هوامش أرباح مفاجئة للشركات تنعش مؤقتا صناعة التكرير العالمية

شهدت صناعة التكرير العالمية خلال الفترة الأخيرة انتعاشا غير متوقّع، مدفوعا بهوامش أرباح مفاجئة للشركات، في ظل توازنات جديدة فرضتها تقلبات الأسواق العالمية وقيود الإمداد وعمليات الصيانة الدورية، بينما يراقب المحللون بحذر منحى نشاط هذه الصناعة المهمة في تغطية الطلب على الوقود.
لندن- حققت شركات التكرير حول العالم أرباحا غير متوقعة من إنتاج أنواع الوقود الرئيسية في الأسابيع القليلة الماضية، ما يوفر للقطاع المتعثر فترة راحة قبل الضعف المتوقع في وقت لاحق هذا العام. وأدى إغلاق بعض المنشآت نتيجة دخولها في عمليات صيانة دورية إلى تقليص إمدادات الوقود اللازمة لتلبية ذروة الطلب في الصيف.
وهذا الانتعاش، وإن كان ظرفيا، يسلّط الضوء على التداخل المعقّد بين العوامل الجيوسياسية، وسلاسل الإمداد، وتغير أنماط الاستهلاك، ما يجعل من متابعة ديناميكيات هذا القطاع أمرا بالغ الأهمية لفهم مستقبل الطاقة العالمي.
وتتناقض القوة في أسواق الوقود مع انخفاض أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات في شهر مايو، وذلك بعد إلغاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها أوبك+ تخفيضات الإنتاج بوتيرة أسرع ممّا كان مخططا له.
ويشير ذلك أيضا إلى أن الطلب أثبت حتى الآن قوته رغم المخاوف المستمرة إزاء أثر الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة. وقال نيل كروسبي المحلل في شركة سبارتا كوموديتيز لرويترز إن “الهوامش قوية لأن توازن المنتجات – العرض والطلب – لا يزال ضيقا”.
وتعكس هوامش التكرير الأرباح التي يحققها المصنع من معالجة النفط الخام وتحويله إلى وقود مثل البنزين أو الديزل. وقبل بضعة أشهر فقط، حذرت شركات النفط الكبرى من أن 2025 سيكون عاما قاتما على القطاع. وأعلنت شركتا توتال إنيرجيز وبي.بي عن انخفاض أرباح الربع الأول من العام نتيجة ضعف أرباح الوقود.
وواجهت مصافي التكرير صعوبات كبيرة في ظل تراجع الطلب نتيجة التباطؤ الاقتصادي، وزيادة الإقبال على السيارات الكهربائية، والمنافسة من المصانع الأحدث في آسيا وأفريقيا.
وبلغت هوامش التكرير العالمية المركبة 8.37 دولار للبرميل في مايو، وفقا لشركة وود ماكنزي الاستشارية، وهو أعلى مستوى لها منذ مارس 2024. ولكن مع ذلك لا تزال أقل بكثير من متوسط 33.5 دولار للبرميل في يونيو 2022 خلال فترة انتعاش الطلب بعد الوباء وفي أعقاب الحرب في أوكرانيا.
وأدى إغلاق المصافي في الولايات المتحدة وأوروبا إلى تباطؤ نمو صافي طاقة المصافي العالمية دون نمو الطلب، ما ساهم في جعل المصافي العاملة أكثر ربحية نسبيا.
وقد ينخفض المعروض العالمي من الديزل بمقدار 100 ألف برميل يوميا على أساس سنوي في عام 2025، بينما سينخفض الطلب بمقدار 40 ألف برميل يوميا، وفقا لشركة أف.جي.إي لاستشارات الطاقة. ومن المتوقع أن ينخفض المعروض من البنزين بمقدار 180 ألف برميل يوميا، مع ارتفاع الطلب بمقدار 28 ألف برميل يوميا.
وصرح يوجين ليندل، رئيس قسم المنتجات المكررة في شركة أف.جي.إي قائلا “شهد بالتالي تضييقا في سوق المنتجات على أنواع الوقود الرئيسية المستخدمة في النقل، ما يضغط على هوامش الربح، ويُشعر مصافي التكرير الإقليمية بالراحة.”
