هيئة الصحافة المصرية تمضي في الدمج وتؤجل التطوير

مخاوف متصاعدة من تصفية المؤسسات القومية ونقل ملكيتها إلى جهات أخرى.
الأربعاء 2022/08/10
ماذا ندمج وماذا نترك

تمضي الهيئة الوطنية للصحافة بمصر في طريقها نحو دمج عدد من المجلات والصحف التابعة للمؤسسات الحكومية المشرفة على أداء عملها، وتتجاهل ملف تغيير القيادات القابعة في مناصبها منذ أكثر من خمس سنوات، ما يشي بأن ملف الصحافة ليس من بين أولويات النظام السياسي، والاتجاه نحو مزيد من إهماله، على الرغم مما تبديه الحكومة من اهتمام بتطوير الإعلام الفضائي.

القاهرة- قررت الهيئة الوطنية للصحافة بمصر مساء الأحد دمج مجلة “لغة العصر” الصادرة عن مؤسسة الأهرام مع مجلة “الأهرام الاقتصادي” وتعيين شريف عبدالباقي رئيسا للتحرير، والتجديد لرئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط (الوكالة الرسمية للبلاد) حسن علي لمدة ستة أشهر بعد تخطيه السن القانونية منذ أربع سنوات، وعودة محمد عبدالله إلى رئاسة تحرير مجلة الشباب (شهرية صادرة عن الأهرام) خلفًا لخالد حبيب الذي بلغ السن القانونية للإحالة على المعاش.

وأثارت القرارات تساؤلات عديدة حول إصرار الهيئة على قيادات قابعة في مناصبها منذ سنوات والاستعانة بقيادات تركت مناصبها من قبل، ومساهمتها في إحداث حالة من الجمود المهني ما يترك تأثيرات سلبية على قدرة المؤسسات على التطور.

ويضع تجاهل ضخ دماء جديدة في المؤسسات القومية هيئة الصحافة في خانة الهجوم عليها بشكل مستمر من جانب العاملين فيها عقب عزوف شريحة كبيرة من الجمهور عن متابعة الإصدارات التي تشرف عليها، سواء أكانت ورقية أو إلكترونية، وعدم القيام بخطوات حقيقية تؤدي إلى تطوير في هياكلها البشرية والمهنية.

يحيى قلاش: أحوال الصحافة القومية بحاجة إلى حوار مفتوح لإنقاذها

ولدى العديد من الصحافيين في الصحف القومية تخوفات من أن تكون حالة التكلس الراهنة مقصودة والهدف منها التمهيد لتصفية مؤسساتهم، لأن استمرار القيادات في مناصبها لفترات طويلة توازيه قرارات متتالية على مستوى الدمج وتحويل غالبية الإصدارات إلى مواقع إلكترونية دون خطط عملية للنهوض بها.

وتسير المؤسسات الصحافية الحكومية في فلك الانكماش وعدم البحث عن آفاق جديدة تدعم قوة منافستها في سوق الصحافة عموما، وبدا أن هناك حالة عامة سوف تقود إلى مزيد من التراجع، ويحدث ذلك في إصدارات متوقع دمجها في الفترة المقبلة تخلصت من عدد كبير من العاملين بعد بلوغهم سن المعاش القانونية وعدم تعيين آخرين.

وتضمنت القرارات الأخيرة للهيئة تكليف سامح عبدالله وهو أحد أعضائها برئاسة تحرير موقع “سبوت” الذي جرى تدشينه أخيراً، وهو منصة تتولى عملية نشر الموضوعات التي تقدمها المؤسسات القومية كتطبيق إخباري شامل يشبه “نبض”، غير أن تقديم الموقع لمحتوى خاص به أثار تساؤلات أخرى حول الهدف منه.

وجاءت آخر التعديلات في قيادات المؤسسات الصحافية قبل عامين وأقرت استمرار معظم رؤساء مجالس الإدارات والصحف، وشهدت خروج خمسة فقط بينهم رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم الراحل ياسر رزق، مع الإبقاء على رؤساء مجالس إدارات الأهرام ودار التحرير ووكالة الشرق الأوسط وعدد كبير من رؤساء التحرير.

