هناك شروط ليكون الباحث في الأدب ناقدا حقيقيا

مسعود المسردي
الرياض - يسعى الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد في كتابه “كتابة البحث العلمي.. مبادئ ونظرات وتجارب”، إلى إبراز ملامح البحث العلمي والإشكاليات التي تعترض طريق كل باحث، مقدما عنوانا فرعيا لمؤلفه هو “عثراتي في البحث العلمي”.
ويضم الكتاب، الصادر عن دار آفاق المعرفة، الموضوعات التالية: من تعريفات البحث العلمي، نكت تاريخية عن بعض أعراف التصنيف في التراث العربي، صفات الباحث الناجح، القراءة، من سمات التفكير العلمي وأساليبه، من سمات تفكير الباحث ومهاراته، أسئلة البحث ومشكلاته، اختيار الموضوع، مشکلات تعترض الباحثين، الوصول إلى الفكرة البحثية، صياغة عنوان البحث وضبطه، نماذج من عناوين غير منهجية، اختيار منهج الدراسة، صياغة المخطط وبناء هيكله، صياغة البحث وشخصية الباحث، الاقتباس، الأمانة العلمية، مسائل في العزو والتخريج، أنماط الإحالات وطرقها، أنماط ذكر المصادر والمراجع، الحواشي وترتيبها، مسألة مهمة في المصادر التراثية، التعريف بالأعلام، تنبيهات تتصل بالمصادر والمراجع، من أخطاء الباحثين.
واستهل المؤلف كتابه بتعريف للبحث العلمي اختاره من بين عدة تعريفات وهو أن “البحث عمل علمي يقدمه الباحث إلى المجتمع العلمي، كاشفا فيه شيئا جديدا أو مخترعا له، أو مضيفا آراء أو استنتاجات ذات صلة بقضايا مطروحة، أو مناقشا لأمور قارة، شافعا نقاشه إياها بمعطيات جديدة وآراء لطيفة، أو معيدا ترتيب ما هو معروف، أو مخرجا مدونة مجهولة جمعا لها وتحقيقا، أو مثيرا قضية لم يعرض لها من قبل”.
ويشير المؤلف إلى أن “البحث العلمي”، بمفهومه الحديث لا يخرج عن هذه الأقسام السبعة، ويضاف إليها في الدراسات الأدبية والنقدية إعمال الرأي في القيم الفنية للمنجز الأدبي، تحليلا وتذوقا للجمال، والموازنة بين الآداب، أو المقارنة بين آداب اللغات ودراسة تاريخ الأدب، وتحقيق التراث، وهلم جرا.
كما شدد المؤلف على أنه ينبغي أن يكون الباحث قارئا منظما، عارفا لأسس التخصص، واسع الاطلاع، مشغوفا بالجديد، متابعا لما يجد في تخصصه، دقيق الملاحظة، ذا تفكير حساس متوجس، ومن حساسية الفكر التي تتوخى عند الباحثين أن يمتلكوا القدرة على كشف الزائف المبهرج من الصحيح، كما يجب أن يكون الباحث أمينا في نقله، ملما بالفنون ذات الصلة بفنه، فالمتخصص بالأدب والنقد وهو الموجه إليه هذا الكتاب في المقام الأول عارف بالنحو والصرف وعلم اللغة، متقن فنون البلاغة، مجيد للعروض والقوافي، ملم بالعلوم والفنون الأخرى: كالتاريخ والبلدانيات، ونحوها، وفوق ذلك عارف سبل الوصول إلى مظان المعرفة، مستمر في البحث لا يقف عن الخوض فيه، مهما بلغ من الرتب العلمية أو الوظيفية.
ويبين أن القراءة هي الباب الأعظم، والسبيل الأمثل للباحث، حتى يتمكن من البحث، ويبدع فيه، وهي ذات مسلكين لا بد منهما: “قراءة في كتب البحث النظرية”، و”قراءة متعمقة في كتب التخصص”.
