واشنطن تسعى لإعادة التركيز على آسيا رغم حرب أوكرانيا

الإدارة الأميركية تواجه انتقادات لافتقارها إلى استراتيجية رسمية للتعامل مع الصين.
الأربعاء 2022/05/11
التحركات الصينية تثير مخاوف واشنطن

تسعى الإدارة الأميركية لتلافي الانتقادات التي تطالها جراء انشغالها بالأزمة الأوكرانية، فيما تحاول الصين تعزيز نفوذها في منطقتي المحيطين الهادئ والهندي. ويؤكد المسؤولون الأميركيون أن مواجهة الصين في آسيا من أولويات السياسة الخارجية.

واشنطن - لا يخفي الرئيس الأميركي جو بايدن منذ أن تولى السلطة بأنه يعتبر الصين الخصم الدولي الأبرز وبالتالي ينبغي أن تكون على رأس أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة.. ثم غزت روسيا أوكرانيا.

وبعدما كرّس شهورا لدعم أوكرانيا ومعاقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يحوّل بايدن تركيزه، على الأقل مؤقتا، إلى آسيا مجددا، في مؤشر على أن الحرب الدائرة في أوكرانيا لم تطغ على الأهداف الدولية الأخرى للإدارة.

ويلتقي بايدن اعتبارا من الخميس قادة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في قمة تستمر يومين وتعد مؤشرا على الانخراط الأميركي الشخصي في منطقة مليئة بالنزاعات مع الصين التي يزداد نفوذها.

وبعد أسبوع، يتوجّه بايدن إلى اليابان وكوريا الجنوبية، البلدان الحليفان للولايات المتحدة والمرتبطان بمعاهدات معها. وسيعقد قمة في طوكيو مع رؤساء وزراء أستراليا والهند واليابان، وهو "رباعي" ينظر إليه على نطاق واسع على أن هدفه مواجهة بكين.

وسيلقي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قريبا ما يعتبر خطابا مهمّا بشأن الصين، تأجّل مؤخرا بعدما ثبتت إصابة الوزير بكوفيد. وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن "قمة 'آسيان' ستناقش بالتأكيد الحرب في أوكرانيا، لكنها فرصة أيضا لمناقشة الأمن في المنطقة".

كما لفتت إلى أنها تتوقع أن يتم التطرق إلى الوباء وكوريا الشمالية، التي قد تصبح قريبا على رأس أولويات الولايات المتحدة في وقت ترى واشنطن مؤشرات على اختبار نووي جديد وشيك.

أنتوني بلينكن: الصين سترى التكاليف التي دفعتها روسيا ثمنا لعدوانها

وترى يوكي تاتسومي من مركز "ستيمسون" أن بايدن يبعث رسالة عبر مضيّه قدما في الدبلوماسية المرتبطة بآسيا. وقالت "بالنسبة إلى إدارة بايدن، يعد الأمر مهما للغاية لطمأنة الدول الواقعة في منطقة الهندي - الهادئ بأننا بالفعل نهتم بشؤون مرتبطة بأوكرانيا في الأمد القريب، لكننا ملتزمون بشكل أساسي بمنطقة الهندي - الهادئ".

وفي ظل تقدّمها السريع في مجال التكنولوجيا وزيادة نفوذ حكومتها سواء داخليا أو خارجيا، خيّم شبح الصين التي يشكّل سكانها حوالي خُمس سكان العالم على الإدارات الأميركية المتعاقبة التي أدركت جميعها أهمية منطقة الهادئ، لكن كلا منها وجدت نفسها في مواجهة واقع تعصف به اضطرابات في أماكن أخرى.

وأطلق الرئيس السابق باراك أوباما استراتيجية "التحوّل إلى آسيا" التي شملت تخفيف الالتزامات حيال الشرق الأوسط، لكنه أعاد إرسال جنود إلى العراق بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي 2014 بعدما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، أثار أوباما حفيظة الرئيس الروسي بوتين عبر وصفه روسيا بأنها "قوة إقليمية" ضعيفة. وأشار الباحث لدى "معهد المشاريع الأميركي" هال براندز إلى وجود "توتر واضح" بين الحاجة إلى التركيز على آسيا والأولويات التي تظهر حول العالم.

وقال "لا أستيقظ ليلا وأنا أشعر بالقلق من العيش في عالم يدور حول روسيا نظرا لعدم امتلاكها هذه القوة ولأنها بالتأكيد لم تملك هذه القوة بعد الأزمة الحالية".