وأوضح تشيلين تام، رئيس قسم التكرير في الشركة، أن مصافي التكرير بجميع أنواعها تستفيد من هوامش الربح الحالية، حيث ارتفعت أسعار الوقود الخفيف مثل البنزين والمنتجات الثقيلة مثل زيت الوقود مؤخرا.
وفي أوروبا، تشمل عمليات الإغلاق مصفاة غرينغماوث التابعة لشركة بتروينوس في أسكتلندا، ومنشأة شل في فيسيلينغ هذا العام، بالإضافة إلى إغلاق جزئي لمصفاة غيلسنكيرشن التابعة لشركة بي بي.
وفي الولايات المتحدة، أُغلقت مصفاة ليونديل باسل في هيوستن هذا العام، بينما من المقرر إغلاق مصفاة فيليبس 66 في لوس أنجلس في أكتوبر، ومصفاة بينيسيا التابعة لشركة فالرو في أبريل 2026. كما فاقمت عمليات الإغلاق غير المخطط لها من تأثيرها.
وأشار بنك جي.بي مورغان إلى أن انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية في 28 أبريل أدى إلى توقف حوالي 1.5 مليون برميل يوميا من طاقة المصافي، مع استمرار إغلاق 400 ألف برميل يوميا منها بعد أسبوعين.
وشهد اثنان من أكبر مشاريع المصافي الجديدة في العالم، وهما مصفاة دانغوتي العملاقة في نيجيريا ومصفاة أولميكا في المكسيك، انقطاعات غير مخطط لها في وحدات إنتاج البنزين في أبريل.
وانخفضت مخزونات الوقود في المراكز الرئيسية هذا العام، ما أدى إلى زيادة الطلب على إنتاج المصافي مع اقتراب موسم الذروة الصيفي. وتراجعت المخزونات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وسنغافورة، بمقدار 50 مليون برميل خلال الفترة من يناير إلى مايو، وفقا لمحللي جي.بي مورغان.
وذكر محللو البنك “لقد أكد هذا الانخفاض الكبير في مخزونات الوقود على مرونة أسعار المنتجات.” ويبلغ الطلب العالمي على الوقود في نصف الكرة الشمالي ذروته خلال فصل الصيف، مع ازدياد حركة السفر بالسيارات والطائرات.
وفي الشرق الأوسط، يبلغ الطلب على زيت الوقود الثقيل ذروته خلال فصل الصيف لتلبية الطلب على التبريد عند ارتفاع درجات الحرارة. وقال جانيف شاه، المحلل في شركة ريستاد إنيرجي “نرى بعض الدعم لهوامش الربح بفضل قوة نمو الطلب في نصف الكرة الشمالي خلال فصل الصيف.”
وكان المسؤولون التنفيذيون في مصافي التكرير الأميركية متفائلين بشأن الطلب، مع ملاحظة انخفاض المخزونات نسبيا. وقال برايان مانديل، نائب الرئيس التنفيذي لشركة فيليبس 66، في مكالمة أرباح الربع الأول للشركة “تشير توقعاتنا الحالية لإمدادات البنزين إلى استمرار انخفاض هذه المخزونات.”
وأضافت ماريان مانين، الرئيسة التنفيذية لشركة ماراثون بتروليوم، في مكالمة أرباحها “تشهد أعمال الشركة المحلية والتصديرية طلبا ثابتا على البنزين، ونموا في الديزل ووقود الطائرات مقارنة بعام 2024.”
ومع ذلك، حذر المحللون من أن القوة الحالية قد تتلاشى قريبا مع تأثر الطلب بالحروب التجارية، ومع ارتفاع إنتاج الوقود مع سعي المصانع إلى الاستفادة من هوامش الربح المرتفعة. وقال أوستن لين، المحلل في وود ماكنزي “نرى أن هناك ارتفاعا طفيفا على المدى القصير.”
ومن المتوقع أن يبلغ متوسط نمو الطلب العالمي على النفط 650 ألف برميل يوميا للفترة المتبقية من عام 2025، منخفضا من أقل بقليل من مليون برميل يوميا في الربع الأول، في ظل تأثير حالة عدم اليقين التجاري على الاقتصاد العالمي، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
وقال تاجر نفط مخضرم، طلب عدم الكشف عن هويته، لرويترز إنه “ينبغي على مصافي التكرير الآن التحوط في جميع الأمور، لأنني أعتقد أن هذا هو أفضل ما يمكن أن يحصلوا عليه.”