واشنطن تسلّح الأردن بمقاتلات أف – 16: تحقيق للردع ورسالة إلى إيران

يعكس دعم الولايات المتحدة المباشر للأردن عبر تمويل شرائها لمقاتلات أف – 16 المتطورة، اهتماما أميركيا بتعزيز قوة الردع لحليفها الاستراتيجي في المنطقة. ولا يخلو ذلك، حسب محللين، من توجيه رسالة غير مباشرة إلى إيران وحلفائها في المنطقة.
عمان- اعتبر محللان عسكري وسياسي أن إعلان الولايات المتحدة صفقة لبيع الأردن طائرات مقاتلة متطورة من طراز أف – 16 يندرج ضمن سياق مزدوج لتحقيق الردع المتكامل لحلفائها، وتوجيه رسالة غير مباشرة لإيران بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، بما فيها الحل العسكري.
وتتهم عواصم إقليمية وغربية، في مقدمتها واشنطن، إيران بامتلاك أجندة توسعية في منطقة الشرق الأوسط، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، والسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إنها تلتزم بعلاقات حسن الجوار، وإن برنامجها النووي مصمم لأغراض سلمية، وهو ما لا يتماشى مع خطواتها التصعيدية عبر وكلائها في المنطقة.
والجمعة، وافقت وزارة الخارجية الأميركية على صفقة عسكرية محتملة لمصلحة الأردن، تتضمن 16 طائرة من طراز أف – 16، إضافة إلى معدات تبلغ تكلفتها 4.21 مليار دولار، بحسب قسم الشؤون السياسية والعسكرية بالوزارة.

مأمون أبونوار: الهدف من التسليح هو مواجهة التحدي الإيراني في المنطقة
ونشر القسم، عبر تويتر، بيانا لوكالة التعاون الأمني بوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، قالت فيه إنها أرسلت الجمعة الشهادة المطلوبة لإخطار الكونغرس بهذا البيع لطائرات ومعدات وذخائر.
وهذه الصفقة، التي طلبتها عمان، تشمل اثنتي عشرة مقاتلة من طراز أف – 16 سي وأربع مقاتلات من طراز أف – 16 دي. كما تضم محركات مركبات ورادارات ومدافع وأنظمة تحكم إلكترونية وذخيرة شديدة الانفجار وأخرى للتدريب، فضلا عن معدات تشفير للاتصالات الآمنة، ومعدات الملاحة الدقيقة.
ووفق وكالة التعاون الأمني، فإن “عملية البيع المقترحة ستدعم السياسة الخارجية وأهداف الأمن القومي للولايات المتحدة، عبر المساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج الناتو (حلف شمال الأطلسي)، يمثل قوة مهمة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في الشرق الأوسط”.
وتابعت أن “الصفقة المقترحة ستعمل على تحسين قدرة الأردن على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية، من خلال ضمان استمرار التشغيل البيني مع الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي”.
وأردفت أن “هذه الطائرات ستعمل على تحديث أسطول الطائرات المقاتلة الأردنية، ودعم المتطلبات التشغيلية المرتبطة بالأهداف الإقليمية للتحالف الأميركي، مثل مكافحة المنظمات المتطرفة العنيفة، ومواجهة الجهات الخبيثة الحكومية وغير الحكومية، والدفاع الحدودي”.
واعتبر المحلل والخبير العسكري مأمون أبونوار أن السبب وراء هذه الصفقة الممولة أميركيا هو “تحديث الأسطول الجوي لمقاتلات الأردن من هذا النوع”.
وتابع أبونوار، وهو لواء طيار مقاتل متقاعد، أن “الدول في العادة تحدث مقاتلاتها كل 20 عاما، وتُدخل إلى ترسانتها الجوية أنواعا جديدة وحديثة لتواجه متطلبات التهديد الحالي والمستقبلي”.
ومن الأسباب الأخرى، بحسب أبونوار، “مواجهة التحدي الإيراني ونفوذه بالمنطقة، ونظرة واشنطن إلى مفهوم الردع المتكامل لحلفائها”.
◙ باحثون وأكاديميون أردنيون يدعون عمّان إلى النظر “بعين الخشية والاهتمام” من وجود ميليشيات إيرانية على الحدود الأردنية مع سوريا
وأردف أن “الولايات المتحدة تعتبر الأردن حليفا استراتيجيا بحكم موقعه الجيوسياسي، والعلاقات التاريخية معه منذ عقود، لذا فإن تزويده بمثل هذه الطائرات سيحقق له مفهوم الردع المتكامل، ومواجهة أي تهديد بالمنطقة”.
وذكر أبونوار أن “المملكة تملك العشرات من طائرات أف – 16 أي، ولكن الطائرات الجديدة هي نوعية مميزة ومتطورة جدا”.
ولفت إلى أن “أي سلاح جو في العالم تحتاج استدامة عمله إلى تكاليف باهظة على ميزانية أي دولة، وأن يتم تزويد الأردن بمنحة هو في الاتجاه الصحيح”.
وقال إن “الأردن ضمن تحالف دولي، تقوده الولايات المتحدة، لمحاربة تنظيم داعش والتطرف في المنطقة، خاصة ما يجري في العراق وسوريا، والتأثير الإيراني في هذه الدول، لذا فمن الضروري تزويد الأردن بهذه الطائرات خدمة لمصالحه”.
ووفق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية (حكومية) جمال الشلبي، فإن “هذه المنحة (العسكرية) تأتي في إطار تأكيد العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والأردن كحليف تاريخي وسياسي بالمنطقة”.
واستشهد الشلبي باستقبال الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في يوليو 2021، كأول زعيم عربي، معتبرا أنه “دلالة واضحة على أهمية الأردن ودوره السياسي الذي تحتاجه وتكمله الولايات المتحدة”.
ولفت أيضا إلى استبعاد الأردن من قانون قيصر الأميركي الذي يفرض عقوبات على المتعاملين مع النظام السوري (جار المملكة).

