واشنطن تستعد لفرض عقوبات على البرهان بسبب استهداف المدنيين

بورتسودان (السودان) - تستعد الولايات المتحدة لفرض عقوبات على رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الخميس وفق ما أكدت ثلاثة مصادر، فيما يأتي ذلك عقب اعلان قائد الجيش تشكيل لجنة تحقيق باتهامات طالت أفرادا من الجيش بارتكاب انتهاكات وقتل مدنيين في قرى بولاية الجزيرة (وسط)، في محاولة على ما يبدو للتفصي من مسؤولية تلك الأحداث، وذلك في ظل الانتقادات الأممية للهجمات الانتقامية.
وقال أحد المصادر، وهو دبلوماسي، إن سبب هذه الخطوة هو استهداف القوات المسلحة السودانية للمدنيين والبنية الأساسية المدنية ومنع وصول المساعدات وكذلك رفض المشاركة في محادثات السلام العام الماضي.
وقال بيان لمجلس السيادة ان قرار تشكيل لجنة تحقيق يأتي بعد أن اتهمت قوى مدنية وسياسية، الاثنين، أفرادا في الجيش السوداني بارتكاب "انتهاكات" في ود مدني وقرى شرقي الجزيرة بعد سيطرة الجيش عليها، وقتل 13 مدنيا في قرية كمبو طيبة"، وفق وسائل إعلام محلية.
وقال البيان إن البرهان أصدر قرارا بتشكيل لجنة تحقيق في الأحداث التي وقعت بكمبو طيبة بولاية الجزيرة.
ونص القرار على أن "تكون مهام اللجنة جمع الأدلة والتحقيق، والحصول على الشهادات والأقوال، واستدعاء الأشخاص المعنيين بالأحداث، وجمع الشهود".
وأشار القرار إلى أن مهام اللجنة تتمثل أيضا "في توثيق جميع الخطوات والإجراءات التي تم اتخاذها خلال عملية التحقيق، وإعداد تقرير مفصل عن الحقائق والنتائج التي يتم التوصل إليها، والتنسيق مع الجهات الحكومية والقانونية والأمنية بالولاية".
وحدد القرار مدة زمنية لا تتجاوز أسبوعا، كي ترفع اللجنة تقريرها الختامي إلى الجهات المختصة.
ويرى مراقبون أن قرار البرهان لتشكيل لجنة هو محاولة للتهرب من مسؤولية تلك الأحداث التي سبق أن اعتبرها في بيان سابق أنها مجرد تجاوزات فردية، في الوقت الذي هو يعلم من يقف وراءها والمتورطين فيها، بعد أن نشرت كتائب للحركة الاسلامية مقاطع فيديو لعناصر ينتمون إليها وهم يضربون أشخاصا ويركلونهم بأرجلهم متهمين إياهم بالتعاون مع الدعم السريع، ثم يطلقون النار عليهم، كما تم إلقاء بعضهم في نهر النيل وإطلاق النار عليهم بعد سقوطهم في الماء.
ويشير المراقبون إلى أن توجيه البرهان بتشكيل لجنة في تلك الأحداث لا يعدو أن يكون مجرد إجراء روتيني لإظهار جديته في محاسبة المتورطين، أمام الرأي العام الداخلي والدولي، تجنبا للضغوط وفرض العقوبات على الجيش.
وتعرض سكان مدينة ود مدني لانتهاكات خطيرة، منذ سيطرة الجيش والكتائب الإسلامية الموالية له على عاصمة ولاية الجزيرة، وتشمل الانتهاكات إعدامات ميدانية لمواطنين بدوافع انتقامية وأخرى عرقية.
وأفادت وسائل إعلام سودانية نقلا عن شهود عيان، بأنه تم تنفيذ الإعدامات بأساليب وحشية، بعضها بإطلاق النار وأخرى بقطع الرؤوس بأسلوب يذكّر بتنظيم داعش.
وكان من ضمن الضحايا عناصر من الأحزاب الديمقراطية، ولجان المقاومة، وناشطين سياسيين، إلى جانب سكان من مناطق غرب السودان.
وأفادت تقارير أن عمليات القتل استهدفت العشرات على أسس عرقية في قرى العمال الزراعيين المعروفة باسم "الكنابي"، خاصة في منطقة "كمبو خمسة" بشرق الجزيرة.
وذكر موقع "الراكوبة" نقلا عن مصادر محلية أن طفلين أُعدما حرقًا عمدًا، فيما لا تزال 13 امرأة في عداد المفقودين. وأضاف أنه تم إحراق "الكمبو" على غرار كنابي أخرى تعرضت هي الأخرى للحرق الكامل.
ووفقا للمصدر ذاته، لا يزال الخطر يتهدد كنابي الجزيرة، في ظل إعلان جهات محسوبة على ميليشيا "درع السودان" المسلحة بقيادة "أبوعاقلة كيكل" عن عزمها إزالة كافة الكنابي من ولاية الجزيرة وطرد سكانها، بدعوى إعادتهم إلى مناطق أصولهم في كردفان ودارفور.
وأثارت هذه الانتهاكات وعمليات الإعدام الميدانية انتقادات محلية وخارجية، إذ أعربت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بالسودان، كليمنتين نكويتا سلامي، في بيان، الأربعاء عن قلقها العميق إزاء التقارير التي تفيد بوقوع هجمات حديثة ضد المدنيين في قرى بولاية الجزيرة.
وأضافت سلامي "إنني أدين بشدة أي شكل من أشكال العنف ضد المدنيين، ويجب حماية المدنيين في النزاعات المسلحة".
من جهته أدان حزب الأمة القومي، الانتهاكات والجرائم المروعة التي ارتكبتها ميليشيا أبوعاقلة كيكل بقرية كمبو طيبة في الجزيرة، والتي أدت لتصفية المواطنين الأبرياء على أساس جهوي، مما أسفر عن مقتل ستة مواطنين معظمهم من كبار السن والأطفال.
وكان الجيش السوداني سيطر السبت على مدينة ود مدني، بعد انسحاب قوات الدعم السريع منها، في إنجاز هو الأبرز للمؤسسة العسكرية منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023.
ويرى نشطاء أن الانتهاكات الخطيرة التي تجري حاليا في ود مدني من شأنها أن تضاعف من الشرخ في النسيج المجتمعي السوداني، وتبقي البلاد في دوامة الدماء.