هيمنة صينية على استثمارات الطاقة النظيفة في الأسواق الناشئة

باريس - تسجل الصين اليوم القسم الأكبر من الاستثمارات في مصادر الطاقة النظيفة بين الدول الناشئة والنامية، وفق ما أورد تقرير مشترك للوكالة الدولية للطاقة ومؤسسة التمويل الدولية حيث يدعو إلى زيادة الاستثمارات الخاصة بصورة سريعة.
وصدر التقرير الذي أعدته الوكالة الدولية للطاقة المنبثقة عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ومؤسسة التمويل الدولية المنتمية إلى مجموعة البنك الدولي، قبل قمة "من أجل ميثاق مالي عالمي جديد" تعقد الخميس والجمعة في باريس.
وأكد التقرير أن "حوالي 770 مليار دولار تستثمر كل سنة في الطاقات النظيفة في الاقتصادات الناشئة والنامية، لكن القسم الأكبر منها يتركز في حفنة من القوى الاقتصادية الكبرى".
وتتصدر الصين القائمة باستئثارها بثلثي هذا المجموع، إذ تبلغ استثماراتها 511 مليار دولار، متقدمة بفارق كبير على قارة أفريقيا التي استثمرت 32 مليار دولار فقط.
وتشمل الأسواق الناشئة اقتصادات كبيرة في دول الجنوب والتي شهدت نموا سريعا ترافق مع ارتفاع في انبعاثات غازات الدفيئة، في العقود الأخيرة. ومن هذه الدول الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وإندونيسيا وفيتنام.
وتشمل الدول النامية أفقر اقتصادات العالم والكثير منها في أفريقيا، وتلك الأكثر عرضة للمخاطر المناخية، مثل الدول الجزرية الصغيرة التي تواجه تهديدات وجودية بسبب ارتفاع مستويات البحار والأعاصير التي تزداد شدة.
وبحسب الإحصائيات تتركز 75 في المئة من هذه الاستثمارات في الصين والهند والبرازيل القوى الاقتصادية النامية الكبرى الثلاث.
وتتجلى هيمنة الصين على هذا الصعيد بتطويرها قدرات من الطاقة الشمسية لإنتاج 100 غيغاواط من الكهرباء عام 2022، محققة في سنة واحدة عشرة أضعاف قدرات الطاقة الشمسية في القارة الأفريقية برمتها البالغة 11 غيغاواط، بحسب الخبراء.
وقال المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة فاتح بيرول في بيان إن "عالم الطاقة اليوم يتطور بسرعة، لكن هناك خطر كبير بأن تبقى دول كثيرة في العالم خارجه".
وبحسب التقرير، فإن الأشخاص المحرومين حاليا من التيار الكهربائي، وعددهم 775 مليون نسمة يعيشون في الاقتصادات الناشئة والنامية.
ولفت التقرير إلى أنه "يجب زيادة الاستثمارات العامة والخاصة في الطاقات النظيفة في الدول الناشئة والنامية بأكثر من ثلاثة أضعاف" وصولا إلى ما بين 2200 و2800 مليار دولار في السنة في مطلع ثلاثينات الألفية الجديدة وحتى العام 2050.
وأشار إلى أن خطوة كهذه ستساعد في "تلبية الحاجات المتزايدة للطاقة" مع احتواء الاحترار بحدود 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة.
وإذا ما استثنيت الصين، فإن "الزيادة تكون أكبر إذ تصل إلى سبعة أضعاف الاستثمارات السنوية بمستوى 1400 إلى 1900 مليار دولار".
وثمة حاجة ملحة إلى زيادة هذه الاستثمارات سواء في الكهرباء متدنية الكربون أو البنى التحتية أو الوقود متدني الانبعاثات أو كفاءة الطاقة.
وشدد بيرول في هذا الصدد على أن "حاجات الاستثمار تتخطى قدرة التمويل العام وحدها، ما يجعل من الملحّ زيادة التمويل الخاص بسرعة في مشاريع الطاقة النظيفة في الاقتصادات الناشئة والنامية".
وفي نوفمبر الماضي حدد تقرير مدعوم من الأمم المتحدة التكاليف التي يتطلبها تحول الدول النامية والناشئة، باستثناء الصين، إلى الاقتصاد النظيف في سياق الجهود العالمية لمكافحة التغيير المناخي.
وذكر معدو التقرير الذي نشر خلال مؤتمر المناخ "كوب 27" بشرم الشيخ في مصر أن تلك الاقتصادات تحتاج إلى استثمارات تتجاوز تريليوني دولار سنويا بحلول 2030 إذا أراد العالم لجم الاحترار المناخي والتكيف مع تداعياته.
ووفق التقرير فإن بقية المبالغ أي حوالي 1.4 تريليون دولار فينبغي أن تأتي من مصادر داخلية خاصة وعامة.
وتم تقديم هذا التحليل على أنه مسودة استثمار لإضفاء طابع أخضر على الاقتصاد العالمي بسرعة كافية لاحترام أهداف اتفاق باريس بحصر الاحترار المناخي العالمي دون الدرجتين المئويتين والعمل على أن يكون بحدود 1.5 درجة.
◙ 511 مليار دولار قيمة المشاريع الصينية، بينما تستأثر استثمارات أفريقيا بنحو 32 مليار دولار فقط
ويحذر الخبراء في التحليل الواقع في مئة صفحة والذي يحمل عنوان "تمويل من أجل التحرك المناخي" من أن تجاوز الاحترار لهذا المستوى قد يدفع العالم إلى وضع غير قابل للحياة.
وقال أحد الخبراء الرئيسيين الذين أعدوا التقرير نيكولاس ستيرن "ينبغي على الدول الغنية أن تقر بأن من مصلحتها الحيوية الاستثمار في التحركات من أجل المناخ في الأسواق الناشئة والدول النامية".
وأكد ستيرن، رئيس معهد غرانثام لبحوث تغير المناخ والبيئة في بريطانيا، إنها “قضية عدالة نظرا إلى التداعيات القاسية الناجمة عن المستويات العالية للانبعاثات الحالية والسابقة”.
والتقرير هو من بين الوثائق الأولى التي تعطي صورة عن الحاجات على صعيد الاستثمارات في المجالات الثلاثة الواسعة التي تغطيها مفاوضات المناخ في الأمم المتحدة.
وتتمثل تلك المجالات في خفض غازات الدفيئة المسببة للاحترار أي ما يعرف بتخفيف الآثار والتكيف مع تداعيات المناخ المقبلة والتعويض على الدول الفقيرة والضعيفة على أضرار لا مفر منها بدأت تتعرض لها أي ما يعرف بـ"الخسائر والأضرار".
ودعا التقرير إلى مضاعفة التبرعات والقروض بنسب فائدة منخفضة من حكومات في دول متطورة لرفعها من 30 مليارا سنويا راهنا إلى 60 مليارا بحلول 2025.
وكتب معدو التقرير "مصادر التمويل هذه حيوية للأسواق الناشئة والدول النامية لدعم التحرك من أجل إصلاح الأراضي والطبيعة، وللحماية من الأضرار والخسائر الناجمة عن تداعيات التغير المناخي".