ويلمح المؤلف إلى أن البحث ينشأ من تراكم أسئلة تثير شغف الباحث للوصول إلى جواب عنها، ولا يمكن أن يقترح الباحث أسئلة لفكرته البحثية ما لم يكن قارئا جيدا، وعليه ينبغي لمن اتصلت أسبابه بالبحث العلمي أن يعوّد نفسه على كثرة القراءة في مدونات تخصصه، وفيما يجد من دراسات، وما يظهر من مناهج، وأن يظل مطلعا متابعا، وأن يسلك سبيل تقييد الملحوظات، لأنها قد تكون نواة لأفكار بحثية متعددة، وأسئلة البحث قد تكون بادئة بماذا وكيف أو هل أو من أو لماذا؟
وجاء في الكتاب أن خطوة “اختيار البحث” هي أعسر الخطى في مسيرة البحث وأخطرها، لأهمية الموضوع في تكوين شخصية الباحث، وفي اطلاعه على مصادر العلم الذي يخوض فيه، وتعريفه مراجعه، وامتلاكه الأدوات البحثية والنقدية، لذا لا بد أن يكون موضوع البحث متصلا بهواية الباحث، وألا يقلد البحوث المشابهة لبحثه، فيقع في الافتعال والجهل بالمصطلحات، ولا بد أن يكون في الموضوع المختار جدة وطرافة وإضافة علمية.
♦ القراءة هي الباب الأعظم والسبيل الأمثل للباحث حتى يتمكن من البحث ويبدع فيه، وهي ذات مسلكين لا بد منهما: "قراءة في كتب البحث النظرية"، و"قراءة متعمقة في كتب التخصص"
ويشدد المؤلف على أنه ينبغي على الباحث تجنب وهج الظواهر الأدبية الرائجة، فقد لوحظ في السنوات الأخيرة تأثر جمهور من الباحثين بما تردد من أن عصرنا هذا هو عصر الرواية، فصاروا يعسفون أنفسهم على دراستها، وتورط بعضهم بدراسة نتاج ضعيف، فاصطبغوا هم بذلك الضعف في تكوينهم النقدي وفي لغتهم وثقافتهم العلمية، وينبغي أيضا أن يكون الموضوع المختار ملائما لقدرات الباحث المادية ومواهبه وفهمه.
العنوان أول ما يواجه المتلقي، وربما عد نصف البحث، ولهذا يجب على الباحث أن يجعله جامعا مانعا، مصرحا بما يندرج فيه، متجنبا إطالته ما أمكن، ضابطا حدوده الزمانية والمكانية، صائغا إياه صياغة لغوية صحيحة.
ومن المشكلات التي تعترض الباحثين وناقشها المؤلف في هذا الكتاب القياس على عناوين سابقة دون إلمام بحجم مادة البحث، وبناء البحث على مدونة ضعيفة، والجهل بمظان المعلومات، وضعف المعرفة بما يتصل بالبحث مادة أو أداة أو إجراء، والإقدام على البحث في الأدب المقارن دون تمكن من اللغات التي كتبت بها الآثار الأدبية، ونقص الاستقراء، والانطلاق من مسلمات والبحث عما يثبتها، وتقبل بعض الآراء على أنها حقيقة مسلم بها اتباعا لما شاع عند الباحثين، وفتور العزيمة، وضعف القدرة على الإفادة من الاقتباس النصي ومن ثم تغيب شخصية الباحث في غمرة نقوله المتوالية، والجهل بمصطلحات التخصص وغيرها.
وختم المؤلف كتابه ببعض النصائح للباحثين، منها أن على الباحث تجنب الشرح المدرسي في تحليله للأدب، وعليه تجنب الألفاظ الأجنبية.
يذكر أن المؤلف الدكتور عبدالله بن سليم الرشيد، أوصى جمهور الباحثين ببعض الكتب المتخصصة في البحث العلمي والتحقيق، ومنها “أصول البحث العلمي ومناهجه لأحمد بدر” و”إعداد البحث العلمي لأحمد الشامخ” و”البحث الأدبي لمحمد بن سعد بن حسين” و”البحث العلمي مناهجه وتقنياته لمحمد زيان عمر” و”تحقيق النصوص ونشرها لعبدالسلام هارون” و”محاضرات في تحقيق النصوص لأحمد الخراط” و”المصادر العربية والمعربة لمحمد ماهر حمادة”، وغيرها.