هندسة المناظر الطبيعية خيار مدروس للمستقبل العمراني في المغرب

تخطيط المباني وتهيئة الفضاءات العامة يخففان من التغيرات المناخية.
الأحد 2023/08/13
الجمال والبيئة

يهتم المغرب بهندسة المناظر الطبيعية كحل مستدام لمستقبل المدن في البلاد، ويركز على تصميم المساحات الخارجية وتخطيطها وصيانتها مثل الحدائق العامة والسكنية والحدائق المرتبطة بالحرم الجامعي والمساحات الخارجية، كما يشير إلى ذلك رئيس الجمعية المغربية للمنظريين محمد أمزيان، الذي يؤكد على الدور المنوط بهم للتخفيف من آثار التغيرات المناخية.

طنجة (المغرب) - تهتم هندسة المناظر الطبيعية بتصميم وتخطيط وصيانة المساحات الخارجية، مثل الحدائق العامة والسكنية والمساحات الخارجية، وتجمع بين بين الفنون والعلوم والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة في آن واحد.

وأكد رئيس الجمعية المغربية للمنظريين محمد أمزيان أن المهندس المنظري يضطلع بدور أساسي في تخطيط وتهيئة الفضاءات العامة وتعزيز مرونة المجالات الترابية للتخفيف من آثار التغيرات المناخية، ما يعني أن له دورا أساسيا في تجميل المدن والفضاءات العامة.

وقال أمزيان في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء إن دور المهندس المنظري مهم جدا في تأهيل المجال الترابي نظرا إلى تدخله على عدة مستويات، بداية من مرحلة التخطيط، وذلك عن طريق مساهمته في تصاميم التهيئة والمخططات لإعداد المجال والميثاق المنظري والمعماري، ثم تنزيل هذه المخططات مع السهر على احترام المعايير التقنية، إلى جانب دوره في تخطيط وتصميم الفضاءات الخارجية للمشاريع السكنية والتطوير العقاري والسياحي، وغيرها.

ويشتغل المهندس المنظري بعدد من الإدارات العمومية ذات الصلة بالمجال، كقطاعات الإسكان والتعمير والوكالات الحضرية بمختلف المدن المغربية.

عمل المهندس المنظري يعتمد في التخطيط على التفاعل مع العديد من العناصر بما في ذلك النباتات والتضاريس

وأوضح أمزيان أن الأمر يتعلق أساسا بتهيئة الساحات العمومية والشوارع ومداخل المدن والحدائق والمنتزهات العامة والفضاءات والملاعب الرياضية والكورنيشات والمنتزهات الغابية الحضرية وشبه الحضرية، وحماية وتثمين المواقع والمناظر الطبيعية ذات الأهمية، كالسواحل ومصبات الأنهار وضفافها والبحيرات والمناطق الرطبة، والكثبان الساحلية والمواقع الجيولوجية، وتهيئة المواقع الأثرية، والتعريف بالموروث الثقافي اللامادي من خلال المشاريع المنجزة، وإعادة تأهيل المواقع المتضررة، كالمطارح العمومية وغيرها.

وأضاف “يعتمد عمل المهندس المنظري على التفاعل مع العديد من العناصر، بما في ذلك النباتات، والتضاريس، والتصميم المعماري، وخلق مساحات تجمع بين الوظائف العملية والجمال الجذاب، وذلك من خلال التفكير الإبداعي والمعرفة الفنية والبيئية”.

وشدد المتحدث على أن ما يميز عمل المهندس المنظري عن باقي المهن الهندسية، الاستباقية في التخطيط لمرحلة ما بعد الإنجاز من خلال مخططات الصيانة واعتماد معايير الاستدامة في الفضاءات العمومية والمحافظة على الموارد، سواء تعلق الأمر بالمكون النباتي أو بالأثاث الحضري أو بالمسالك والممرات.

وفي مواجهة تحديات التغيرات المناخية التي أصبحت واقعا نعيشه كل يوم، لاسيما الرفع من مرونة الفضاءات العامة للتخفيف من الانخفاض الحاد في كمية التساقطات المطرية والارتفاع المتزايد لدرجات الحرارة وتزايد حدة الظواهر المناخية المتطرفة، اعتبر المتحدث أن المغرب كان من أوائل الدول التي تبنت الاستدامة في نموذجها التنموي، مشيرا إلى أن المهندس المنظري يوجد في صميم هذا التوجه من خلال ممارسته اليومية لتهيئة الفضاء العام.

