واشنطن تتهم والحكومة السودانية تنفي استخدام أسلحة كيميائية

وزير الخارجية السوداني يؤكد أن الجيش لا يملك أسلحة كيميائية فيما تظهر مقاطع فيديو بعض عناصره يرتدون أقنعة واقية ويطلقون كبسولات تحتوي على غاز الخردل.
السبت 2025/02/15
الجيش تلقى دعما عسكريا خارجيا كبيرا خصوصا من إيران

الخرطوم - نفى وزير الخارجية السوداني علي يوسف، الجمعة، ما وصفها بمزاعم أميركية بامتلاك جيش بلاده أسلحة كيميائية، فيما أظهرت مقاطع فيديو عناصر من القوات المسلحة يرتدون أقنعة واقية ويطلقون كبسولات غازية تحتوي على غاز الخردل.

وشدد الوزير السوداني خلال جلسة نقاشية بعنوان "السياسة والأزمة الإنسانية" انعقدت ضمن فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن على أن الاتهامات الموجهة لبلاده باستخدامها في الحرب "غير صحيحة".

وقال "الجيش السوداني لم يرتكب انتهاكات وخروقات في هذه الحرب الدائرة في البلاد (مع قوات الدعم السريع)، ولا يوجد دليل على ارتكابه انتهاكات" مضيفا "الجيش السوداني لا يملك أسلحة كيميائية، وأي اتهامات موجهة له باستخدامها غير صحيحة".

وفي 16 يناير الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، بسبب "تنفيذ قواته هجمات على مدنيّين".

وتزامن ذلك مع تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" استندت فيه إلى معلومات قدمها أربعة مسؤولين أمريكيين كبار لم تكشف عن هويتهم، أن "الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية مرتين على الأقل في معارك السيطرة على البلاد".

ووفقا للصحيفة، فقد استُخدمت هذه الأسلحة "مؤخرًا في مناطق نائية في السودان"، حيث استهدفت عناصر من قوات الدعم السريع. كما أشار المسؤولون الأميركيون الذين تحدثوا للصحيفة إلى "قلقهم" من إمكانية استخدام الأسلحة الكيميائية قريبًا في المناطق المكتظة بالسكان في العاصمة الخرطوم.

وقال اثنان من المسؤولين الأمريكيين إن الأسلحة الكيميائية التي استخدمها الجيش السوداني تبدو أنها غاز الكلور.

بعد نشر تقرير عن استخدام الجيش لأسلحة كيميائية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو من العاصمة الخرطوم تعود بحسب مصادر للربع الثاني من العام الماضي، تُظهر عناصر من الجيش يرتدون أقنعة واقية لم تكن مستخدمة من قبل في الحرب، وهم داخل غرفة في بناية عالية يصوبون بنادقهم عبر نافذتها بعد حشوها بمقذوفات كبسولية كبيرة تُخلِّف دخانًا كثيفًا عند إطلاقها. وقد أثار ذلك جدلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي حول احتمال أنها أسلحة كيميائية.

وفي مقطع آخر، ظهر ضابط عسكري سوداني يفاخر بما وصفه "سلاحًا فتاكًا" وكأنه "طير أبابيل"، وهو عبارة عن كبسولات غازية سامة "موسومة" على حد تعبيره.

وقال الضابط في رسالة تأتي في سياق التهديد، إن الجنود المكلفين باستخدام هذا السلاح هم عبارة عن مهندسي حرب، حيث يوجهون "الكبسولة" نحو هدفها وتصل له حتى في مكان "استحمامه".

ووصفت الخارجية السودانية حينها العقوبات الأميركية بحق البرهان بأنها "غير أخلاقية"، معتبرة أنها تفتقر "لأبسط أسس العدالة والموضوعية"، وقرار فرضها "لا يعبر إلا عن التخبط وضعف حس العدالة".

وذكر وسائل إعلام سودانية نقلا عن أحد أعضاء غرفة الطوارئ في مدينة الضعين بولاية شرق دارفور، وهو طالب في السنة الثانية بكلية المختبرات الطبية قوله إنه "في أواخر أكتوبر، استقبلنا ضحايا من عدة أسر عقب قصف جوي استهدف منازلهم. كانوا يعانون من تشنجات وصعوبة شديدة في التنفس. وبسبب عدم وجود أجهزة تنفس، توفي 11 شخصًا، بينهم 5 أطفال و3 نساء."

