واشنطن تسعى لإنجاح محادثات جنيف بحثها الجيش السوداني على الالتحاق

جنيف - قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو الخميس، إنه يرغب في رؤية "نتائج ملموسة" خلال محادثات وقف إطلاق النار التي انطلقت في سويسرا مع قوات الدعم السريع لكن في غياب الجيش السوداني الذي رفض المشاركة فيها، ما يشير إلى إصرار واشنطن على إنجاح المحادثات، فيما يرى خبراء أن السبيل الوحيد لإجبار الجيش على الانضمام هي القوة الغاشمة.
وكتب بيرييلو على منصة "إكس"، "تتواصل محادثاتنا الدبلوماسية بشأن السودان لليوم الثاني، ونحن نعمل بلا هوادة مع شركائنا الدوليين من أجل إنقاذ الأرواح وضمان تحقيق نتائج ملموسة".
ويغرق السودان منذ أبريل 2023 في حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، وضعت البلاد على شفير المجاعة.
ومع نهاية اليوم الأول من المحادثات، كرّرت واشنطن دعوتها إلى الجيش السوداني للانضمام إلى طاولة الحوار، حيث بادر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للاتصال بالبرهان هاتفيا وحضه على الانضمام.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل في واشنطن "أكدنا أن من مسؤولية (الجيش) أن يكون حاضرا وسنواصل القيام بذلك".
ومجددا، رفض السودان الذي يقوده بحكم الأمر الواقع قائد الجيش، الدعوة إلى المشاركة في المحادثات الخميس عبر وزير المال جبريل إبراهيم. وكتب على إكس "طبع الشعب السوداني يرفض التهديد والوعيد".
وأضاف أن الحكومة السودانية "لن تقبل وساطة مفروضة ولن تكون طرفا في مباحثات هدفها تشريع احتلال الميليشيا (قوات الدعم السريع) الإجرامية المنشآت المدنية وضمان مكانتها مستقبلا على الساحتين السياسية والأمنية".
وباءت بالفشل كل جولات التفاوض السابقة التي أجريت في جدة، وفي نهاية يوليو، دعت واشنطن الطرفين المتحاربين إلى جولة جديدة من المفاوضات في سويسرا أملا في وضع حدّ للحرب المدمّرة المستمرة منذ ما يقرب من 16 شهرا.
وترمي المناقشات إلى توسيع نطاق إيصال المساعدات الإنسانية وإيجاد آلية مراقبة وتدقيق لضمان تطبيق أي اتفاق.
وترغب واشنطن في إشراك الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة بصفة مراقبين في محادثات جنيف التي ترعاها مع السعودية وسويسرا ويفترض أن تستمر لعشرة أيام على أبعد تقدير.
لكن الحكومة السودانية بقيادة الجيش قالت إنها لم تتلق إجابات حيال مصير اتفاق جدة الموقع في مايو من العام الماضي، واحتجّت على إشراك الإمارات في حين تعتبر الولايات المتحدة أن أبوظبي والقاهرة يمكن أن تكونا "ضامنتين" لعدم بقاء أي اتفاق حبرا على ورق.
وقال القيادي في حزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر، إن غياب وفد القوات المسلحة السودانية عن مباحثات جنيف يعني إصرارهم على الحرب، واصفًا قرار حكومة السودان بعدم إرسال وفدها بأنه قرار خاطئ.
وأوضح عمر، في تصريح لموقع "الراكوبة"، أن الأجندة المطروحة في جنيف تتعلق بوقف الحرب، وإذا أراد الجيش تنفيذ مخرجات جدة، كان يجب أن يذهب إلى جنيف. وطالب قيادة الجيش بإعادة النظر في تقديراتهم وقراراتهم بشأن المفاوضات، وأن يتخذوا خطوات لوقف الحرب.
وأضاف أن الشعب السوداني عانى كثيراً وطالب الجيش بترك الإصرار والتعنت لأنه لا يخدم قضايا الشعب، بل يخدم مصالحهم في استمرار سلطة الأمر الواقع.
ويعاني الجيش السوداني من تقييد في حركته السياسية، بعد أن وسع تحالفاته مع أطراف ليس من مصلحتها نجاح مسار التسوية، وظهر تأثير ذلك في موقفه من مبادرات وقف الحرب، وقد تظهر انعكاسات سلبية على بعض أوجه العلاقات الإقليمية التي يرتكن إليها الجيش، ويجد نفسه أسيرا لمواقف متعارضة معها.
ولدى الحركة الإسلامية التي برز حضورها داخل الجيش موقف معارض للانفتاح على الخارج، مستفيدة من خبراتها في اللعب على تناقضات القوى الدولية للبقاء على رأس السلطة، ولو قاد ذلك إلى عودة العزلة التي عانى منها السودان سنوات طويلة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق عمر البشير.
وقال كاميرون هدسون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "لقد حاولت الولايات المتحدة خلق الوهم بوجود لحظة من الزخم لإجبار القوات المسلحة السودانية على التعاون... لكن الجيش السوداني فهم إنها خدعة لأنه يعلم أن المجتمع الدولي منقسم".
وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية "إن الطريقة الوحيدة لحملهم على التفاوض هي القوة الغاشمة: إما أن يشعروا بأنهم يواجهون خطر خسارة الحرب في ساحة المعركة، أو خطر العزلة الدبلوماسية الحقيقية وخطر الدمار الاقتصادي الحقيقي (ولكن) لكنهم لا يخضعون لأي من هذه الضغوط في الوقت الحالي".
إلى الآن أوقعت الحرب الدائرة في السودان منذ 2023 عشرات آلاف القتلى وأدت إلى أزمة إنسانية كبرى، وفق الأمم المتحدة التي وعلى غرار منظمات غير حكومية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، تندّد بعوائق توضع أمام العمل الإنساني.
وفي مؤتمر صحافي، قال مسؤول برنامج أطباء بلا حدود في السودان فيتوريو أوبيتسي أن إيصال المساعدات على نحو آمن وبدون عوائق "يجب ألا يكون مرهونا بوقف القتال العدائية أو إيجاد حل للنزاع".
وفي أوائل أغسطس، قالت وكالة تتلقى الدعم من الأمم المتحدة إن الحرب تسببت بمجاعة في مخيم زمزم، بالقرب من بلدة الفاشر المحاصرة، عاصمة ولاية شمال دارفور. ويدور قتال عنيف منذ بداية مايو في مدينة الفاشر، العاصمة الوحيدة لولايات دارفور الخمس غير الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع التي تحاصرها.
وفق بيان لمنظمة أطباء بلا حدود، قُتل منذ 10 أغسطس 15 شخصا على الأقل وجُرح أكثر من 130 شخصا في الفاشر. ووقع هجوم جديد في 11 أغسطس ضد المستشفى السعودي الذي تدعمه "أطباء بلا حدود" والذي يعد آخر المستشفيات العامة القادرة على معالجة الجرحى في المدينة.
وأشار البيان إلى أن الهجوم "تسبب بأضرار كبيرة" في المستشفى وعطّل جزءا من خدماته.