وقال نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش إن ملف الصحافة بوجه عام يعاني من الجمود ولا توجد رغبة في إحداث تغيير حقيقي فيه، وزادت الشائعات حول المستهدف من ذلك وسط توقعات بنقل ملكية المؤسسات إلى جهات ودوائر أخرى قريبة من الحكومة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن أحوال الصحافة القومية الآخذة في التدهور على المستويات المهنية والمادية والإدارية بحاجة إلى حوار مفتوح لإنقاذها والعودة إلى عقد المؤتمر العام لنقابة الصحافيين الذي لم ينعقد منذ العام 2006، وكان الهدف منه وضع الجماعة الصحافية لتصورات للارتقاء بالمهنة وتقديمها إلى أصحاب القرار.

وأوضح أن الواقع يشير إلى وجود رؤية تحاك بعيدا عن أهل الاختصاص لرسم خارطة الصحافة القومية، وأصبح أبناء المهنة يتلقون القرارات المتعلقة بمستقبلهم المهني من جهات فوقية، وهو ما يفاقم الأزمة لأن البعد الاقتصادي يبقى سائداً في التعامل مع المؤسسات، في حين يجري تغييب الجوانب المهنية في الوقت الذي غابت فيه الهيئة الوطنية للصحافة عن أي نقاشات ترتبط بمستقبل الصحف.

حسن عماد مكاوي: الإعلام يغيب عن اهتمامات الحوار الوطني الجاري حاليا

وتقود العلاقة بين رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات وبين الجهات المسؤولة عن تعيينهم إلى مزيد من تراجع الصحف لأن القيادات تلبي رغبات جهات حكومية تسعى لنشر محتويات بعينها تخدمها بشكل مباشر، لكنها لا تلقى قبولا لدى الجمهور.

وأضحى معيار الحكم على رؤساء التحرير هو مدى التزامهم بالخط المرسوم لهم وليس القدرة على تطوير الصحف أو المجلات التي يرأسون تحريرها.

في المقابل فإن دوائر حكومية تدافع عن نفسها بتأكيدها على وجود أزمة كفاءات جراء هيمنة الواسطة والمحسوبية على التعيينات في الكثير من المؤسسات على مدار العقود الماضية، وهو ما قاد إلى وجود كوادر غير قادرين على الإبداع أو تقديم رؤى مقنعة بالتطوير، وأن عددا من الكوادر الشباب الذين استعانت بهم في تغييرات سابقة لم يحققوا المرجو منهم، بالتالي فالتريث يكون مطلوباً في تلك الحالة.

وذكر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة عبدالصادق الشوربجي في تصريحات صحافية سابقة أن “التغييرات الصحافية شائعة ولا تغيير إلا في حالة وجود مسألة قانونية”، وتحدث في ذلك الحين عن خطة زمنية لمجالس إدارات المؤسسات القومية للاستثمار واستغلال الأصول.

وأكد أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة حسن عماد مكاوي أن الإعلام المملوك للدولة (صحافة أو تلفزيون) يعاني بشكل كبير، وأن غياب الاهتمام به يعد أمرا ملموسا من جانب عامة الجمهور الذي انصرف عنه وليس فقط المتخصصين، ويبدو أن ذلك جاء لصالح مؤسسات وجهات أخرى، لم يسمّها، لديها الرغبة في الهيمنة على السوق.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الاستعانة بقيادات شابة لديها قدرة على التطوير ملف مؤجل بالنسبة إلى الهيئة الوطنية للصحافة، على الرغم من وجود الكفاءات التي لديها القدرات والخطط التي تمكنها من الارتقاء بمؤسساتها، وأن الممارسات العامة من جانب الجهات الحكومية تؤشر على إمكانية التخلص من تلك المؤسسات في حين أنها تعد إحدى دعائم الدولة الرئيسية.

المؤسسات الصحافية الحكومية تسير في فلك الانكماش وعدم البحث عن آفاق جديدة تدعم قوة منافستها في سوق الصحافة عموما

وأشار مكاوي إلى أن الإعلام يغيب عن اهتمامات الحوار الوطني الجاري حاليا، ويبرهن ذلك على عدم توفر الإرادة السياسية لتحسين أوضاعه، والاستمرار في تثبيت الحالة السلبية القائمة من دون تغيير، وهو أمر ينطبق على بعض المجالات الأخرى التي تقتنع الحكومة بضرورة تركها إلى حين التفرغ لها.

ويتخوف العديد من الصحافيين من أن تكون حالة الجمود هدفها الاستمرار في خطط الدمج واستكمال مخطط استثمار أصول المؤسسات بلا اعتراض من قبل الصحافيين أو العاملين فيها، وأن الاستقرار الشكلي مطلوب في الفترات التي تشهد تغييرات حتى لا تجد الهيئة الوطنية للصحافة نفسها تنشغل بأزمات عدة في أماكن متفرقة.

16