة بأسرها.
ويُشير التقارب المتزايد بين واشنطن والرباط إلى تحول استراتيجي في السياسة الخارجية الأميركية، يهدف إلى تعزيز الوجود الأمني والاقتصادي في أفريقيا عبر المغرب، الذي يتمتع بموقع استراتيجي محوري ودور أمني متزايد الأهمية في القارة.
وفي سياق إقليمي متوتر، تجدر الإشارة إلى أن خسارة الولايات المتحدة لقاعدتها العسكرية في النيجر والحديث المتزايد عن إمكانية نقل قاعدة روتا الإسبانية إلى المغرب يعكسان مساعي أميركية لإعادة رسم خريطة نفوذها الأمني في منطقة الساحل الأفريقي. ويبقى نجاح هذه الاستراتيجية مرهوناً بقدرة الولايات المتحدة والمغرب على مواجهة التحديات الإقليمية وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، وعلى رأسها التعاون الأمني والعسكري.
ويُظهر الدعم الأميركي المتجدد والقوي لمقترح الحكم الذاتي المغربي تحولاً مهماً في التعامل الدولي مع ملف الصحراء. فيما ينتظر ردود فعل الأطراف الأخرى، ما إذا كانت هذه الديناميكية الجديدة ستُسهم في نهاية المطاف في تحريك عجلة المفاوضات نحو حل سياسي واقعي ودائم لهذا النزاع الذي طال أمده.
في رد فعل متحفظ يعكس حرصها على عدم إغضاب إدارة الرئيس ترامب، أعربت الجزائر، اليوم الأربعاء، عن أسفها لموقف الولايات المتحدة الأميركية الذي يعتبر مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية "الحل الأوحد" لنزاع الصحراء المغربية.
وجاء هذا الموقف الجزائري، الذي بدا أقل حدة وتشنجاً من المعهود، في بيان نشرته وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية على صفحتها على فيسبوك.
وقالت الوزارة "الجزائر تتأسف لتأكيده هذا الموقف من قبل عضو دائم في مجلس الأمن يفترض فيه الحرص على احترام القانون الدولي بشكل عام وقرارات مجلس الأمن بشكل خاص".
وأكدت الجزائر مجدداً على موقفها الثابت بأن "قضية الصحراء المغربية تتعلق بالأساس بمسار تصفية استعمار لم يستكمل وبحق في تقرير المصير لم يستوف"، مشددة على أن الإقليم لا يزال "غير متمتع بالحكم الذاتي" وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وأن شعبه "لا يزال مؤهلاً لممارسة حقه في تقرير المصير" كما نص عليه قرار الجمعية العامة 1514.
كما أشارت الجزائر إلى أن "أي حياد عن هذا الإطار لا يخدم بالتأكيد قضية تسوية هذا النزاع"، مؤكدة أن ذلك "لا يغير البتة من الحقائق الأساسية اللصيقة به والتي أقرتها وثبتتها الأمم المتحدة عبر جميع هيئاتها الرئيسية، بما في ذلك الجمعية العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية".
يأتي هذا الرد الجزائري في سياق دقيق تسعى فيه الجزائر إلى تعزيز تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة. وكان سفير الجزائر لدى واشنطن، صبري بوقادوم، قد كشف الشهر الماضي عن دخول البلدين في محادثات تعاون عسكري يُرجح أن تفضي إلى صفقات تسليح بمعدات حديثة، وهو ما يجسد خيار التنويع الذي تنتهجه الجزائر في مجال التسلح.
ويبدو أن التحولات الجيوسياسية التي أحدثتها عودة ترامب إلى البيت الأبيض دفعت الجزائر إلى انتهاج خطاب أقل حدة في هذا الملف الحساس.
وتدرك الجزائر جيداً أن ترامب لا يقبل عادةً أي اعتراضات على خططه أو انتهاج سياسة مناوئة للسياسة الأميركية، وهو ما يثير مخاوف في الجزائر من الوقوع في دائرة العقوبات الأميركية المحتملة، خاصة في ظل سعيها لتوطيد العلاقات العسكرية مع واشنطن.
ويعكس هذا الحذر الجزائري رغبة واضحة في تجنب الأخطاء السابقة وبناء علاقات إيجابية مع إدارة ترامب، مع الحفاظ في الوقت نفسه على موقفها المبدئي بشأن قضية الصحراء المغربية.