هل ينسف موقف بنكيران من مدونة الأسرة التحالف مع أحزاب اليسار

الرباط – أثارت تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق في المغرب عبدالإله بنكيران حول إصلاح مدونة الأسرة المرتقب، سجالا واسعا في البلاد، بعد إعلان تأييده لزواج القاصرات، معتبرا أن تجريم ذلك سيفاقم العنوسة بالبلاد ويضاعف من العلاقات الجنسية خارج الزواج، وهو موقف لقي معارضة شديدة من التقدم والاشتراكية الذي كان يعتزم بمعية الاتحاد الاشتراكي التحالف مع حزبه استعدادا للاستحقاقات السياسية والانتخابية المقبلة.
وانتقد بنكيران خلال كلمة ألقاها في مهرجان خطابي نظمه حزبه الأحد بمدينة الدار البيضاء، الداعمين لإصلاح مدونة الأسرة، داعيا إلى مواجهة أي بنود "تخالف" المرجعية الإسلامية بـ"مسيرة شعبية مليونية"، وذلك ردا على مقترحات تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تشمل دعوة لمنع تزويج القاصرات وإلغاء تجريم الإجهاض وإصلاح منظومة الإرث.
وجدّد بنكيران رفض حزبه مطلب إلغاء زواج القاصرات الأقلّ من 18 سنة، الذي ترفعه جمعيات حقوقية وتيارات سياسية يسارية، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، معتبرا أن إلغاءه سيفاقم من العنوسة في المغرب وسيرفع من منسوب العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج.
واعتبر أن الجهات التي تدافع عن مثل هذه المقترحات وترغب في وضعها داخل مدونة، تحاول فقط "هدم القيم الأخلاقية للمغاربة والقضاء على مؤسسة الزواج، وترغب في ترسيخ معالم الغرب بالمجتمع المغربي، من خلال رفضها تزويج القاصرات مع السماح بالإجهاض".
وأحدثت تصريحات بنكيران موجة من الجدل وأعادت إحياء الصراع بين التيار ذي المرجعية الإسلامية بالمغرب وبين الخط الحداثي، حول قضايا المرأة والأسرة، على خلفية طرح قانون الأسرة المغربي للنقاش العام من أجل إدخال تعديلات عليه.
ويبدو أن حلم التنسيق وبداية التأسيس لتحالف مستقبلي بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية من جهة، وحزب العدالة والتنمية من جهة ثانية، باتت في مهب الريح بعد الحرب الكلامية المستعرة بين الجانبين بسبب إصلاح مدونة الأسرة المرتقب.
وبعد الهجوم الكاسح الذي شنه بنكيران الأحد على الحزبين اليساريين وقيادتهما، خرج رشيد حموني رئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية بالبرلمان للرد على زعيم الإسلاميين في "تدوينة" وصف فيها تصريحاته بـ"الأخطر على المجتمع المغربي وتجربته الديمقراطية الناشئة".
وقال حموني إن تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بخصوص مدونة الأسرة، "تصريحاتٌ متهجِّمَة وأخلَّت، بشكلٍ صارخ، بواجب الاحترام الواجب بين القيادات والأحزاب السياسية".
وأضاف حموني أن "تصريحات الرجل، الذي تَــحَمَّلَ يومًا ما مسؤولية رئاسة الحكومة المغربية بما كان يُفترَضُ أن يجعل منه رجل دولة، هي تصريحاتٌ مُحرِّضَةٌ على الفتنة والانقسام المجتمعي، وتنطوي على تهديدٍ صريح بـ"الانتفاض" ضد أيِّ إصلاحٍ تحديثي لمدونة الأسرة".
واستدرك القيادي قائلا "من حق الرجل، من منطلقِ الاختيار الديمقراطي الذي أقَرَّ الدستور أنه لا رجعة فيه، أنْ يُـعبِّر عن مواقف غارقةٍ في المحافَظة إزاء قضية المساواة أو أيِّ قضية مجتمعية أخرى، حتى لو كانت خلفية ذلك محاولةُ استعادة أمجادٍ غابرة، علماً أن التاريخ لا يُعيدُ نفسه سوى بشكلٍ كاريكاتوري. لكن الذي ليس من حق بنكيران هو الافتراءُ والتحريف، بل والتحريض الصريح، في حق مواقف أحزابٍ سياسية وطنية تشتغل في إطار المرجعية الدستورية الوطنية وثوابت الأمة، منذ عشراتِ السنين، وفي حق مؤسسة وطنية دستورية أساسية هي المجلس الوطني لحقوق الإنسان".
ونبه القيادي بحزب التقدم والاشتراكية، أن بنكيران أطلق العِنان لاتهاماتٍ كاذبة وعبثية لا أساس لها إلا في ذهنه، وبلَغَ به الانسياقُ الكلامي إلى حدّ إلى إخراج كلِّ مَن له مرجعيةٌ تحديثية من دين الإسلام الحنيف، وإلى تقسيم العالَم إلى بلاد الإسلام وبلاد الكفار، وتصنيف المغاربة على أساس فهمٍ شخصي من الرجل للإيمان، من خلال إيهام الناس بأن من هو ضد المحافَظَة هو ضد الإسلام والقرآن الكريم".
