واشنطن تؤيد إصلاح مجلس الأمن في ظل المواجهة مع موسكو

يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى مواجهة روسيا داخل المنظمات الأممية وتحجيم دورها، خاصة في ظل اعتمادها على حق النقض (الفيتو) في عرقلة القرارات التي لا تصب في مصلحتها. وأمام هذه الوضعية يبحث الغرب مسألة تغيير تركيبة مجلس الأمن، وهو خيار لا يتوقع مراقبون أن يلقى قبولا.
الأمم المتحدة (الولايات المتحدة) - يحتل ملف إصلاح هيكلية الأمم المتحدة صدارة سلم الأولويات لدى الكثير من الدول الأعضاء في المنظمة، إذ يطالب أصدقاء وخصوم الولايات المتحدة على حد السواء بتغيير تركيبة مجلس الأمن.
وبينما يشارك قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة تصدر دعوات التغيير من جهة غير متوقعة هي الولايات المتحدة التي ضاقت ذرعا بسلطة الفيتو (حق النقض) التي تتمتع بها روسيا، في الوقت الذي تسعى فيه لمحاسبة موسكو على غزو أوكرانيا.
ودرست القوى الغربية القواعد الإجرائية لضمان عدم حضور روسيا اجتماعات مجلس الأمن، وفي إطار سعيها لإدانة موسكو لجأت إلى الجمعية العامة حيث تملك الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 بلدا حق التصويت.

ريتشارد غوان: قلق أميركي حقيقي حيال عجز مجلس الأمن الدولي
وبدا عجز الأمم المتحدة جليا أمام العالم في فبراير الماضي عندما واصل دبلوماسيون قراءة بيانات معدّة مسبقا بينما بدأت روسيا قصف جارتها.
وفي خطابها مؤخرا أعربت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس - غرينفيلد عن دعمها “للمقترحات العقلانية وذات المصداقية” لتوسيع عضوية مجلس الأمن الذي يضم 15 بلدا.
وقالت “علينا ألا ندافع عن وضع قائم عفا عليه الزمن وغير مستدام. يتعيّن علينا بدلا من ذلك إبداء مرونة ورغبة في التوصل إلى تسوية خدمة للمصداقية والشرعية”، دون أن تضيف أي توضيحات.
وأشارت إلى أن الدول الخمس دائمة العضوية التي تتمتع بحق الفيتو (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) تتحمل مسؤولية خاصة في المحافظة على المعايير، وتعهّدت بأن الولايات المتحدة لن تستخدم حق النقض إلا في “حالات نادرة واستثنائية”.
وأضافت أن “أي عضو دائم يستخدم الفيتو للدفاع عن أعمال العدوان التي يقوم بها يخسر السلطة الأخلاقية وتتوجب محاسبته”.
وتسخر روسيا والصين من هذا النوع من التصريحات الصادرة عن الولايات المتحدة التي تجاهلت مجلس الأمن الدولي في عهد رئيسها جورج بوش الابن، حيث تقرر غزو العراق.
وقالت ناليدي باندور، وزيرة خارجية جنوب أفريقيا التي لطالما طالبت بتمثيل أفريقي في مجلس الأمن، “إن انتقاد نظام الفيتو بسبب روسيا يعد نفاقا”.
وأفادت في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن بأن “بعضنا -ممن نادوا بتعزيز دور الجمعية العامة- لم يحصل على أي دعم، وفجأة اليوم تغير الوضع”. وأضافت “في هذه الحالات يفقد القانون الدولي معناه. لأن بعضنا يرى في ذلك غشا”.
وبينما أقرت توماس – غرينفيلد بأن الولايات المتحدة لم ترق على الدوام إلى مستوى معاييرها، أشارت إلى أن واشنطن استخدمت حق النقض أربع مرّات فقط منذ عام 2009، كانت جميعها لدعم إسرائيل باستثناء مرة واحدة، مقارنة باستخدام روسيا لهذا الحق 26 مرة.
وأشار الخبير المتخصص في الأمم المتحدة لدى مجموعة الأزمات الدولية ريتشارد غوان إلى أن هناك قلقا أميركيا حقيقيا حيال “عجز” مجلس الأمن الدولي.
وقال “لكنها أيضا طريقة ذكية لإحراج الصين وروسيا؛ لأننا نعرف جميعا أن البلدين الأكثر حساسية تجاه فكرة إصلاح المجلس هما روسيا والصين”.
وتعكس الدول الخمس دائمة العضوية ميزان القوى في نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي لحظة تاريخية حاسمة بالنسبة إلى الهوية الروسية. وصدرت وجهة نظر جديدة عن أوكرانيا مؤخرا مفادها أن مقعد مجلس الأمن الدولي كان للاتحاد السوفييتي السابق، لا لروسيا.
وجاء أكبر تحرّك لإصلاح مجلس الأمن في الذكرى الستين لانتهاء الحرب عندما أطلقت البرازيل وألمانيا والهند واليابان مسعى مشتركا من أجل الحصول على مقاعد دائمة.
وعارضت الصين بشدة إمكانية حصول اليابان -التي تعتبرها قوة موازية في شرق آسيا- على مقعد، علما بأن طوكيو تعد من أكبر الدول المساهمة في الأمم المتحدة بعد الولايات المتحدة.
وسبق لقادة الولايات المتحدة أن أيّدوا شفاهيا الإصلاح دون السعي إليه على أرض الواقع. ولطالما دعمت واشنطن منح مقعد لليابان، وهي دولة حليفة تتوافق مواقفها عادة مع المواقف الأميركية. كما أعرب الرئيس الأسبق باراك أوباما في الماضي عن تأييده بشكل عام منح الهند مقعدا.
ولفت غوان إلى أن صدور دعوة واضحة من جو بايدن من شأنه أن يعيد فورا إحياء جهود إصلاح المجلس، لكنه أضاف “أشعر بأن الأميركيين لا يملكون خطة واضحة في هذا الصدد”.
وتابع “يطرحون الأمر من أجل اختبار الوضع، لتحدي الصين والروس. قد تتلاشى الفكرة لاحقا”.
ويشكك مراقبون معنيون بالشؤون الدبلوماسية في إمكانية تطبيق أي إصلاح في مجلس الأمن طالما أن روسيا والصين تعتبران أن الأمر يعرّض مصالحهما للخطر.
وأوضح جون هربست، الدبلوماسي الأميركي السابق والباحث في “المجلس الأطلسي” أن “بعض الأشخاص ضمن المجتمع (الدولي) ممّن دعموا
أوكرانيا في مواجهة عدوان الكرملين يتحدثون عن الأمر طوال الوقت… لكنني أعتقد أن الاحتمالات الواقعية ضئيلة جدّا”.