وأشار متطوع آخر، وهو طالب في السنة الرابعة بكلية الطب، إلى سماعه من زملاء له في مدينة الكومة في ولاية شمال دارفور عن حوادث مشابهة، حيث توفي العديد من الأشخاص نتيجة الاختناق بعد هجمات جوية وقعت في ديسمبر.

واتفق المتطوعان على أن الوفيات في المنطقتين تزامنت مع قصف الطيران للأحياء السكنية. وأضاف طالب الطب "لا يمكن تحديد الأسباب بدقة نظرا لغياب المعدات التشخيصية والتوقف شبه الكامل للمستشفيات بسبب تعرضها للقصف."

وتمكن الجيش السوداني وحلفاؤه من الكتائب والتنظيمات الإسلامية مثل كتيبة البراء من استعادة زمام المبادرة في عدد من الجبهات، من بينها الجزيرة وأم درمان العاصمة التوأم للخرطوم، فيما تتحدث العديد من التقارير عن دعم عسكري هام تقدمه طهران للجيش في مواجهة الدعم السريع.

ووفقا لمسؤولين إقليميين ومحليين فقد ساعدت الطائرات دون طيار المتفجرة، الجيش السوداني على تعويض خسائره التي تكبدها ضد قوات الدعم السريع، واستعاد الجيش السيطرة على مناطق في الخرطوم وأم درمان.

وتهدف طهران من وراء تسليح الجيش السوداني تعزز نفوذها العسكري في الشرق الأوسط، إذ تدعم مجموعات مسلحة في غزة، وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن، فضلاً عن مجموعات في سوريا والعراق.

وخلال الجلسة النقاشية بمؤتمر ميونيخ للأمن، اتهم زير الخارجية السوداني في المقابل، قوات "الدعم السريع" بـ"ارتكاب انتهاكات وجرائم بحق الشعب السوداني"، فيما عادة ما ينفي الأخير هذه الاتهامات.

وأضاف في محاولة للرد على التهم التي يتعرض لها الجيش "الدعم السريع أحرق المتحف الوطني الذي يضم تاريخ السودان كما أحرق ودمر دار الوثائق التي بها أرشيف السودان خلال المئة عام الماضية".

وحذر من أن "هناك من يرغب في تدمير السودان والانتهاء منه"، دون تسمية أي جهة.

ورغم رفض البرهان لكل مبادرات السلام الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب قال الوزير أن حكومته تسعى إلى السلام، وطرحت في هذا الصدد خارطة الطريق من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد قائلا "تم الإعلان مؤخرا (الأحد الماضي) عن خارطة الطريق، التي تشمل تشكيل حكومة من المدنيين لفترة انتقالية من سنة إلى 3 سنوات يرأسها رئيس وزراء مدني، ووزراء من الكفاءات المستقلة، على أن تتوج بانتخابات عامة يشارك فيها الشعب".

وعلى الصعيد الميداني، أعلن الجيش السوداني اليوم السبت عن تقدمه في مربع 9 بمحور حي كافوري شرقي مدينة الخرطوم بحري، وذلك في إطار حملة عسكرية مستمرة لاستعادة السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في العاصمة السودانية.

ووفقا لبيان مقتضب نشره الجيش على صفحتيه الرسميتين على فيسبوك وإكس، فقد نجحت القوات المسلحة في "تطهير مزيد من الأحياء والمنازل والبنى التحتية بحي كافوري"، مع الإعلان عن مقتل العشرات من عناصر الدعم السريع، والاستيلاء على مدفع ثنائي خلال الاشتباكات.

ويعد حي كافوري أحد المعاقل الرئيسية لقوات الدعم السريع في العاصمة السودانية، حيث ظل الجيش يشن هجمات متواصلة منذ أسابيع بهدف السيطرة الكاملة على الحي.

ويخوض الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

وفيما تتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.