واشنطن تخذل المحتجين في إيران

كشفت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي أدلى بها على هامش قمة حلف شمال الأطلسي، مدى تمنع واشنطن عن السعي إلى الإطاحة بالنظام الإيراني والعمل على الذهاب نحو استئناف مفاوضات بين الجانبين بشأن الاتفاق النووي، لاسيما أن الرئيس الإيراني التقط إشارات سيد البيت الأبيض ليعلن عن موافقة بلاده عن استئناف المفاوضات، لكن شريطة رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
واشنطن – توقف المراقبون في الولايات المتحدة عند التصريح القصير والسريع الذي أدلى به الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لندن، على هامش قمة تحالف شمال الأطلسي (ناتو) حول الموقف من الاحتجاجات الأخيرة في إيران. فردا على سؤال حول ما إذا كان يدعم الانتفاضة التي اندلعت في إيران قبل أسابيع قال ترامب “لا”، قبل أن يضيف أنه لا يريد التعليق.
ورأى المراقبون أن موقف ترامب يعبّر عن الموقف الأميركي الحقيقي كما الموقف الأوروبي أيضا لجهة عدم تشجيع أي قلاقل داخل إيران من شأنها تهديد الاستقرار في البلاد كما استقرار النظام فيها. واعتبروا أن موقف الرئاسة الأميركية أصدق من ذلك الذي عبّر عنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، والذي عبّر عن دعم للاحتجاجات محملاً نظام طهران مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد أعاد في 17 نوفمبر الماضي نشر تغريدة نشرها قبل عام ونصف العام على تويتر بشأن إيران، جدد فيها دعم بلاده للمتظاهرين الإيرانيين.
ولكن يبدو أن بريطانيا لا تساير الموقف الأميركي، حيث قال رئيس الوزراء بوريس جونسون، الأربعاء، إن الاحتجاجات الإيرانية كانت علامة على “سخط شعبي حقيقي” تجاه قادة النظام، مشيرا إلى أنه لم يُفاجأ بتلك المظاهرات.
وأضافت المصادر أن موقف ترامب يأتي أيضا متأثراً بأجواء قنوات خلفية وعلنية تعمل على إعداد طاولة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وأن الرئيس الأميركي أراد من لندن إرسال رسالة قصيرة تؤكد لطهران أنه ما زال ملتزماً بموقفه وموقف إدارته بأن الولايات المتحدة لا تخطط لتغيير النظام وأنها ما زالت عازمة على عقد مفاوضات جديدة مع طهران للتوصل إلى اتفاق جديد أو معدل لاتفاقية فيينا الموقعة عام 2015 حول البرنامج النووي الإيراني، كما مناقشة ملفات أخرى، مثل برنامج إيران للصواريخ الباليستية وسلوك إيران المهدد للاستقرار في الشرق الأوسط.
ويرى خبراء في شؤون السياسة الخارجية للولايات المتحدة أن موقف ترامب لا يتناقض مع موقف بومبيو بشأن نفس الموضوع، بل أن التكامل واضح لجهة مواصلة الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران، كما مواصلة الحديث عن الرغبة في التفاوض مع إيران.
وذكّر هؤلاء أن بومبيو الذي شنّ حملة ضد إيران دعماً للمحتجين فيها، هو نفسه من سبق أن صرّح بأنه مستعد للتوجه إلى طهران من أجل التفاوض السلمي مع إيران من أجل التوصل إلى صفقة جديدة تفتح سبل التعاون وتطبيع العلاقات مع طهران.
واعتبر مختصون في الشؤون الإيرانية أن الحركة الدبلوماسية النشطة التي يقوم بها وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي في هذا الصدد تكشف القناة العلنية التي تعتمدها سلطنة عمان في السعي للتوسط بين الولايات المتحدة وإيران، خصوصا أن مسقط تملك علاقات ممتازة مع الطرفين، كما أنها سبق أن استضافت في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما محادثات سرية بين دبلوماسيين أميركيين وإيرانيين أسست للتوصل إلى الاتفاق النووي الشهير بين إيران ومجموعة الـ 5+1 قبل 4 سنوات.
وأضاف هؤلاء أن بن علوي زار طهران الاثنين بعد زيارة قام بها إلى واشنطن اجتمع خلالها مع نظيره الأميركي مايك بومبيو في 26 نوفمبر، وأن ما صدر عن طهران إثر استقبالها الوزير العماني يوحي أن الأخير حمل مبادرة أولية لاستشراف إمكانات الذهاب إلى طاولة المفاوضات.
واعتبروا أن تكرار الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده مستعدة للتفاوض مع واشنطن، يكشف عن دينامية تبادل رسائل مع واشنطن ترسم خارطة طريق للمسار التفاوضي.
ويعتقد خبراء في الشؤون الدولية أن موقف إيران يزداد ضعفا على الرغم من محافظة المسؤولين في طهران على خطاب متصلب، وأن موقع طهران تأثر سلباً بالاحتجاجات الكبرى التي شهدتها المدن الإيرانية، خصوصا أن لجوء السلطات إلى قطع الإنترنت وعزل البلاد عن الخارج قد نال من صورة النظام الإيراني لدى المجتمع الدولي لجهة تزعزع شرعية حكمه أمام الشعب الإيراني. ويضيف هؤلاء أن الأزمة التي تعاني منها منظومتي الحكم في لبنان والعراق، المفترض أن لإيران نفوذا كبيرا عليهما، صدّع الموقف الإيراني الإقليمي وأضعف أوراقا في يد طهران كان من شأنها أن تستخدم على أي طاولة مفاوضات محتملة بين طهران وواشنطن.
وكان بومبيو قال الاثنين إن إيران هي ’’العامل المشترك وراء الاحتجاجات في جميع أنحاء الشرق الأوسط’’، مشيراً إلى إن المتظاهرين في العراق ولبنان وإيران نفسها يعارضون النظام الديني. وفيما أقرّ بومبيو بوجود أسباب محلية للاضطرابات التي اجتاحت الشرق الأوسط ومناطق أخرى، فقد وجّه مع ذلك أصابع الاتهام إلى إيران.
وقال روحاني في تصريحات صحافية، الأربعاء، إن “أوباما اتصل بي لمدة تتراوح بين 15 إلى 20 دقيقة أثناء مغادرتي مقرّ إقامتي في نيويورك، مكالمتي الهاتفية مع أوباما كانت قاطرة قوية جدا دفعت بقطار مفاوضات الاتفاق النووي”.
ورأى المراقبون أن توقيت التصريح لافت وقد يكون رسالة رد من الرئيس الإيراني على تصريحات نظيره الأميركي بأن الدفع بقطار المفاوضات مجدداً قد يحتاج إلى اتصال مباشر بينهما.