هواجس أردنية حيال قرار الإدارة الأميركية تجميد المساعدات المالية

شمل قرار وزارة الخارجية الأميركية تجميد المساعدات والمنح الخارجية الأردن، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات والشكوك، وسط قلق من أن يكون ذلك مقدمة لضغوط على عمان بشأن مطالب لا تحظى بموافقة شعبية أو رسمية داخل المملكة.
عمان- أثار قرار الإدارة الأميركية تعليق المساعدات لعدد من الدول، بينها الأردن، مخاوف في صفوف الأوساط السياسية وحتى الشعبية داخل المملكة، من توجه لدى الرئيس دونالد ترامب لإعادة النظر في العلاقة مع عمان التي لطالما صنفت في خانة الحليف الإستراتيجي.
وما يزيد الشكوك الأردنية تجاه دوافع شمول المملكة بقرار تعليق المساعدات، هو عدم تعيين إدارة ترامب سفيرا جديدا لها لدى عمان، بعد مرور أسبوع على قبول استقالة السفيرة يائيل لمبرت من منصبها.
ويعد الأردن من الدول التي تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الخارجية، ويشكل الدعم الأميركي محركا رئيسيا لاقتصاد البلاد ولدوران عجلة التنمية، وأي تراجع لهذا الدعم بالتأكيد سيكون له انعكاس سلبي على المملكة، ليست مستعدة له.
وقرّر وزير الخارجية ماركو روبيو الاثنين وقف كافة المساعدات الخارجية الممولة من قبل الوزارة والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، أو من خلالهما، مستثنيا في ذلك كلا من إسرائيل ومصر.
وكان الرئيس ترامب أمر، عقب وصوله إلى البيت الأبيض في 20 يناير الجاري، بتجميد المساعدات الأميركية الخارجية مدة 90 يوما “للتقييم”.
وبحسب معلومات أوردتها قناة “الحرة” الأميركية، يمنح القرار وزير الخارجية، بالتشاور مع مدير مكتب الإدارة والموازنة، سلطة اتخاذ القرار النهائي بشأن استمرار أو تعديل أو إيقاف كل برنامج من برامج المساعدات الخارجية.
وأوضحت القناة أنه “يمكن استئناف تمويل أي برنامج قبل انتهاء فترة الـ90 يوما، إذا اكتملت مراجعته وحصل على موافقة وزير الخارجية أو من ينوب عنه.”
وتدير المساعدات بشكل رئيسي جهات عديدة، أبرزها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وسبق أن خفضت إدارة ترامب الأولى (2018 – 2021) إنفاق المساعدات الخارجية، وعلقت المدفوعات لمختلف وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك صندوق الأمم المتحدة للسكان، إضافة إلى التمويل الموجّه للسلطة الفلسطينية.
وكشفت مصادر مطلعة لموقع “رؤيا” الإخباري الأردني أن قرار التجميد شمل المساعدات التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى الأردن، والتي قد تطال المواد الغذائية والمياه والمأوى والرعاية الصحية والبيئة والتعليم، وغيرها.
وأشارت المصادر إلى أن الوكالة “أبلغت الجهات التي تتعامل معها بأنها أوقفت التمويل حاليا إلى حين مراجعة كل تمويل جديد أو تمديده والموافقة عليه بما يتماشى مع أجندة الرئيس ترامب.”
وكشفت عن وقف عمل موظفي المشاريع الممولة من الوكالة في الأردن، فور إعلان تعليق المساعدات الأميركية الخارجية.
وقالت المصادر إن العاملين في هذه المشاريع يوقعون عقودهم مباشرة مع الوكالة الأميركية وهي المسؤولة عن دفع رواتبهم الشهرية، وتنتهي أعمالهم مع انتهاء المشاريع أو قرار تجميد تمويل هذه المشاريع.
وعلى الرغم مما يبديه ترامب من حرص شديد على ترشيد النفقات لا يخلو قراره، وفق مراقبين، من خلفيات سياسية، وقد يكون تمهيدا لضغوط مرتقبة على عمان بشأن عدد من الملفات ومنها مسألة قبول جزء من سكان غزة على أراضي البلد.
