هل ينجح الكاظمي في الحد من النفوذ الإيراني

بغداد- يعد العراق منفذا لإنعاش الاقتصاد الإيراني في مواجهة حملة عقوبات "الضغط الأقصى" التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 4 نوفمبر 2018.
لذلك تستغل إيران نفوذ القوى الحليفة لها وحالة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية لتحقيق مكاسب اقتصادية غير مشروعة من خلال مخالفة العقوبات الأميركية، ومكاسب أخرى مشروعة من خلال الاستثناءات التي يتمتع بها العراق في مجالي شراء إمدادات الطاقة الكهربائية والغاز اللازم لتشغيل محطات التوليد العراقية.
وخلال زيارته إلى طهران في 21 يوليو الماضي، أبلغ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، القيادة الإيرانية أنه يطمح إلى بناء علاقات متوازنة مع إيران والدول الأخرى على أساس "دولة مع دولة" بدلا من العمل مع قوى حليفة تعمل على تقويض بناء الدولة العراقية التي يسعى بخطوات "تدريجية" لاستعادتها من هيمنة قادة المجموعات الشيعية المسلحة والكتل السياسية الحليفة لإيران، وإبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من عدم تبني إيران موقفا معلنا من حكومة الكاظمي، لكنها دون أدنى شك تنظر إليه بأنه يشكل تهديدا لمصالحها في العراق سواء بإجراءاته ضد المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لها أو الانفتاح الاقتصادي على الدول الأخرى ومحاولاته استعادة مؤسسات الدولة العراقية وتحريرها من نفوذ القوى الحليفة لإيران.
التخلص من نفوذ إيران
حيث يتجه العراقيون للتخلص من نفوذ إيران والقوات الحليفة لها بمساعدة أميركية. وفي حال استمر الكاظمي باتخاذ المزيد من الخطوات لاستعادة قرار الدولة المرتهن في الجزء الأكبر منه للفصائل والمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، فإنه سيكون امام خياري المواجهة أو الاحتواء.
ويعمل الكاظمي على تحقيق استعادة السيادة على مؤسسات الدولة العراقية، الأمنية بالمقام الأول، وحصر السلاح بيد الدولة ومنع الهجمات على قوات التحالف الدولي ووقف موجات الاغتيالات التي تستهدف الناشطين في الاحتجاجات والمعارضين للنفوذ الإيراني في العراق.
وتتعارض جهوده في سعيه لاستعادة قرار مؤسسات الدولة العراقية مع النفوذ الإيراني في البلاد.
وقد تلقى الكاظمي رسائل كثيرة تحذره من محاولاته حرمان المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران (الفصائل الولائية) من امتيازاتها ونفوذها وهيمنتها على الجزء الأكبر من قرار الدولة العراقية الأمني والعسكري والاقتصادي، والسياسي أيضا.
ففي 6 يوليو الماضي، اغتال مجهولون، تشير أصابع الاتهام إلى أحد المجموعات الشيعية المسلحة، الخبير الأمني هشام الهاشمي المقرّب من الكاظمي والذي عمل معه لفترة طويلة خلال رئاسته جهاز المخابرات ورئاسته الحكومة.
واستمرت موجة الاغتيال بعد ذلك وخلال أغسطس أيضا بهدف إرباك المشهد الأمني وتحدي الكاظمي وقدراته في مواجهة تلك الفصائل لتشمل قادة في الاحتجاجات التي يعتقد على نطاق واسع أن من نتائجها ترشيح الكاظمي بصفته مرشحا توافقيا غير منتم للأحزاب السياسية، وهو مطلب أساسي من مطالب المحتجين.
حوار استراتيجي
وقبيل بدء جولة الحوار الاستراتيجي الثانية، صعّدت القوى الحليفة لإيران من هجماتها ضد المصالح والقوات الأميركية في العراق في محاولة منها للضغط على الكاظمي للحد من دعمه لاستمرار تواجد القوات الأميركية في العراق.
ويُعتقد أن الكاظمي يدرك عدم إمكانية الاستغناء عن تلك القوات في المدى القريب طالما لا يزال تهديد تنظيم داعش قائما وزيادة وتيرة عملياته في مناطق مختلفة من العراق، وحاجة القوات الأمنية إلى تعزيز قدراتها القتالية بدعم أميركي في جوانب المعلومات الاستخباراتية والتدريب والاستشارات والتسليح أيضا.
