هيئة الاتصال التونسية تطالب باستعادة دورها في الإشراف على الإعلام

يسعى أعضاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في تونس إلى استعادة مكانة الهيئة التي تعيش أوضاعا غير مستقرة، معتبرين أن غيابها عن الإشراف على وسائل الإعلام ساهم في تفشي الفوضى وإحالة الصحافيين على القضاء.
تونس - طالب أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) الرئيس قيس سعيد بتعيين رئيس جديد للهيئة يتحلى بالكفاءة والاستقلالية وفقا لمقتضيات المرسوم 116، واستعمال صلاحياته الدستورية لإطلاق سراح الصحافيين المسجونين بسبب أدائهم لعملهم.
وكانت الهيئة تقوم بدورها في تعديل المشهد السمعي والبصري عبر التنبيهات وتسليط العقوبات ضدّ كل المخالفات، لكن الظرف الذي تمرّ به اليوم بسبب نقص عدد أعضائها وعدم القدرة على اجتماع مجلسها فسح المجال للنيابة العمومية للأخذ بزمام الأمور وتسليط العقوبات على الصحافيين العاملين بالقطاع السمعي والبصري، بحسب عضو مجلس الهيئة صالح سرسي.
لكن الجدل لم ينته بشأن صلاحيات الهايكا ووجود مشروع لعزلها بين مؤيد ومعارض، خصوصا أنها تعرضت لانتقادات بسبب قرار إغلاق وسائل إعلام من بينها قناة نسمة، الأمر الذي اعتبر مبالغة في العقوبة التي لا يجب أن تصل إلى حد الإغلاق. ويعتبر عاملون في الشأن الإعلامي أن هذا الوضع انعكاس لحالة الفوضى والتخبط التي تعيشها البلاد.
وأفاد سرسي، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات)، بأنّ عدّة قرارات اتخذت بشأن الهايكا على غرار تكليف كاتب عام للقيام بأعمالها الإدارية والمالية ووقف أجور أعضاء المجلس، جعلت منها غير قادرة على اتخاذ قراراتها في ما يتعلق بمراقبة المشهد السمعي – البصري والحث على التعديل التلقائي أو تسليط الخطايا التي تصل إلى خطايا ردعية.
وأكّد أنّ الهايكا كانت تقوم بالإحالات على النيابة العمومية في المسائل التي تتجاوزها وبموجب المرسوم 116، لكن اليوم باتت كل المسائل، حتى التي كانت من صلاحيات الهيئة، من أنظار القضاء، مبيّنا في الآن نفسه أنّ هيئة الاتصال السمعي والبصري كانت تسلّط العقوبات والخطايا على المؤسسات في حين أنّ النيابة تتبع الأشخاص من صحافيين وإذاعيين.
وتلقت الهايكا في شهر ديسمبر 2023 بريدا إلكترونيا من كاتب عام الحكومة، يعلمها فيه بإيقاف أجور جميع أعضاء المجلس بداية من شهر يناير 2024، وهو قرار لا يطال موظفي الهيئة ككل وإنما أعضاء مجلسها الذي يضم فقط ثلاثة متقاعدين وملحقا وعضوين مباشرين.
ولم يصدر إلى حد الآن أيّ قرار رسمي بغلق الهايكا.
ووصفت سكينة عبدالصمد، عضو مجلس الهيئة، ذلك الإجراء بأنه “خطوة للقضاء على أعمال الهيئة واستقلالية أدائها بعد إحداث حالة الشغور في خطة رئيس الهيئة والإبقاء على هذا الشغور منذ شهر فبراير 2023”، بحسب ما جاء في تدوينة لها على فيسبوك تناقلتها وسائل إعلام محلية.
وحمّل أعضاء الهايكا، صالح السرسي وسكينة عبدالصمد وهشام السنوسي وراضية السعيدي، مجلس نواب الشعب “المسؤولية التاريخية في ضمان حرية العمل الصحفي وحماية الصحافيين من تعسف السلطة التنفيذية من خلال إقرار قوانين تدعم حماية الحقوق والحريات وتضمن التعدد والتنوع في الفضاء العام”، وفق نص البيان.
