هل يهدد 80 ألف مهاجر أفريقي التركيبة السكانية في تونس

تونس – كشف وزير الداخلية التونسي كمال الفقي عن أن 80 ألف مهاجر من دول أفريقيا جنوب الصحراء موجودون في البلاد، وهو أول رقم رسمي يصدر عن السلطات في ظل الأزمة المتفاقمة للمهاجرين غير النظاميين في تونس.
وهذا العدد الذي لم يلامس عتبة المئة ألف وبعيدا جدا عن الأرقام التي تم تداولها السنة الماضية، وأوائل السنة الحالية على هامش الضجة التي أثارتها تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد حول أعداد المهاجرين، يشكل ما نسبته 0.6 بالمئة من عدد السكان البالغ عددهم 12 مليون نسمة.
ومقارنة بعدد المهاجرين الموجودين بفرنسا على سبيل المثال فإن هذا الرقم يعد بلا معنى ولا يمكن بأي حال من الأحول أن يهدد التوازن الديموغرافي كما يحذر عدد ليس بالقليل من التونسيين والتونسيات.
ففي فرنسا يعيش أزيد من 7 ملايين مهاجر وهو ما يمثل 10.3 بالمئة من عدد السكان الفرنسيين. وفي ايطاليا يعيش ما يقارب عن الخمسة ملايين مهاجر وسط 59 مليون مواطن إيطالي وهو ما يمثل نسبة تفوق نسبته 8 بالمئة.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد خصص اجتماع مجلس الأمن القومي في الثاني والعشرين من فبراير 2023، لما أسماه بـ"الإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لمعالجة ظاهرة توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس".
وأكّد أن “هذا الوضع غير طبيعي”، مشيرا إلى أن “هناك ترتيبا إجراميا تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس، وأن هناك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء في تونس".
وشدّد على أن "هذه الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية الهدف غير المعلن منها هو اعتبار تونس دولة أفريقية فقط ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية".
وانتهى إلى “ضرورة وضع حد بسرعة لهذه الظاهرة، خاصة وأن جحافل المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء مازالت مستمرة، مع ما تؤدي إليه من عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة، فضلا عن أنها مجرّمة قانونا”.
ولاقت هذه التصريحات تنديدا وردود فعل غاضبة في تونس وخارجها على اعتبارها “تحريضية” و”عنصرية”… لكنها وجدت بالمقابل تفاعلا من شق في تونس تلقف عبارات سعيد من قبيل “توافد أعداد كبيرة من المهاجرين” و”الموجات المتعاقبة” و”جحافل المهاجرين”… للحديث عن أرقام مرتفعة جدا للمهاجرين.
فقد توقع البعض أن يكون العدد فوق المليون مهاجر، ورجح البعض الآخر أن يكون 700 ألف مهاجر قادمين من دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وذلك استنادا إلى بيانات صادرة عن الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة النقابية الأقوى والأكثر تمثيلا في تونس).
لكن زير الداخلية التونسي قال في تصريح لقناة "الحدث" السعودية مساء الأحد إن عددهم 80 ألفا ونحو 17 ألف من المهاجرين الوافدين على البلاد يوجدون في مدينة صفاقس، التي تمثل نقطة استقطاب في مسعى للعبور انطلاقا من سواحلها إلى الجزر الإيطالية القريبة عبر قوارب المهربين.
وتدفق الآلاف من المهاجرين بشكل غير شرعي على صفاقس في الأشهر الأخيرة بهدف الانطلاق إلى أوروبا في قوارب يديرها مهرّبو البشر، مما أدى إلى أزمة هجرة غير مسبوقة في تونس.
وإثر صدامات أودت بحياة مواطن تونسي في الثالث من يوليو، طُرد العشرات من المهاجرين الأفارقة من صفاقس ونُقِلوا إلى مناطق حدودية مع ليبيا والجزائر حيث يعيشون وضعا صعبا.
وأضاف الفقي أن "1057 مهاجرا أفريقيا غير نظامي غادروا تونس طوعا نحو بلدانهم، مشيرا إلى أن تونس منعت نحو 2200 مهاجر من دخول البلاد عبر المعابر الحدودية خلال النصف الأول من 2023".
