واشنطن تحجب جزءا من المساعدات للقاهرة: إرضاءً للأصوات المنتقدة دون الإضرار بعلاقتها مع مصر

الولايات المتحدة تحجب 85 مليون دولار من المساعدات السنوية المخصصة لمصر والمقدرة إجمالا بـ1.3 مليار دولار.
السبت 2023/09/16
علاقات متينة لا يمكن أن تتأثر

القاهرة - لم تفاجأ مصر بحجب الولايات المتحدة جزءا من المساعدات المخصصة لها، بذريعة عدم حدوث تقدم كبير في ملف حقوق الإنسان، حيث اعتادت القاهرة في السنوات العشر الماضية هذا النهج، والذي لم يؤثر سلبا على الروابط العسكرية والأمنية بين الجانبين. وفي الوقت الذي أعلن فيه رسميا عن هذا الحجب بحث وزير الخارجية المصري سامح شكري الخميس، في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، العلاقات المشتركة بين الجانبين، وعددا من القضايا الإقليمية الهامة، وكأن الرسالة التي أراد الجانبان توصيلها تقول إن الحجب الجزئي لا يؤثر على علاقاتهما الإستراتيجية.

ونجحت الازدواجية الأميركية هذه المرة في تأكيد التزامها برعاية ملف حقوق الإنسان والتجاوب مع مطالب أعضاء في الكونغرس، وأيضا حفاظها على علاقاتها القوية مع مصر التي اعتادت هذا النوع من الممارسات مع غالبية الإدارات الديمقراطية. وتفصل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) علاقاتها العسكرية مع القاهرة عن التوجهات السياسية والحقوقية التي يتبناها البيت الأبيض، ما مكنها دائما من الحفاظ على علاقات وثيقة مع المؤسسة العسكرية بمصر، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب.

ووافقت الولايات المتّحدة على القسم الأكبر وحجبت مبلغا قدره 85 مليون دولار من المساعدات السنوية المخصّصة لمصر والمقدرة إجمالا بـ1.3 مليار دولار، استنادا إلى دور القاهرة الحاسم في تعزيز الأمن والسلم الإقليميين، ومساهمتها النوعية في أولويات الأمن القومي الأميركي، لكن هذا لا يقلل من التزامها بتعزيز حقوق الإنسان. وتشترط المساعدة البالغة 85 مليون دولار على مصر “تحقيق تقدم واضح ومستدام في إطلاق السجناء السياسيين، وتوفير العملية القانونية اللازمة للمعتقلين، ومنع الترهيب والتحرش بالمواطنين الأميركيين”.

نورهان الشيخ: ورقة حقوق الإنسان لم تعد لها قيمة سياسية
نورهان الشيخ: ورقة حقوق الإنسان لم تعد لها قيمة سياسية

وتنازلت إدارة الرئيس جو بايدن للعام الثالث على التوالي عن بعض القيود التي فرضها الكونغرس على المساعدة العسكرية السنوية المخصّصة لمصر، وتتألف من شق لا تسري عليه قيود قيمته 980 مليون دولار، وآخر قيمته نحو 235 مليون دولار مرهون بإحراز القاهرة تقدما في مجال حقوق الإنسان. وأجرت الإدارة الأميركية محادثات عديدة مع القاهرة حول مخاوفها بشأن حقوق الإنسان على جميع المستويات لوجود آلاف السجناء السياسيين في مصر، وتلقت تطمينات بأن الأخيرة ملتزمة بالمعايير الدولية الرئيسية في هذا الملف.

وقالت أستاذة العلاقات الدولية في جامعة القاهرة نورهان الشيخ إن حجب واشنطن جزءا من المساعدات للقاهرة بات "ورقة محروقة وبلا جدوى، لكنها تستهدف إحراج النظام دوليا في توقيت حساس مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في مصر". وأضافت الشيخ في تصريحات لـ"العرب" أن "ملف حقوق الإنسان مفتوح تماما داخل الحوار الوطني في مصر، وهناك إجراءات حدثت دون ضغوط دولية، مثل الإفراج عن ناشطين وسياسيين"، مؤكدة أن الحجب الأخير لا علاقة له بحقوق الإنسان.

