هوة كبيرة بين الإعلام التونسي وقضايا السكان والتنمية

تونس - كشفت دراسة أنجزها صندوق الأمم المتحدة للسكان بالشراكة مع مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث “كوثر” عن وجود ضعف في معالجة الإعلام التونسي لقضايا السكان والتنمية، إذ أن التناول لهذه القضايا يظل في الغالب مناسباتيا وغير منتظم، مع غياب واضح للتعمق والتحليل في إنتاج المضامين، وهو ما يعكس فجوة بين أولويات التنمية والواقع الإعلامي.
وأظهرت النتائج أن 73 في المئة من الصحافيين يتناولون قضايا السكان والتنمية بشكل عرضي فقط، بينما ينتج أكثر من نصفهم أقل من خمس مواد صحفية سنويًا حول هذه المواضيع، إضافة إلى النقص الواضح في المعرفة والمهارات اللازمة لإعداد محتوى إعلامي متين وهادف حول هذه القضايا. وأرجعت ذلك إلى أسباب مختلفة، من بينها نقص التدريب وضعف الاهتمام المؤسسي داخل غرف التحرير.
واستندت الدراسة إلى استبيان شمل 191 صحافيا وصحافية من مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية والمسموعة والمرئية في تونس، إلى جانب مقابلات معمقة مع صحافيين يشغلون مسؤوليات في دوائر التحرير.
76
في المئة من الصحافيين أكدوا أن مؤسساتهم الإعلامية لا تولي قضايا السكان والتنمية الاهتمام الكافي
وأشار 76 في المئة من الصحافيين إلى أن مؤسساتهم الإعلامية لا تولي قضايا السكان والتنمية الاهتمام الكافي، حيث تبقى تغطيتها مقتصرة على المناسبات أو الأحداث الخاصة.
ويعود ضعف التغطية الإعلامية إلى نقص المعرفة والخبرة في قضايا التنمية والسكان، فضلا عن تأثير الخيارات التحريرية والخطوط العامة التي تفرضها إدارات المؤسسات الإعلامية.
ووفقًا للنتائج، فإن الصحافيين غالبًا ما يفتقرون إلى الأدوات والآليات الكفيلة بمساعدتهم على إنتاج مضامين إعلامية معمقة ومتواترة حول المواضيع التنموية.
وكشفت الدراسة أن معرفة الصحافيين بطبيعة عمل صندوق الأمم المتحدة للسكان محدودة، إذ يختزلونه في قضايا الصحة الإنجابية والجنسية والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بينما تغيب عنهم موضوعات أخرى ذات أهمية مثل السياسات السكانية وحقوق الشباب وتعزيز المساواة بين الجنسين.
ومن بين القضايا التي أكد الصحافيون المستجوبون أهميتها في التغطيات الإعلامية، جاءت قضايا الشباب وحقوقهم في المرتبة الأولى، تليها مواضيع مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، ثم قضايا الصحة الإنجابية والجنسية، بينما جاءت القضايا السكانية في المرتبة الأخيرة.
ويعتمد الصحافيون بشكل كبير على التقارير الدولية والإقليمية والمصادر المتاحة عبر الإنترنت لإنتاج مضامين إعلامية، بينما يحتل صندوق الأمم المتحدة للسكان المرتبة التاسعة كمصدر معلومات، بعد منظمات المجتمع المدني ووزارة الأسرة والمعهد الوطني للإحصاء ووزارة الصحة، وهو ما يشير إلى ضرورة تعزيز الصندوق لحضوره كمصدر موثوق للمعلومات، وفق الدراسة.
73
في المئة من الصحافيين يتناولون قضايا السكان والتنمية بشكل عرضي فقط
وقدمت الدراسة عددًا من التوصيات العملية لتحسين أداء الإعلام التونسي في تغطية هذه القضايا، منها تعزيز التعاون بين الصندوق ووسائل الإعلام وتنظيم تدريبات مكثفة وورش عمل لتعزيز المهارات والمعارف المتعلقة بالقضايا السكانية والتنموية وتحسين تعريف الصحافيين بمهام الصندوق وبرامجه.
كما أوصت بعقد لقاءات دورية لتعزيز التفاهم المشترك وإعداد دليل يشمل أهم المواضيع التي يعمل عليها الصندوق لتوجيه الصحافيين في إنتاج مضامين إعلامية دقيقة وهادفة وتنظيم مسابقات صحفية وتشجيع الصحافيين على إنتاج أعمال معمقة واستقصائية حول القضايا التنموية، من خلال منح جوائز تحفيزية وتنظيم زيارات ميدانية للصحافيين من أجل الاطلاع على تدخلات الصندوق وأنشطته، ما يعزز فهمهم للقضايا ويسهم في تقديم معالجة إعلامية أكثر شمولًا.
وأشارت إلى أهمية تطوير شراكات مستدامة بين الإعلام وصندوق الأمم المتحدة للسكان لبناء ثقافة إعلامية تدعم الحقوق والمبادئ التنموية، مثل الصحة الإنجابية والجنسية، والمساواة بين الجنسين، وتمكين الشباب، والقضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأكدت أن الإعلام يمكن أن يلعب دورا رئيسيا في رفع مستوى الوعي العام بمثل هذه القضايا، ما يسهم في تحفيز النقاش المجتمعي وصنع السياسات المستنيرة.
ويمثل هذا التشخيص خطوة أولى ضمن خطة عمل أطلقها صندوق الأمم المتحدة للسكان في تونس منذ عام 2022، وتهدف إلى مرافقة الصحافيين ودعمهم لإنتاج محتوى إعلامي يعزز التنمية المستدامة. ومع تزايد التحديات التي تواجه قضايا السكان والتنمية، بات من الضروري أن يتبنى الإعلام دورًا أكثر فاعلية في تسليط الضوء على هذه المواضيع وخلق نقاش واسع حولها.
ويعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان على تعزيز الصحة الإنجابية والجنسية، ودعم حقوق الفتيات والنساء والشباب، ومناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتمكين الفئات المهمشة، بالإضافة إلى تطوير الأنظمة الوطنية المتعلقة بالمعطيات الديمغرافية، وذلك بهدف تحقيق التنمية المستدامة والمساواة بين الجنسين.