وأعاد الرئيسي الأميركي مؤخرا إحياء خطة إسرائيلية تطالب بنقل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن.
وكشف ترامب الأحد عن اتصال هاتفي جرى بينه وبين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني السبت، حيث صرح “قلت له إنني أود منك أن تستقبل المزيد لأنني أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن وهو في حالة من الفوضى، إنها فوضى حقيقية. أود منه أن يستقبل أشخاصا.”
وأضاف الرئيس الأميركي “أود أن تستقبل مصر أشخاصا أيضا.” ويلاقي هذا الطلب رفضا من كل من القاهرة وعمان، لكن ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن يذهب ترامب في الضغط على الدولتين العربيتين اللتين ترتبطان باتفاقيتي سلام مع إسرائيل، للقبول بمقترحه.
وأكد العاهل الأردني الأربعاء على موقف المملكة “الراسخ” الداعي إلى ضرورة “تثبيت الفلسطينيين على أرضهم.” وقال بيان صادر عن الديوان الملكي إن الملك عبدالله الثاني “شدد” خلال لقاءات منفصلة عقدها في بروكسل الأربعاء مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، على “موقف الأردن الراسخ بضرورة تثبيت الفلسطينيين على أرضهم ونيل حقوقهم المشروعة، وفقا لحل الدولتين.”
ويرى مراقبون أن وضع الأردن سيكون صعبا في حال أصر ترامب على المضي قدما في الخطة، خصوصا وأن الأمر قد يفتح الباب أيضا لتهجير فلسطينيين من الضفة الغربية إليه.
ورأى وزير المالية الأردني الأسبق عمر ملحس أن تأثير القرار الأميركي بشأن تجميد المساعدات على الأردن سيكون محدودًا في المدى القصير.
وأوضح ملحس في تصريحات صحفية أن الدعم النقدي الموجه إلى موازنة المملكة من قبل الولايات المتحدة، والذي يبلغ حوالي 700 مليون دولار، يتم دفعه عادة في نهاية السنة المالية، وبالتالي فإن التعليق لمدة 90 يومًا لا يشكل تهديدًا خطيرًا في هذه المرحلة.
القرار قد يكون تمهيدا لضغوط مرتقبة على عمان بشأن عدد من الملفات ومنها مسألة قبول جزء من سكان غزة على أراضي البلد
واعتبر أن القلق الكبير حول هذا التعليق ليس مبررا في الوقت الحالي. إلا أن الأهم من ذلك هو ضرورة أن يواصل الأردن تطوير سياسته المالية بشكل تدريجي ليعتمد على ذاته ماليًا. ففي المرحلة الأولى يجب أن تسعى الحكومة إلى تغطية النفقات الجارية من الإيرادات المحلية فقط، أي من دون الحاجة إلى المنح والمساعدات الخارجية. وفي المرحلة الثانية، التي يُتوقع أن تتحقق بعد خمس سنوات، ينبغي أن يسعى الأردن لتحقيق الاستقلال المالي الكامل، بحيث تغطي الإيرادات المحلية جميع النفقات العامة.
وأكد الوزير الأسبق أن الأردن يجب أن يعمل على تقليص الاعتماد على المنح والمساعدات الخارجية بشكل نهائي، وهو أمر يعتبره أساسيًا لضمان استدامة النمو الاقتصادي والمالية العامة في المستقبل، معتبراً أن الحكومة الحالية تبذل جهدًا كبيرًا في هذا الاتجاه، من خلال إصلاحات مالية واقتصادية تهدف إلى تعزيز الإيرادات المحلية وتقليل النفقات غير الضرورية.
ويأتي قرار الإدارة الأميركية تجميد المساعدات الموجهة إلى الأردن بالرغم من توقيع عمّان وواشنطن في عام 2022 مذكرة تفاهم متعددة السنوات (2023 – 2029)، تقضي بتقديم الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية وعسكرية بما لا يقل عن 1.45 مليار دولار سنويا، أي بزيادة قدرها 13.7 في المئة مقارنة بمذكرة سابقة.