وأضاف "الإدارة محقّة في قولها إن الصين هي المنافس المنهجي الوحيد المهم للولايات المتحدة. لكن خلال العام الماضي، رأينا أنه مازالت لدى الولايات المتحدة مصالح مهمة حقا في مناطق خارج آسيا، ويمكن أن تتعرّض هذه المصالح للخطر بسهولة أكبر مما نتوقع".

ولفتت تاتسومي إلى أن الإدارة الأميركية قد تشير أيضا إلى أزمة أوكرانيا كمثال. وقالت إن بإمكان فريق بايدن أن يسلّط الضوء على "القواسم المشتركة" بإظهاره أن الولايات المتحدة تدافع بحزم عن مبادئ من بينها سلامة الأراضي وحقوق الإنسان.

وقال بلينكن خلال شهادة أدلى بها أمام الكونغرس الشهر الماضي إن الصين بالتأكيد سترى "التكاليف الهائلة التي دفعتها روسيا ثمنا لعدوانها". وتابع أنها "ستأخذ ذلك في الحسبان" في ما يتعلّق بسياستها حيال تايوان.

وبعد أكثر من عام على تولي بايدن المنصب، واجهت إدارته انتقادات من الجمهوريين وآخرين لافتقارها إلى استراتيجية رسمية للتعامل مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم والمنافس الاستراتيجي الرئيسي لواشنطن.

ولطالما تحدث الخبراء عن التحديث العسكري السريع في الصين، ووصفوها بـ"القوة الصاعدة". لكن مثل هذه التحليلات قد تكون قديمة. فالصين لم تعد قوة صاعدة، إذ صعدت بالفعل، وأصبحت تتحدى الولايات المتحدة في مجالات عسكرية عديدة.

الكثير من الشواهد تشير إلى أن القوة العسكرية الأميركية مازالت أكبر من نظيرتها في بكين، فالترسانة النووية الأميركية أكبر بكثير من الصين

وحذر تقرير جديد أصدره مركز الدراسات الأميركية في جامعة سيدني الأسترالية من أن خطة الدفاع الأميركية في منطقة المحيط الهادي والهندي "على شفا أزمة غير مسبوقة"، وأن واشنطن قد تعاني في الدفاع عن حلفائها أمام الصين.

وجاء فيه أن "الولايات المتحدة لم تعد تتمتع بالتفوق العسكري في منطقة المحيط الهادي والهندي" وأن قدرتها على "الاحتفاظ بتوازن القوى لصالحها أصبحت محل شكوك متزايدة".

ويشير التقرير إلى أن ترسانة الأسلحة الهائلة التي تمتلكها بكين تهدد القواعد الأساسية التي تمتلكها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وأن مثل هذه القواعد "يمكن اعتبارها بلا فائدة مع بداية الضربات الجوية في الساعات الأولى لأي صراع".

والصين ليست قوة عظمى عالمية مثل الولايات المتحدة. وثمة شكوك قوية في أن طموحها العسكري قد يصل إلى هذه الدرجة (لكن هذه الفرضية قد تتغير مع توسع الصين البطيء في شبكات الموانئ والقواعد خارج أراضيها).

وحتى الآن، يعتمد نفوذ الصين الدولي على قوتها الاقتصادية. وتفتقر الصين إلى "الرغبة في الهيمنة"، وهو الإحساس المرتبط بوجود مهمة خارجية، الذي كان وراء سعي الولايات المتحدة للهيمنة العالمية خلال القرن الماضي.

كما أن الصين تفتقر إلى أدوات القوة الناعمة كالتي تملكها الولايات المتحدة، والتي تشجع الآخرين على مشاركتها نفس القيم. وتشير الكثير من الشواهد إلى أن القوة العسكرية الأميركية مازالت أكبر من نظيرتها في بكين. فالترسانة النووية الأميركية أكبر بكثير من الصين.

كما تحتفظ الولايات المتحدة بتفوقها التكنولوجي في مجالات هامة مثل جمع المعلومات المخابراتية، وأنظمة دفاع الصواريخ الباليستية، وأحدث الطائرات الحربية. وتستند على شبكة قوية من العلاقات المتجذرة في آسيا، ومن خلال حلف شمال الأطلنطي (ناتو) في أوروبا.

وفي المقابل، لا تمتلك الصين مثل هذا النوع من نظام التحالفات، لكنها تعمل بجد على سد الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة. وما يهم الصين في كل الأحوال هو آسيا، وما تراه بلغة التوسع باحتها الخلفية (امتدادها الاستراتيجي). وإذا أخذنا بعين الاعتبار عاملين أساسيين، هما القرب الجغرافي والتركيز، فإن ذلك يعني أنه في محيط آسيا، الصين بالفعل قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة.

5