هل يوحد تسليم أبوعجيلة الليبيين ضد الدبيبة وينقذ السنوسي

المظاهرات في المدن الليبية تتوسع للمطالبة باستعادة المتهم في قضية لوكربي ورفض تقديم رئيس المخابرات لواشنطن، لما اعتبره البعض عبثا بالصندوق الأسود للأمن القومي للبلاد.
الخميس 2022/12/22
دعوات إلى الإفراج عن السنوسي

طرابلس – تؤشر حالة الغليان التي يشهدها الشارع الليبي منذ تسليم حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها أبوعجيلة مسعود المريمي على أن ما أفسدته السياسة قد تصلحه هذه العملية، وربما تنقذ أيضا هذه الهبة الشعبية رئيس المخابرات عبدالله السنوسي من مواجهة نفس السيناريو.

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة قد اعترف الخميس الماضي بتسليم حكومته أبوعجيلة مسعود المريمي، المشتبه به في قضية لوكربي، إلى الولايات المتحدة، بعد أيام على إعلان واشنطن وصول المريمي إلى أراضيها ومحاكمته في محكمة اتحادية، مبررا خطوته بالضرورية، قائلا إن "المتهم ينتمي إلى تنظيم إرهابي".

واعتقد الدبيبة أن خطابه سيمتص غضب الليبيين، لكن ما حدث أن كلماته زادت من درجة غليان الشارع الليبي الذي وحدته قضية تسليم أبوعجيلة، العقيد بجهاز مخابرات نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، على الرغم من انقسامه السياسي.

ونظمت في العديد من المدن الليبية مظاهرات ووقفات احتجاجية الأربعاء، للتنديد بتسليم حكومة الوحدة أبوعجيلة مسعود المريمي للولايات المتحدة، ورفض توجهها لتسليم اللواء عبدالله السنوسي للمحاكمة في قضية لوكربي.

ففي مدينة سبها (جنوب غرب) نظم الأهالي وقفة احتجاجية أمام مجمع المحاكم بالمدينة للتنديد بتسليم حكومة الوحدة أبوعجيلة مسعود المريمي للولايات المتحدة، وطالبوا النائب العام بالإفراج عن عبدالله السنوسي.

وفي مدينة المرج (شمال شرق) أعلن الأهالي رفضهم تسليم أبوعجيلة للولايات المتحدة، واتهموا في بيان مرئي الدبيبة بالخيانة للوطن، واعتبروا أن تسليمه مقابل حصوله على دعم الولايات المتحدة للبقاء في السلطة.

وفي منطقة قبرة الشاطئ (جنوب غرب) عبر الأهالي عن رفضهم لتوجه حكومة الوحدة لتسليم عبدالله السنوسي للولايات المتحدة، بعد تسليمها أبوعجيلة، محذرين من مغبة إقدامها على القيام بذلك، مؤكدين أنهم لن يظلوا مكتوفي الأيدي أمام تلك التصرفات.

والجمعة الماضية، خرجت مظاهرات في العديد من المدن الليبية للتنديد بتسليم أبوعجيلة، وردد المتظاهرون هتافات مناهضة لرئيس حكومة الوحدة، ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، معتبرين أن تسليم أبوعجيلة للسلطات الأميركية خيانة لليبيا وانتهاك لسيادتها.

واحتشد المتظاهرون في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس لمؤازرة عائلة المريمي، التي كانت دعت الليبيين إلى الخروج في كافة ميادين ليبيا للمطالبة بإطلاق سراحه وإعادته إلى بلاده.

وفي مدينة غات (على الحدود الليبية - الجزائرية)، طالب مجلس حكمائها وأعيانها في بيان، خلال وقفة احتجاجية نظمها الأهالي ضد تسليم أبوعجيلة، بإصدار مذكرة توقيف وإحضار فوري وعاجل بحق كل من كانت له اليد في تسليمه إلى جهات أجنبية.

كما أعلنت كل من قبائل ورفلة وقبائل فزان وقبائل القذاذفة استنكارها لتسليم أبوعجيلة، وطالبت بإعادته إلى بلاده ومحاكمة كل المسؤولين عن اختطافه.