وأوضحت أنه جاء كرد فعل على انضمام مصر إلى مجموعة بريكس المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، حيث ترفض واشنطن ذلك بشدة، وأمام مخاوف عدة من تقارب القاهرة مع كل من الصين وروسيا حاولت إدارة بايدن توظيف ورقة ضغط معنوية ضعيفة لدفع مصر إلى مراجعة موقفها، أو على الأقل لا تتمادى في شراكات جديدة مع هذه الدول.

وذكرت الشيخ أن ورقة حقوق الإنسان لم تعد لها قيمة سياسية، ومصر تدرك ذلك جيدا، ولذلك تتعامل مع مسألة حجب المساعدات وغيرها بحكمة وهدوء ودون اكتراث كبير، فواشنطن نفسها فقدت مصداقيتها في ملف حقوق الإنسان بسبب ازدواجية مواقفها، فضلا عن فقدان هذه القضية تأثيرها عالميا. ويرتبط تقديم مبلغ 235 مليون دولار بوفاء مصر بمتطلبات الديمقراطية وحقوق الإنسان، والإدارة الأميركية يمكنها تعليق العمل بهذا الشرط إذا أكدت للكونغرس أن الأمر يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي.

وقدمت الولايات المتحدة لمصر مبلغ 75 مليون دولار كاملا العام الماضي، وكان مشروطا بإحراز تقدم فيما يتعلق بالاعتقالات السياسية، وسمحت بإرسال 95 مليون دولار في إطار استثناء يتعلق بمكافحة الإرهاب وأمن الحدود ومنع الانتشار النووي. ومنحت واشنطن العام الماضي 170 مليون دولار من إجمالي 300 مليون دولار كمساعدات عسكرية لمصر خاضعة لشروط حقوق الإنسان، وحجبت 130 مليون دولار، وهو نفس المبلغ الذي قررت حجبه في العام السابق له.

وقال سيث بيندر من منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط إن مبلغ 85 مليون دولار الذي حُجب يمثل تراجعا مهما عن العام الماضي، ويبدو كأن واشنطن تقول للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن حكومته قامت بتحسين سجلها الحقوقي. وأطلقت لجنة العفو الرئاسي في مصر سراح أكثر من ألف شخص خلال عام، لكن لم يتم الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والمتهمين في قضايا رأي وحريات، وهناك تقارير غربية قالت إن الحكومة المصرية قامت باعتقال كثيرين مؤخرا.

◙ ورقة حقوق الإنسان لم تعد لها قيمة سياسية، ومصر تدرك ذلك جيدا، ولذلك تتعامل مع مسألة حجب المساعدات وغيرها بحكمة وهدوء

وحث السناتور الديمقراطي كريس ميرفي إدارة الرئيس جو بايدن على حجب 235 مليون دولار أخرى، علاوة على الـ85 مليون دولار التي جرى حجبها بالفعل، للضغط على القاهرة وإجبارها على تحسين ملف حقوق الإنسان. وربط الكونغرس الأميركي منذ حوالي عشر سنوات بعض المساعدات المقدمة إلى القاهرة بمدى استجابتها للشروط المتعلقة بالتقدم العام في ملف حقوق الإنسان.

وأظهرت رسالة من وزارة الخارجية الأميركية إلى لجان الكونغرس التي تحدد التمويل العسكري الأجنبي أن من مبلغ 85 مليون دولار الذي تم حجبه عن مصر سوف يعاد توجيه 55 مليونا إلى تايوان والثلاثين مليونا المتبقية إلى لبنان. ويقول متابعون إن اقتطاع الـ85 مليون دولار من مصر لا علاقة له بملف حقوق الإنسان فيها، وإن السبب الحقيقي هو تقديم تمويل عسكري إلى تايوان ولبنان بدلا من تحميل دافعي الضرائب في الولايات المتحدة أعباء جديدة، ولتفادي هجوم على إدارة بايدن قررت نقل جزء من المعونة المخصصة لمصر، بدلًا من تخصيص مبالغ جديدة.

وتنفي الحكومة المصرية وجود سجناء سياسيين، معتبرة أن الاستقرار والأمن لهما أهمية قصوى في حساباتها، وتحاول تعزيز توجهها الحقوقي من خلال تلبية الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن ووظائف، وهو ما تضمنته إستراتيجيتها الوطنية لحقوق الإنسان التي حوت مفهوما لا يقصرها على النواحي السياسية.

2