ولم يقف حموني عند هذا الحد، بل قال متسائلا "أليس هذا تكفير صريح ودعوة إلى التطرف والمسِّ بأحد المرتكزات الأساسية التي تعضد مجتمعنا المغربي، وهو مرتكز التعددية الفكرية والسياسية الذي اختاره المغربُ منذ الاستقلال!؟".
ولفت رئيس فريق "الكتاب" بمجلس النواب، إلى أن تصريحات بنكيران، وصلت مَدَاها حينما تجرَّأ على إدراج نعت "القَتَلَة" في حق المدافعين عن إمكانية الإيقاف الطبي للحمل عندما يشكل هذا الأخير خطرا على حياة الأم أو على صحتها وفي حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم وحالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يُصاب بها الجنين مع الإبقاء على تجريم الإجهاض غير الشرعي.
وسجل أن بنكيران لم يكلِّف نفسَهُ عناءَ الاطلاع المتفحِّصِ على مذكرات التنظيمات والهيئات الديمقراطية بخصوص مراجعة مدونة الأسرة، أنه اكتفى، في أحسن الأحوال، بتلاوة عناوينها من منطلق أحكام جاهزة ومُحَرِّفَة للحقيقة، بشكلٍ يبعثُ على الاستنكار ويدفع بالممارسة السياسية السوية نحو الهاوية.
واعتبر حموني أن غرائب أمين عام حزب العدالة والتنمية أنَّ له فهماً عجيباً لبعض القضايا والحالات التي صار مجتمعنا المغربي يَعُجُّ بها وتحتاج إلى الاجتهاد (الاجتهاد المتنور الذي جعل من ديننا الإسلامي الحنيف والمعتدل قادراً على الجواب الواقعي على التحولات في كل مرحلةٍ من مراحل تاريخ المجتمعات المُسلِمَة).
وشدد على أنه "ليس من المعقول أن يَختزل الرجل، من خلال تصريحاته المستفِزَّة، رابطَةَ الزواج في العلاقات الجنسية والغواية ولذة الرجل وتشيئ المرأة التي كرمَّها الله تعالى، وفي اعتبارها موضوعاً لمتعة الرجل، مضيفا أنه "ليس معقولاً ولا منطقيا أن يُوحي الرجلُ بأن الحل لظاهرة مغادرة الفتيات للدراسة هو تزويجهن دون سن 18، وإيهامُ الناس بأن من يدعو إلى تجريم الطفلات هو ضد الإسلام والقرآن الكريم".
واعتبر القيادي التقدمي أنه "من باب الجهل بالواقع ترويجُ فكرة حصر واجب الإنفاق على الأسرة في الرجل، في الوقت الذي صارت المرأة المغربية، بالنظر إلى التحولات العميقة التي طرأت على المجتمع، تحتل مكانة بارزة في معظم المهن والمسؤوليات، وبالتالي في داخل الأسرة المغربية التي نسعى إلى تماسكها وبنائها على أسس متينة".
وخاطب رئيس فريق التقدم والاشتراكية بالبرلمان، بنكيران قائلا "إذا أردتَ أن تختلف، وأن تكون مواقفُك جامدة، وفهمُك للمجتمع محافظاً، فالدستور يتيح لك ذلك، والتعددية السياسية تسمح لك بذلك، والاختيار الديمقراطي يُعطيك الإمكانية إلى ذلك".
وخلص حموني إلى أنه لا حق لبنكيران أبدًا في تكفير من يخالفُك الرأي، ولا في تبرير مواقف سياسية بتأويلك الخاص لدين الدولة والمجتمع، ومحاولة إضفاء طابع القدسية على آراءك التي قد تكون مُخطئة وقد تكون مُصيبَة. ولا حق لك في تزييف مواقف الغير.
ومن جانبه، رفض المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تصريحات بنكيران ومهاجمته للمجلس بسبب المذكرة حول تعديل مدونة الأسرة، معتبرا أنه "مس بمصداقية المؤسسة، وتشويه وتبخيس للدولة المغربية ومكانتها الحقوقية".
وأوضح عضو المجلس المصطفى المريزيق، في بيان الاثنين، أن بنكيران هو الذي يهاجم المرجعية الإسلامية القائمة على احترام الاجتهاد والخلق والإبداع والابتكار، والتجديد الديني، والبحث عن القيم التي تصون كرامة المواطنات والمواطنين في حضن العيش المشترك لضمان الأمن والأمان والاستقرار.
ورأى أنّ تصريحاته "تحريضا على العصيان" و"تشويش ممنهج على الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وابتزاز الدولة باسم "الدعوة الدينية"، والتحريض ضد الإجماع الوطني والمس بمؤسساته الدستورية والشرعية، وتغليط الرأي العام الوطني، وتوسيخ سمعة المغرب وتبخيس إصلاحاته الكبرى".
ويتجه المغرب نحو تعديل مدونة الأسرة، بعد دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس، في سبتمبر الماضي، إلى إطلاق مشاورات موسعة لإصلاحها من أجل تجاوز "الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها".