وادي السيليكون و"السايبر" نحو عالم بلا سياسة

بون (ألمانيا) - مارك زوكيربرغ وبيل غيتس وتيم كوك وجيني روميتي وجون تومبسون وإريك شميت هم قادة السلطة غير المرئية، وليس أوباما وبوتين وميركل وكلينتون وديفيد كاميرون وهولاند وشين جين بينغ وشينزو آبي، إنهم يحكمون العالم من السيليكون فالي، وكما يسمّى بالعربية وادي السيليكون، وفروعه في العالم.

يتصاعد قلق غير ملحوظ في أوساط المال والصناعة والسياسة الدولية حول قدرات عالم السايبر ووادي السيليكون عبر العالم. في المقابل، في عالمنا لم يسمع الملايين من الناس بشيء اسمه وادي السيليكون، وعندهم شعور غامض عما يسمى عالم السايبر.

كارتيلات عملاقة

الشباب في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وما حولها عموما يعرفون بعض التفاصيل، لكنّهم ما زالوا يجهلون قوة هذه الكارتيلات العملاقة. إنها حكومات غير مرئية تهز اقتصاد العالم، وتسخّر الموارد والسياسات باتجاهات غير مرئية. وهي قدرات تتراوح بين الخوارق القديمة والقدرات الإعجازية وبين قدرات القوى التقليدية التي تملك البورصات المالية والنفط والمصارف الدولية الكبرى والتي يؤمن كثيرون أنها تحرك السياسة الدولية. والحكومات اليوم تتداعى أمام قدراتها، بل إنها تخطب ودّها وتطلب رضاها، وهي تتمنّع وترفض أن تضع حدودا لقدراتها، ولماذا تضع تلك الحدود وهي تملك عقول المليارات من الناس وهو ما لا يملكه الساسة.

نشرت مجلة نيوزويك في عددها الصادر في التاسع من يونيو 2016 جانبا من الرعب الذي ينتاب الساسة وعمالقة الاستثمار من تنامي قوة السايبر. فقد عرض مارك زوكيربرغ، مالك فيسبوك ومديره التنفيذي، على حكومة الهند إيصال خدمات الإنترنت إلى شبه القارة الهندية مجانا مقابل أن تفتح الهند فضاءها الإلكتروني وتتيح للناس استخدام فيسبوك.وعلينا أن ننتبه إلى أن السوق المحتملة لمستخدمي فايسبوك في الهند تعد بنحو 500 مليون مستخدم في بدايته، وهذا قد يتطور خلال 10 سنوات إلى 750 مليون مستخدم لفيسبوك. والحديث هنا عن المليارات من الدولارات بأرقام أسطورية خلال أقل من عقد. كما أن الصين رفضت الرضوخ لعروض شركة أبل المغرية وتحفظت في التعامل معها، لكن السؤال يبقى إلى متى؟

ولا ننسى ما فعله الأسترالي جوليان أسانج في عام 2010 عندما بدأ في نشر وثائق عسكرية ودبلوماسية عن الولايات المتحدة بمساعدة من شركائها في وسائل الإعلام؛ وقد كان ذلك التحدي الأصعب للولايات المتحدة الأميركية وكل شركائها الذين عجزوا على أن يفعلوا شيئا صغيرا لبطل السايبر الأسطوري، وهو من ابتدع وأطلق ويكيبيديا موسوعة الوثائق السرية الدولية عبر العالم. وما لبث أن انضم إليه الأميركي إدوارد جوزيف سنودن الذي سرب تفاصيل برنامج التجسس “بريسم” إلى الصحافة عام 2013. ونحن هنا نتكلم عن أفراد صغار في قدراتهم ويتحركون وحدهم، وقد تلاعبوا بمصير دول وكشفوا أسرارها.

وينسب كثيرون تفاصيل ما بات يعرف باسم “الربيع العربي” إلى قدرات السايبر وأبطاله المخفيين. فمن هي ريم نور، وماذا فعلت في ثورة الياسمين بتونس؟ ماذا فعل وائل غنيم المولود عام 1980 بالقاهرة والناشط على الإنترنت والمتخصص في الكومبيوتر والمدير الإقليمي في شركة غوغل لتسويق منتجاتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

غنيم هو في رأي المطّلعين على خفايا الثورة المصرية أبرز مفجري ثورة 25 يناير التي اندلعت بمصر عام 2011 وأسقطت نظام الرئيس محمد حسني مبارك. أطلق عليه البعض لقب “قائد ثورة الشباب” لدوره الكبير في اندلاعها -ولكنه سمّى نفسه في تصريح صحفي بـ”مناضل الكيبورد”- حيث كان مدير صفحة “كلنا خالد سعيد” على فيسبوك، وهي أحد الأسباب الرئيسية لإشعال نار الثورة.

