وادي عبقر في أبوظبي

لأن الشعر مزيج من العاطفة والفكر واللعب والمكر والسحر والغرابة والإدهاش.. فقد اتسعت اللغات من خلاله وتلذذت الألسن بمياهه العذبة.
السبت 2024/12/21
الشعر تلذذت الألسن بمياهه العذبة

قال محمد مهدي الجواهري في رثاء أمير الشعراء أحمد شوقي “شكسبير أمته لم يصبه/ بالعي داء ولا بالحصر/ وإن أصدقن فشوقي له/ عيون من الشعر فيها حور”، وفي ذلك استحضار لقصيدة جرير الشهيرة التي يقول فيها “إن العيون التي في طرفها حور/ قتللنا ثم لم يحيين قتلانا/ يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به/ وهن أضعف خلق الله أركانا” وكانت صحيفة الأهرام المصرية قد سبقت الجميع للترويج لذلك اللقب الذي تبنته النخب الثقافية العربية عام 1927.

ويعترف شوقي أنه كان في مستهل حياته شاعر الأمير ثم انتهى به الحال إلى أن يصبح أمير الشعراء.

وقد يكون مناسبا أن نقول هنا، إن الكثيرين يرددون شعرا لشوقي من غير أن يعرفوا صاحبه، ومن ذلك "يا جارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراك/ مثلت في الذكرى هواك وفي الكرى والذكريات صدى السنين الحاكي”، و"مضناك جفاه مرقده/ وبكاه ورحم عوده/ حيران القلب معذبه/ مقروح الجفن مسهده."

وقد لا يعرف البعض أن رياض السنباطي قام بتلحين عشر قصائد لشوقي غنتها أم كلثوم ومنها “سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها” و”سلوا قلبي” و”نهج البردة”، و”إلى عرفات الله” و”ولد الهدى” التي يقول فيها “وُلد الهدى فالكائنات ضياءُ/ وفم الزمان تبسم وثناءُ”.

على وقع ذلك المجد استلت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث الخيط الذي يصل كل سنتين بشاعر عربي شاب واحد إلى الكرسي الذي جلس عليه بطريقة اعتبارية أحمد شوقي. ولكنها مهمة شاقة.

ربما يردد الشاعر والروائي سلطان العميمي وهو يدير برنامج “أمير الشعراء” من موقعه رئيسا لأكاديمية الشعر  قصيدة أدونيس “عش ألقا وابتكر قصيدة وأمض/ زد سعة الأرض” ولأن الشعر مزيج من العاطفة والفكر واللعب والمكر والسحر والغرابة والإدهاش والفطنة والافتنان والرقة والنبل فقد اتسعت اللغات من خلاله وتلذذت الألسن بمياهه العذبة.

أتذكر أنني سألت الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد عن سبب انزعاجه من قصيدة ألقاها أحدهم فقال “ليس فيها ماء”. وهو تعبير مجازي لا يقوله إلا شاعر ولا يفهمه إلا شاعر. وإن كان الشعر حارس اللغة فهو متمردها أيضا.

وذلك ما تحرص عليه لجنة التحكيم في البرنامج التي يترأسها الباحث علي بن تميم وهو المعروف بشغفه بالشعر العربي وذاكرته التي تغص بجواهره. ويصف كولريدج الشعر بأنه “تلك التركيبة التي استولينا عليها حصريا باسم الخيال” وقد كان للعرب وادي عبقر. قال الخليل بن أحمد الفراهيدي “هو موضع في البادية كثير الجن” وقالت العرب إن لكل شاعر عظيم جنيه القادم من ذلك الوادي.

18