ويخشى الليبيون من إقدام حكومة الدبيبة على تسليم بقية المساجين السياسيين، وعلى رأسهم رئيس جهاز مخابرات النظام السابق عبدالله السنوسي، باعتبار أن أبوعجيلة كان عقيدا تحت سلطته، وتفجير لوكربي 1988 تم في حقبة ترؤسه لجهاز المخابرات الليبية، وكان أحد عناصر القوة المشتركة أكد لوسائل إعلام ليبية أن "الأيام المقبلة ستشهد تسليم شخص آخر ويرجح أن يكون عبدالله السنوسي".

وأكدت تلك الأنباء السفارة الأميركية في ليبيا في بيان نشرته في وقت متأخر من مساء الثلاثاء عبر صفحتها على فيسبوك، قائلة إن واشطن "لا تقيّد بأيّ حال من الأحوال تعاوننا في إنفاذ القانون أو أن يكون لها أيّ تأثير على التهم الجنائية ضد المسؤولين عن الهجوم".

وأيضا أكدتها تصريحات مستشار الخارجية الأميركي جون بيلينغر قائلا "إن أبوعجيلة مسعود قد لا يكون الفصل الأخير في لوكربي"، مشيرا إلى أن "الذراع الطويلة للعدالة الأميركية قد تمتد لليبيين آخرين ومحاكمتهم كمسؤولي المخابرات المسؤولين عن العملية".

وفي شأن تسليم أبوعجيلة وإمكانية فتح الباب لتكرار الأمر مع عناصر من رموز النظام السابق، أكد وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير أن "خطاب الدبيبة يصبّ في خانة تهيئة الليبيين لتسليم عبدالله السنوسي في مرحلة موالية".

وأضاف الصغير في تصريحات صحافية أنه "سبق ونبه من خطورة تسليم السنوسي منذ سبتمبر الماضي، لما يحمله هذا الرجل في جرابه الاستخباري من معلومات حساسة عن الأمن القومي الليبي، بغض النظر عن انتمائه إلى النظام السابق".

وتابع وكيل وزارة الخارجية الأسبق أن "لوكربي في عهد القذافي إذا كانت قد انتهت بحصول الولايات المتحدة على تعويضات مالية بقيمة 2.7 مليار دولار أميركي عام 2003، فإن أميركا تتطلع إلى الحصول على مواقع إستراتيجية على الأرض في لوكربي في عهد الدبيبة بخاصة مع تغير الخارطة السياسية للعالم".

واعتبر وزير الداخلية السابق عاشور شوايل أن "تهاون حكومة الدبيبة في تسليم أبوعجيلة سيفتح شهية المطالبة بجلب رجال أمن أو مواطنين ليبيين، قد يكونون على قائمة الأشخاص المطلوبين لدول عدة مثل أميركا وغيرها".

ولم يخف وزير الداخلية السابق خوفه من "سقوط معلومات حساسة عن الأمن القومي الليبي والعربي في يد جهات أجنبية، جراء إقدام الدبيبة على خطوة تسليم ضباط من جهاز الأمن الخارجي"، مشيرا إلى أن جميع الدول تمتلك أجهزة استخبارات، وعادة ما يتحرك عناصر الأمن خارج دولهم، لكن لم يسبق أن سلمت أي دولة ضباط جهاز استخباراتها لدولة أخرى، حتى وإن كانوا قد ارتكبوا أخطاء أو جرائم أثناء عملهم، فإنهم يعاقبون وفق اللوائح القانونية لبلدانهم.

ونوه شوايل بأن "تسليم الضباط ورجال الأمن لدولة أخرى هو انتهاك صارخ للسيادة الوطنية وعبث بالصندوق الأسود للأمن القومي الليبي، ووصمة عار ستتكبد تداعياتها ليبيا وجيرانها اقتصاديا وسياسيا وأمنيا على المدى البعيد".

وحول إمكان التوسع في باب التسليمات لتصل إلى رئيس جهاز المخابرات السابق عبدالله السنوسي، قال شوايل إن "الأمور قد تصل إلى كل المساجين السياسيين وليس السنوسي فقط، ففي ظل وجود السلطة التنفيذية الحالية قد يتم بيع إقليم من الأقاليم الليبية بالقطعة، فالأهم هو الاستمرار في السلطة ونهب المال العام".