الحديقة فضاء للجميع
الحديقة فضاء للجميع

ويعمل المهندس المنظري على التخفيف من حدة التغييرات المناخية، من خلال تصاميم مبتكرة للفضاءات الخضراء، على تعبئة مياه الأمطار لإعادة استعمالها في سقي المساحات الخضراء بطريقة مباشرة تساهم في الحد من أخطار الفيضانات، إضافة إلى العمل على استعمال المياه المعالجة في السقي.

ويقول “انخراطنا في التخفيف من التغيرات المناخية يتمثل أولا في مواجهة أزمة النقص الحاد في الموارد المائية، حيث يعمل المهندس المنظري على ترشيد استعمال المياه في سقي الفضاءات الخضراء، إضافة إلى اختيار الأنواع النباتية المتأقلمة مع المناخ المحلي ثم من خلال تحديد نوعية التربة، وهو ما يساهم في اقتصاد نسبة مهمة من مياه السقي قد تصل إلى 90 في المئة”.

ويرى أن الحد من ارتفاع درجة الحرارة يُعدّ التحدي الثاني الذي نواجهه، إذ يعتبر إشكالية كبيرة، لاسيما في المدن، حيث تتفاقم وتتزايد ما تسمى ببؤر الاحترار بسبب المباني وإسفلت الطرقات والتي قد تزيد حرارتها لتبلغ أحيانا 60 درجة مئوية، هنا يكون تدخل المهندس المنظري حاسما من خلال سياسة تشجير مناسبة تمكن من خفض درجات الحرارة إلى مستويات اعتيادية، والتشجير ذاته قد يساهم في خفض تلوث الهواء والتخلص من الأتربة العالقة في الهواء.

ويشكل العمل على تقوية التنوع البيولوجي في الفضاءات العمومية والتحسيس بضرورة الحفاظ على الأنواع النباتية التحدي الثالث الذي يشتغل عليه المهندس المنظري، ويقول “هنا أود أن أنوه إلى أن سؤال الاستدامة يعتبر من صميم العمل اليومي للمهندس المنظري، وذلك نظرا إلى ارتباطه الوثيق بمجال اشتغاله وأتحدث هنا عن تهيئة الفضاءات العامة”.

الهندسة المعمارية تلتقي مع هندسة المناظر
الهندسة المعمارية تلتقي مع هندسة المناظر

وبخصوص مساهمة الجمعية المغربية للمنظريين في تأطير وتنظيم المهنة، أكد أمزيان أن الجمعية تعتمد مقاربة ترتكز على عدة محاور، حيث مكن التشخيص الذي تم إنجازه بالاعتماد على مؤشرات علمية من تحديد محاور الاشتغال ذات الأولوية، مبرزا أن أول هذه المحاور يتمثل في الرفع من مستوى المعايير التقنية للقطاع من أجل تقوية قدرات المهندسين المنظريين على التأقلم مع التحديات التي تطرحها التغيرات المناخية، ومواكبة التقدم التقني والتكنولوجي الذي يعرفه القطاع، والهدف هو بالأساس تهيئة فضاءات عامة تستجيب لانتظارات وتطلعات المواطنين.

وأكد على أن هذه المعايير تتم بتشاور وبتنسيق مستمر بين مكونات الجمعية ومختلف الفاعلين المؤسساتيين من أجل مواكبة هذا التطور بنصوص تنظيمية تسمح بالممارسة السليمة للمهنة، إلى جانب العمل على تقوية التواصل مع القطاعات الوزارية المعنية والجماعات الترابية والمنظمات غير الحكومية الشريكة بهدف التعريف أكثر بالأدوار التي يضطلع بها المهندس المنظري، ومساهمته المهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتخفيف من آثار التغيرات المناخية، إضافة إلى بلورة شراكات مع فاعلين مؤسساتيين بهدف إضفاء الطابع العملي على عمل الجمعية وتنزيل المقترحات المتعلقة بممارسة المهنة وتحسين مستوى الفضاءات العامة على شكل مشاريع على أرض الواقع، من أجل تحسين واقع عيش المواطن الذي يبقى الغاية الأسمى لعمل المهندس المنظري.

وذكر بأن مكتب الجمعية الذي انتخب خلال الجمعية العامة المنعقدة شهر مايو الماضي، وضع مخطط عمل للولاية الانتدابية الممتدة لثلاث سنوات، يقوم على أربعة محاور تتمثل في الاشتغال على التكوين وتقوية قدرات المهندسين المنظريين، وتحديث الجانب التنظيمي والتشريعي من خلال العمل على تطوير الترسانة القانونية المنظمة لعمل المهندس المنظري، والتعريف بالمهنة عبر التواصل وإعداد الدلائل والمنشورات التي ستوضع رهن إشارة مختلف الفاعلين والشركاء في المجال، ثم تعزيز الشراكات والمشاركات في التظاهرات.

Thumbnail
13