واشنطن تسعى لإنقاذ مفاوضات جنيف بشأن السودان

الإدارة الأميركية توظف تناقضات الجيش وتراجعه ميدانيا لوقف الحرب.
الأربعاء 2024/08/07
ضغوط الداخل والخارج تحاصر البرهان

تكثف الولايات المتحدة من تحركاتها لإقناع قيادة الجيش السوداني بالمشاركة في مفاوضات جنيف، لكن الإشكال يكمن في أن واشنطن لا تمتلك أوراق ضغط حقيقية، وسلاح العقوبات الاقتصادية تمت تجربته ضد بعض ممولي الحرب الحالية، لكنه لم يؤت أكله.

الخرطوم- تواصل الولايات المتحدة تحركاتها لإقناع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان للتفاوض مع قوات الدعم السريع في جنيف حول وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية.

وأعادت واشنطن استخدام سياسة العصا والجزرة للتعامل مع التناقضات الظاهرة في خطاب الجيش عقب تعدد الرؤى بشأن الذهاب إلى سويسرا.

وأعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اتصال هاتفي أجراه مع البرهان عن غضب واشنطن من مماطلات الجيش وضرورة حثه على حضور الاجتماعات المنتظرة في الرابع عشر من أغسطس الجاري، بعد أن تباينت مواقف الحكومة السودانية من الدعوة الأميركية للتفاوض.

وفُسّر اتصال بلينكن مع البرهان على أنه إشارة تفيد باتجاه إدارة الرئيس جو بايدن إلى إنجاح جولة جنيف الجديدة، والرغبة في تفويت الفرصة على محاولات إفشالها من قبل جناح في الجيش يرفض التجاوب مع الحلول السلمية.

وأوضحت وزارة الخارجية الأميركية الاثنين أن أنتوني بلينكن أكد خلال الاتصال أهمية مشاركة وفد الجيش في محادثات وقف إطلاق النار، معتبرة هذه الخطوة “الحل الوحيد لإنهاء النزاع، ومنع انتشار المجاعة، واستعادة العملية السياسية المدنية”.

ويتزامن هذا التحرك مع تصريحات حملت في أبعادها تهديدا مباشرا للأطراف الماضية في استمرار الحرب وارتكاب جرائم بحق المدنيين جاءت على لسان سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة روبرت وود في أثناء إحاطة لمجلس الأمن بشأن تقرير المحكمة الجنائية الدولية في ما يتعلق بالسودان، إذ دعا السفير لاتخاذ إجراءات حاسمة لإنهاء العنف وكسر دائرة الإفلات من العقاب ومحاسبة المسؤولين عن الفظائع.

وتحاول الإدارة الأميركية التعامل مع العثرات التي تعترض طريق المفاوضات بجدية هذه المرة، واتجهت نحو حشد الدعم الإقليمي وتأييد دول جوار السودان لدعوتها للتفاوض عبر زيارات قام بها مبعوثها الخاص إلى السودان توم بيرييلو إلى مصر وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا، وطمأنت البرهان على أنها لن تتركه فريسة لخصومه.

وروّج منتمون للحركة الإسلامية لتعريف البرهان في البيان الذي أصدرته الخارجية الأميركية بوصفه “رئيسا لمجلس السيادة الانتقالي وليس قائدا للجيش على أنه انتصار معنوي، في مواجهة قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).

سليمان سري: ما ستتمخض عنه اجتماعات جنيف يصعب التعويل عليه
سليمان سري: ما ستتمخض عنه اجتماعات جنيف يصعب التعويل عليه

ويبدو أن إدارة بايدن أرادت تجاوز مسألة المسميات لتعبيد الطريق للوصول إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، ووجدت إمكانية لضرب عدة عصافير سياسية بحجر واحد، إذ تخفف الضغوط عن البرهان من جانب الحركات المسلحة والعناصر الإسلامية اللتين تسعيان ليكون لهما تمثيل في محادثات جنيف، وهما تدركان صعوبة تحقيق ذلك، ولذلك سعتا منذ البداية لإفشالها بما يضمن الحفاظ على مكاسبهما الحرب.

وعقب المكالمة الهاتفية مع بلينكن وجّه البرهان رسائل إلى حلفائه على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك أكد فيها أنه تحدث معه حول “أهمية معالجة القضايا التي تهم الحكومة قبل بدء أيّ مفاوضات”، ولم يوضح ماهية تلك القضايا، وهو ما يشي بأن وفد البرهان سيتجه إلى جنيف وتُجرى مباحثات أولية قبل انطلاق المفاوضات.