وطالب الأعضاء، مجلس نواب الشعب والنقابة الوطنية للصحافيين ونقابة أصحاب المؤسسات الإعلامية السمعية والبصرية الخاصة وجمعية القضاة التونسيين والاتحاد العام التونسي للشغل، بفتح باب الترشحات لعضوية مجلس هيئة جديد.
كما نبهوا إلى أن “التفكير في إحداث هياكل بديلة للهيكل التعديلي المستقل سيساهم في تأكيد حقيقة التراجع عن مكسب حرية التعبير والحق في الاختلاف باعتبارهما من أهم مكاسب الثورة”.
وجددوا في بيان لهم مطالبتهم رئيس الجمهورية بإلغاء المرسوم عدد 54 لسنة 2022 الذي اعتبروه مكمما للأفواه.
ويرى الأعضاء أن الوضعية الحالية للهايكا هي نتاج لتجميد عمل مجلسها بعد ضرب رقابة إدارية على أعماله لتشبثه، في إطار الصلاحيات الموكولة له، بضمان حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام.
وعلق هشام السنوسي على البيان قائلا ”أصدرنا البيان لنقول إننا موجودون وإن طريقة التعامل مع الملف الإعلامي خاطئة وليس لها أفق ونرى كوارث ناتجة عنها.. فحالة الفراغ غير مقبولة ولا بد اليوم من هيئة تعديلية”.
كما تساءل قائلا ”هل هناك مجتمع في العالم دون معارضة.. وهل يعقل أن يعاقب رئيس الجمهورية الإعلام الذي ساهم في ظهوره بهذه الطريقة؟”.
واعتبر في تصريحات لإذاعة موزاييك المحلية الخميس أن هذه الدولة لا بد لها من معارضة حتى تتقدم، معبرا عن تضامنه مع كل سجين رأي لم يرتكب جريمة تستوجب سلب حريته.
وتوجّه منظّمات حقوقيّة تونسيّة ودوليّة انتقادات شديدة بشأن اعتقال صحافيين، لكنّ الرئيس التونسي يكرّر أنّ “الحرّيات مضمونة”.
الرئيس سعيد يحذر من حملات لتشويه مسار 25 يوليو 2021، قائلا "هناك حملات من جهات متعددة دأبت على الارتماء في أحضان الدوائر الاستعمارية تريد أن تشوه هذا المسار"
ولفت في لقاء الجمعة مع وزيرة العدل إلى قيام بعض اللوبيات باستغلال ملف حرية التعبير للتنصل من المحاسبة قائلا “عندما يقع المساس باللوبيات وامتداداتها في الإدارة ومحاسبتها جزائيا على الاستيلاء على مقدرات الدولة يتم التباكي على حرية التعبير”.
وحذر الرئيس سعيد من حملات لتشويه مسار 25 يوليو 2021، قائلا “هناك حملات من جهات متعددة دأبت على الارتماء في أحضان الدوائر الاستعمارية تريد أن تشوه هذا المسار”.
وكان قيس سعيد قد شدد على “أهمية المحافظة على استقلالية هذه الهيئة وعلى ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة والتصدي لتجاوزات وممارسات بعض وسائل الإعلام”، وذلك في لقاء جمعه بالرئيس السابق للهايكا نوري اللجمي وعضو مجلسها هشام السنوسي في مارس 2021.
ودعا الرئيس سعيد، بحسب بيان صادر عن الرئاسة التونسية، إلى “التسريع بمعالجة ملف القنوات غير القانونية ومكافحة الفساد في قطاع الإعلام ووضع حد للدعاية السياسية ولمختلف مظاهر التمويل الأجنبي لعدد من وسائل الإعلام حتى لا تقع تحت تأثير جماعات المال والضغط في الداخل أو في الخارج ولا تفقد مصداقيتها ولا تتحوّل إلى بوق دعاية للتأثير على الرأي العام للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها”.
يذكر أن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري بتونس أحدثت بموجب المرسوم عدد 116 في 2 نوفمبر 2011، المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري.
وتم الإعلان رسميا عن إرساء الهيئة يوم الثالث من شهر مايو عام 2013، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
وتمت إحالة الرئيس السابق للهيئة نوري اللجمي على التقاعد في يناير من العام الماضي ومنذ ذلك الوقت لم يتم تعيين خلف له.