واشنطن تستهدف جيوب الحشد الشعبي وبغداد تتجه لبدائل

بغداد - بدأت الولايات المتحدة تمارس ضغوطا مالية مباشرة، مستهدفة رواتب الحشد الشعبي في العراق، وهذا التدخل جعل فصل ملف الرواتب عن السياق السياسي الأوسع للفصائل المسلحة أمرا صعبا للغاية، إذ كشفت التحذيرات الموجهة للشركات المعنية وانسحاب إحداها المفاجئ عن استخدام واشنطن أدوات ضغط جديدة بفاعلية.
وبينما كانت تصريحات نواب وشخصيات مقربة من الحشد تتحدث عن "خلل فني" في نظام الدفع، خرج قائد فرقة العباس القتالية، ميثم الزيدي، ليكشف عن السبب المباشر لتأخر صرف رواتب منتسبي الحشد الشعبي.
وقال الزيدي إن "الخزانة الأميركية أبلغت الشركة الموطّنة لرواتب الحشد، وهي 'كي كارد'، بضرورة الانسحاب أو التعرض للعقوبات"، مضيفا أن "الشركة الموطّنة أبلغت مصرف الرافدين والهيئة بانسحابها من الملف، داعيةً إلى تدارك الموضوع".
وعزا الزيدي تأخر الصرف إلى عدم تدارك "الأشخاص المعنيين بالإدارة والمالية في الحشد المشكلة بشكل سريع"، مشيرا إلى أن "الأموال مؤمنة، لكن الصرف يواجه مشكلة، وأي شركة ستتصدى لملف رواتب الحشد ستتعرض لعقوبات أميركية".
وما عزز تلك التصريحات هو بيان الدائرة المالية والإدارية في هيئة الحشد الشعبي، الذي أشار بوضوح إلى استبدال البطاقات المصرفية الخاصة بالرواتب، والانتقال من مصرف الرافدين إلى مصرف النهرين، في خطوة فسرها متابعون على أنها تأكيد ضمني لانسحاب الشركة الموطنة السابقة تحت وطأة التحذيرات الأميركية.
من جانبه، أكد عضو اللجنة المالية النيابية عدي عواد التميمي، في بيان اليوم الأحد أن "وزارة المالية أطلقت رواتب الحشد الشعبي، وشركة 'كي كارد' امتنعت عن الصرف"، مضيفا أن "اجتماعا سيعقد لوزارة المالية والمصارف لإيجاد حلّ سريع، وقد يصار إلى توزيع الرواتب بشكل يدوي لحين إيجاد حلّ بديل للتوطين".
وفي السياق ذاته، اتهم عضو اللجنة المالية النيابية معين الكاظمي، الولايات المتحدة بممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على الحكومة العراقية والبنك المركزي والمصارف، مشيرا إلى أن هذه الضغوط شملت مؤخرا شركات "الفيزا كارد"، ما أثر سلباً على صرف رواتب منتسبي الحشد الشعبي.
وقال الكاظمي لوكالة "شفق نيوز" الكردية العراقية إن "رواتب منتسبي الحشد الشعبي كانت تُصرف شهريا عبر مصرف الرافدين ومن خلال شركة 'كي كارد'، إلا أن ضغوطا أميركية كبيرة تمارس حاليا على المصرف والشركة، الأمر الذي تسبب بعرقلة صرف الرواتب".
ودعا الكاظمي، هيئة الحشد الشعبي إلى معالجة الأزمة بشكل مؤقت عبر تشكيل لجان خاصة لإعداد قوائم بأسماء المنتسبين وصرف الرواتب نقدا، تمهيدا لوضع خطة للتعاقد مع مصارف محلية وصرف الرواتب إلكترونياً لاحقاً.
وتعاني هيئة الحشد الشعبي منذ تأسيسها من إشكالية التعريف القانوني والسياسي، في ظل انضمام فصائل مسلحة لها، وفي نفس الوقت تعمل خارج القرار الرسمي.
وتزامن هذا الإجراء الأميركي، مع توقف جولة التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، خاصة وأن واشنطن ومنذ مطلع العام الحالي، مارست ضغوطا على بغداد لحل هيئة الحشد الشعبي، وقد أقر مقربون من الحكومة والإطار التنسيقي تلك الضغوط، في خطوة لإنهاء دور الهيئة والفصائل المسلحة الأخرى، لاسيما بعد الضربة التي استهدفت حزب الله في لبنان وإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا.
وتبلغ ميزانية الحشد الشعبي لعام 2024 أربعة تريليونات و500 مليار دينار. ووفقاً لجداول الموازنة، ويبلغ عدد أفراد الحشد الشعبي 238.075 شخصاً.
وكشفت تقارير سابقة عن تداعيات فرض الولايات المتحدة عقوبات على بعض المصارف العراقية بتهمة تهريب الدولار إلى دول خاضعة للعقوبات (إيران وسوريا). وقد انعكس ذلك على سعر صرف العملة الأميركية في الأسواق العراقية وعلى مرونة الوصول إليها.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، "فقدت فصائل مسلحة موالية للمحور الإيراني في العراق إمكانية الحصول على العملة الأميركية، فلجأت بسرعة إلى مخطط صرف عملات عبر البطاقات الإلكترونية".
وأشار التقرير إلى أن "العراق قبل عامين، كان سوقا ثانويا لشركتي فيزا وماستر كارد، لم يكن يُولّد سوى حوالي 50 مليون دولار شهريًا أو أقل من المعاملات العابرة للحدود في بداية عام 2023. ثم ارتفع حجم التداول بشكل صاروخي ليصل إلى ما يقرب من 1.5 مليار دولار بحلول نيسان من ذلك العام – بزيادة تقارب 2900 في المئة بين عشية وضحاها".
وكشفت "وول ستريت جورنال" عن تحول لافت، فبعد أن أحكمت وزارة الخزانة الأميركية والاحتياطي الفيدرالي قبضتهما على ثغرات التحويلات البرقية الدولية أواخر عام 2022، والتي كانت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران تستغلها للتمويل غير المشروع، وجدت هذه الميليشيات طريقا بديلا سريعا.
وبحسب التقرير أتقنت هذه الفصائل، بالتعاون مع حلفائها في طهران، كيفية استغلال شبكات الدفع العالمية لشركتي فيزا وماستر كارد على نطاق واسع، لتأمين الدولار الأميركي الذي باتت تفتقر إليه، وذلك وفقًا لمسؤولين أمريكيين وعراقيين ووثائق سرية
وتأتي هذه التفاصيل لتؤكد الضغوط الأميركية المستمرة. ففي 31 مايو الماضي، أعلن مصرف العراق الأول رسميا لعملائه عن إيقاف آلية تسوية المدفوعات الدولية لبطاقاته، موضحا أن "هذا الإجراء سيؤدي إلى توقف خدمة استخدام بطاقاته المصرفية على الصعيد الدولي، مطمئنًا في الوقت ذاته عملاءه بأن البطاقات ستستمر بالعمل بشكل طبيعي داخل العراق، وأن جميع خدماته المصرفية الأخرى ستبقى فعالة بكامل كفاءتها".
وجاء هذا الإجراء بعد أن كشف مصدر مصرفي في أبريل الماضي عن توجيه من البنك المركزي العراقي للمصارف المحلية بتعليق العمل ببطاقات الماستر كارد في التعاملات الخارجية.