وقالت مصادر سودانية لـ“العرب” إن الولايات المتحدة تدرك الوضع الميداني السلبي للجيش، ويمكنها الضغط عليه للذهاب إلى محادثات وقف إطلاق النار في جنيف، لأن محاولات الترويج لتشكيل معسكر دولي داعم للجيش، مثلما جاء ذلك على لسان مساعد قائد الجيش ياسر العطا، من الصعب أن يكون له تأثير على أرض الواقع.

وأضافت المصادر ذاتها أن روسيا وإيران قد تنخرطان في صراعات أكثر سخونة، حال حدثت مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولن يحصل الجيش السوداني على أيّ دعم، وينحصر دوره في توظيفه ضمن صراع دولي ممتد.

ويواجه البرهان اتهامات من بعض القوى الدولية بأنه يرفض التفاوض، وأصبح في نظر قوى إقليمية عديدة، وفي نظر سودانيين أيضا، عاملاً رئيسيا في إفشال المبادرات المتعددة منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي، الأمر الذي ستحاول أن تستفيد منه الولايات المتحدة سياسيا للضغط على الجيش السوداني كي يذهب وفده إلى سويسرا والمشاركة في المفاوضات كخطوة رئيسية، بعيدا عما سيدور فيها.

وأبدت وزارة الخارجية السودانية أواخر يوليو الماضي موافقة مشروطة على الدعوة الأميركية لعقد مفاوضات في جنيف قبل أن يعود البرهان ليؤكد على عدم التفاوض مع الدعم السريع بعد محاولة فاشلة لاغتياله، أشارت فيها أصابع الاتهام إلى عناصر في الحركة الإسلامية رافضة لتوجهاته السياسية بشأن القبول بالتفاوض.

ورحب قائد قوات الدعم السريع بالمبادرة الأميركية عقب إطلاقها مباشرة، وأبدى استعداده لإجراء محادثات في سويسرا، مؤكدا المشاركة بلا قيد أو شرط.

وقال المحلل السياسي السوداني سليمان سري إن الدعوة الأميركية للعودة إلى طاولة التفاوض جاءت متأخرة، وقد تكون غير فاعلة، كما هو الحال بالنسبة إلى تحركات المجتمع الدولي، ويصعب التعويل على ما ستتمخض عنه اجتماعات جنيف، وإن شارك فيها الجيش، فثقة السودانيين تكاد تكون مفقودة بالولايات المتحدة، ويبقى إعلان فشل اجتماعات سويسرا هو الأقرب في ظل عدم تهيئة الأجواء المناسبة لها.

مصادر سودانية لـ"العرب": الولايات المتحدة تدرك الوضع الميداني السلبي للجيش، ويمكنها الضغط عليه للذهاب إلى محادثات جنيف

وأشار سري في تصريح لـ“العرب” إلى أن الاتفاق الإنساني الذي توصلت إليه قوات الدعم السريع مع الأمم المتحدة في مفاوضات غير مباشرة عقدت في جنيف أيضَا قبل أكثر من أسبوعين لم تسفر حتى الآن عن جديد، ولم تصل المساعدات إلى معسكرات النازحين في دارفور، وتمت عرقلة دخولها وتجاهل التوافق حول ذلك.

وكشفت تقارير أصدرتها منظمات إنسانية أن الجيش بإمكانه إدخال المساعدات من خلال معبر الطينة بين تشاد والسودان، لكنه يعرقل دخولها، وتستمر العمليات العسكرية بشكل موسع في مناطق عدة من أقاليم السودان.

وذكر سليمان سري لـ“العرب” أن الولايات المتحدة لا تمتلك أوراق ضغط حقيقية، وسلاح العقوبات الاقتصادية تمت تجربته ضد بعض ممولي الحرب الحالية، لكنها لم تؤثر على مجرياتها، والحل في حظر دخول الأسلحة من الخارج لطرفي الصراع، وهو أمر لم تتحدث عنه واشنطن، والتعويل على نجاح مفاوضات جنيف بنفس أساليب الضغوط السابقة يؤكد أن المجتمع الدولي يفتقد الرغبة القوية لوقف الحرب.

 

اقرأ أيضا:

         • ما الذي يجعل محادثات السلام السودانية ناجحة

2