ولفت إلى أن السلطات التونسية "أنقذت أكثر من 15 ألف مهاجر غير نظامي قبالة سواحل البلاد، معظمهم من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء خلال الفترة الممتدة من يناير إلى 29 يوليو الجاري".
كما أفاد الفقي بانتشال "نحو 900 جثة مهاجر غير نظامي أغلبهم من جنوب الصحراء، خلال الفترة ذاتها.
ونفى وزير الداخلية ما يروج من معطيات عن تعرض المهاجرين الأفارقة للاعتداء، وذلك ردا على مقطع فيديو نشرته وزارة الداخلية الليبية يوثق شهادات مهاجرين أفارقة على الحدود قال أحدهم إن الجيش التونسي اعتدى عليهم.
وواجهت تونس انتقادات من منظمات حقوقية بشأن إبعاد مهاجرين إلى مناطق صحراوية نائية على الحدود الليبية بعد أعمال عنف وقلاقل شهدتها مدينة صفاقس.
ويضبط الحرس البحري في تونس يوميا قوارب مكتظة بالمهاجرين على السواحل، كما يجري الإعلان بشكل متواتر عن غرقى، وبينهم أطفال ونساء.
وقدم الهلال الأحمر التونسي مساعدات لأكثر من 600 مهاجر نُقلوا من الحدود الليبية وتم إيواؤهم مؤقتًا في مدارس في جنوب البلاد.
ويتواصل في مدن الجنوب التونسي إيواء مئات المهاجرين غير النظاميين من جنسيات مختلفة، في انتظار التنسيق لترحيل الراغبين طواعية، حسب السلطات.
ولم يصدر أي بيان عن تفاصيل العملية من الجهات الرسمية، بينما تحدثت وسائل إعلام محلية، عن أن إجراءات الترحيل، "تأتي بعد تنسيق بين منظمة الهجرة الدولية والسفارات والبعثات الدبلوماسية لبلدانهم، واستيفاء كل الشروط القانونية للترحيل الطوعي".
وكانت إيطاليا قد استضافت في 23 يوليو الحالي قادة دول حوض البحر المتوسط بهدف تعميم أساليب تعاون جديدة بين البلدان التي ينطلق منها المهاجرون غير النظاميين والبلدان المُضيفة، على غرار الاتفاق الموقّع بين الاتحاد الأوروبي وتونس بهدف الحد من وصول المهاجرين إلى القارة.
وفي ختام المحادثات التي استمرّت ساعات أعلنت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إنشاء صندوق سيتم تمويله في مؤتمر أول للجهات المانحة لم يحدد موعده بعد، في مبادرة ساهمت فيها الإمارات بمئة مليون يورو.
وفي حين لم يرشح عن المؤتمر أي تدبير ملموس آخر، اعتبرت ميلوني أن الخطوة تعد "بداية عمل طويل الأمد"، مع إطلاق "عملية روما" التي حدّدت أولوياتها.
وتقول روما إن نحو ثمانين ألف شخص عبروا البحر المتوسط ووصلوا إلى سواحل إيطاليا، في مقابل 33 ألفًا خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وقد انطلق معظمهم من سواحل تونس.
وكثفت ميلوني والمفوضية الأوروبية، بدعم من دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، تحاورها مع تونس في الأشهر الأخيرة ووعدت بتمويل إذا التزمت الدولة بمكافحة الهجرة غير النظامية التي تنطلق من سواحلها.
ووقعت بروكسل وروما في 17 يوليو الحالي مذكرة تفاهم مع الرئيس التونسي تنص خصوصا على مساعدة أوروبية بقيمة 105 ملايين يورو وتهدف إلى منع مغادرة قوارب المهاجرين سواحل البلاد ومحاربة المهربين. تضاف إلى ذلك تمويلات أوروبية تصل إلى 900 مليون يورو في حال اتفقت تونس مع صندوق النقد الدولي.
وتنص الاتفاقية على عودة المزيد من التونسيين الذين هم في وضع غير نظامي في الاتحاد الأوروبي.
وتبعد أجزاء من سواحل تونس أقلّ من 150 كيلومتراً عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وتسجّل بانتظام محاولات هجرة في اتجاه السواحل الإيطالية غالبية المشاركين فيها من دول أفريقيا جنوب الصحراء.