جمال الشلبي: دلالات الدعم المباشر رسالة غير مباشرة إلى إيران وحلفائها
واعتبر أن تلك المواقف “أشعرت الأردن بدعم سياسي ودبلوماسي أميركي حقيقي، وقد ترجمت العلاقة المتجددة بإنشاء قاعدة عسكرية أميركية بالمملكة”.
ورأى أن إنشاء هذه القاعدة في المملكة “يعود إلى وجود ثقة حقيقية، وهو اعتراف بأهمية موقع المملكة الاستراتيجي، خاصة وأنه على تماس مع أزمات المنطقة ككل، سوريا والعراق وفلسطين”.
واستبعد الشلبي أن يكون هدف الدعم الأميركي المباشر، عبر صفقة الطائرات المقاتلة الحديثة، في إطار الاستعداد لهجوم على إيران.
وأرجع ذلك إلى سببين، هما أن “الولايات المتحدة لديها صواريخ عابرة للقارات وتستطيع ضرب إيران من أي مكان بالعالم، والثاني لو كانت بحاجة إلى القرب (من إيران) لاستخدمت دول الخليج لذلك”.
وأردف “الأهم أنني أستبعد نشوب أي حروب بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، لكثرة اللاعبين الدوليين الفاعلين، والذين تحول مواقفهم دون حدوث ذلك”.
واختتم بأن “المحصلة، الطائرات هي دعم طبيعي للأردن ليست له أي دلالات إلا الدعم المباشر، وقد تكون إشارة ورسالة غير مباشرة لإيران وحلفائها بأن كل الحلول مطروحة على الطاولة، بما فيها الحل العسكري”.
ويثير تواجد ميليشيات حزب الله اللبناني في محافظة درعا السورية الحدودية، مخاوف الأردن الأمنية.
ويحذر خبراء من أن الحرس الثوري الإيراني أصبح على حدود المملكة وأقرب إلى إسرائيل.
وينظر الأردن إلى محافظة درعا بكثير من القلق والاستنفار، لاسيما وأن سيطرة قوات النظام السوري على المحافظة سهّلت تموضع الميليشيات الإيرانية قرب حدوده الشمالية.
ودعا باحثون وأكاديميون أردنيون عمّان إلى النظر “بعين الخشية والاهتمام” من وجود ميليشيات إيرانية على الحدود الأردنية مع سوريا، حتى لا تشكل مصدر إزعاج أمني أو تأثير في العلاقات الأردنية – السورية.
عملية البيع المقترحة ستدعم السياسة الخارجية وأهداف الأمن القومي للولايات المتحدة، عبر المساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج الناتو
وزاد حديث أهالي درعا عن وجود قوات إيرانية داعمة للنظام السوري من حالة القلق لدى عمّان، لاسيما وأن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد أعلن مؤخرا في مقابلة أجرتها معه شبكة “سي.أن.أن” الأميركية عن تعرض بلاده للهجوم من طائرات مسيّرة إيرانية الصنع، وتم التعامل معها.
ويرى مدير التوجيه المعنوي السابق العميد المتقاعد ممدوح العامري أن ذلك “يرتب على الأردن أعباء أمنية واسعة من حيث زيادة حجم عملية التدقيق الأمني والتفتيش، للحيلولة دون استخدام تلك المعابر من قبل إيران في عمليات تهريب الأفراد والأسلحة أو تخزينها داخل الأردن، لضرب المصالح الأردنية أو الإسرائيلية أو الأميركية”.
ويشكل وجود ميليشيات إيرانية على الحدود الأردنية أيضا خطرا، خاصة في حال وقع اشتباك مسلح مع إسرائيل، حيث ستتساقط على الأراضي الأردنية الصواريخ والقذائف، والتي ربما تمس سلامة الأردنيين على أراضيهم.