على خطى "وادي السيليكون"

لمعرفة قوة وادي السيليكون لا بد من مرور سريع على بعض من المحطات في الشرق الأوسط تعمل على دخول هذا العالم، ويمكن أن تشكل نقلة هامة في التعامل معه:

السيليكون فالي في الخليج: أنشأت الإمارات عام 2005 واحة دبي للسيليكون، وهي عبارة عن منطقة تبادل تجاري حرّ لمجموعة الشركات والمصالح التي تعمل في مجال السايبر وملحقاته وتمتد على أرض مساحتها 7.2 كيلومتر مربع وباستثمارات عملاقة في مجال البنية التحتية لتطوير وخدمة المشاريع العملاقة. وفي نهاية يونيو 2016 قام وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية كان من أبرز محطّاتها زيارته إلى وادي السيليكون حيث التقى بمارك زوكيربرغ والمدير التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا وبمدراء شركة سيسكو سيستمز. وقد أنبأت تلك الزيارة بأن شركات التكنولوجيا الكبرى ستتدفق على المملكة للاستثمار فيها والاستفادة من سوقها.

وبذلك فإن منطقة الخليج تَعِدُ بأقوى مملكة للسيليكون فالي في المستقبل القريب.

السيليكون فالي في بيروت: تسارع بيروت لتحتل موقعا رائدا في ممالك السيليكون فالي في الشرق الأوسط، وهي تملك مفاتيح حاسمة تؤهلها لهذه الريادة، ففيها قاعدة متخصصين في عالم السايبر قد تكون الأكبر في الشرق الأوسط (باستثناء إسرائيل). وتدعم هذه القاعدة سياسات حكومية تشجع نمو هذا القطاع، ورؤوس أموال (ضمنها خليجية) لا تخشى الخوض في غمار هذا العالم الواعد.

السيليكون فالي في إيران وتركيا: اللافت للنظر أنّ الدولتين المعلنتين قطبين لجمهوريات إسلامية (شيعية وسنية)، تراقبان حركة السايبر داخل أراضيهما. وقد تمدد جهد إيران في مجال خدمات الهاتف المحمول وشبكات الإنترنت وصيانتها (والذي كان أساس خدمات السايبر في المنطقة آنذاك) إلى العراق عام 2003 ليملأ مباشرة الفراغ الذي خلّفه الحجب الشامل في زمن صدام حسين. ولا تجد كفاءات السايبر في إيران أرضا ترعى نتاجها وتضايقها رقابة المؤسسة الدينية ومن يحميها، فتهرب إلى الولايات المتحدة لتشكل رافدا أساسيا لدعم ازدهار وادي السيليكون في كاليفورنيا.

في المقابل، تأخر التمدد السايبري الرقمي التركي إلى العالم العربي حتى عام 2011، حيث بدأ يتسرب إلى المناطق السورية الحدودية التي شهدت بدأ انطلاق” الثورة”. وتوجد في جنوب تركيا ومناطق ماردين تحديدا اليوم قاعدة معلومات سايبرية ضخمة تمد المناطق الحدودية التركية السورية بخدماتها، وفي نفس الوقت تخدم مناطق دهوك في إقليم كردستان العراق. وبنفس الأسلوب، لا يجد خبراء التقنيات الرقمية في تركيا اليوم أرضا خصبة تساعدهم على الإبداع، بسبب الرقابة المفرطة التي تمارسها حكومة العدالة والتنمية عليهم فيلتحقون بالسوق الألماني والأوروبي، وقلائل منهم ينضمون إلى القطاع الأميركي الرائد في هذا المجال.

سيليكون وادي في إسرائيل: اختارت إسرائيل تسمية سيليكون وادي فانفردت بهذا العنوان الجامع للعربية والإنكليزية بلغة السايبر عبر العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، وهو أمر يزيد حجم المرور على مواقعها وخبراتها في هذا المجال. ولصغر مساحة الأرض في إسرائيل، تنتشر عناقيد وادي السيليكون حسب وصف ويكيبيديا حول الشريط الساحلي، وتتركز حول القدس وحول تل أبيب وحول حيفا إضافة إلى عناقيد أصغر في هرتسيليا وناتانيا وبتاح تكفا. فيما يشهد المجمّع الخاص الذي يقام تحت اسم “مدينة المطار” قرب تل أبيب تشييد بنية تحتية عملاقة لسيليكون وادي كبير قد ينافس الأب الأصلي في كاليفورنيا في بحر سنوات قليلة، والكلام دائما لويكيبيديا.