ونفذت مجموعات مسلحة يعتقد أنها تابعة لفصائل مسلحة حليفة لإيران قبل مغادرة الكاظمي إلى واشنطن ما لا يقل عن ست هجمات صاروخية وخمس هجمات باستخدام العبوات الناسفة ضد قوات ومصالح أميركية خلال الفترة بين 12 و19 أغسطس الجاري.
وبعض هذه الهجمات أثناء تواجد قائد الحرس الثوري الإيراني ببغداد واجتماعه مع الكاظمي في 16 أغسطس الجاري، لمناقشة الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وفق تقارير إعلامية تحدثت أيضا عن مناقشات تعلقت بمطالب إيرانية متكررة بإخراج القوات الأميركية من العراق.
التخلص من داعش
وفي 11 يونيو الماضي، عقد الطرفان العراقي والأميركي جلسات الحوار الاستراتيجي في جولتها الأولى ببغداد.
في حين عقدت الجولة الثانية من الحوار بواشنطن في 19 أغسطس الجاري للتأكيد على الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين البلدين على أسس احترام سيادة العراق وتعهد بغداد بحماية القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي الموجودة البلاد.
وفي جلسات الحوار الاستراتيجي الثانية أعادت الولايات المتحدة التأكيد على التزامها بتحقيق ما تراه أهدافا مشتركة مع العراق من خلال التنسيق الأمني الثنائي والتعاون مع القوات الأمنية العراقية لهزيمة تنظيم داعش بشكل كامل وضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة تركز على تدريب وتجهيز ودعم القدرات القتالية للقوات العراقية.
واتفق الطرفان على مواصلة واشنطن تخفيض أعداد قواتها المتواجدة في العراق بعد إنجاز المرحلة الأولى من الحرب على تنظيم داعش، وضرورة بقاء تلك القوات في إطار مرحلة جديدة تركز على التدريب وتقديم الاستشارات للقوات العراقية.
وقبيل لقائه برئيس الوزراء العراقي، صرح الرئيس الأميركي في 20 أغسطس الجاري، أن بلاده لديها عدد قليل من الجنود في العراق، لكن هؤلاء يتواجدون للمساعدة في حال أقدمت إيران على فعل أي شيء.
وبعد عودته من واشنطن، نقلت وسائل إعلام محلية عن الكاظمي قوله إن الرئيس الأميركي أكد له أن قوات بلاده ستنسحب من العراق خلال الثلاث سنوات المقبلة بإعادة نشرها خارج العراق على الرغم من أعدادها القليلة وحاجة العراق إلى هذه القوات لتدريب وتطوير قوات الجيش والأجهزة الأمنية.
واذا كانت القوى الحليفة لإيران تعتقد أن ما نقله الكاظمي عن ترامب إنجازا لها على الرغم من عدم الإشارة إليه في البيانات الرسمية المشتركة، فإن الولايات المتحدة في ذات الوقت انتزعت من العراق اعترافا رسميا بأهمية استمرار الحضور العسكري الأميركي في العراق، وهو ما أكده وزير الخارجية الأميركي الذي قال إن قوات بلاده باقية في العراق إلى حين إنجاز مهمتها دون أن يحدد سقف زمني.
بناء عراق جديد
وعلى ما يبدو فإن الكاظمي ناقش مع الإدارة الأميركية أبواب المساعدة الممكنة لتخليص الدولة العراقية من النفوذ الإيراني المباشر أو نفوذ القوى الحليفة لها، لكن ذلك لم يشر إليه في تصريحات المسؤولين الأميركيين أو العراقيين أو في البيان الختامي لجولة الحوار الاستراتيجي الثانية.
وفي حال نجاح الإجراءات التي يتخذها الكاظمي لاصلاح قطاعات الأمن والاقتصاد يمكن أن تقود إلى بناء عراق "جديد" خال من النفوذ الخارجي أو نفوذ المجموعات الشيعية المسلحة.
ولمواجهة تهديدات المجموعات الشيعية المسلحة سيكون على الكاظمي تنمية وتعزيز قدرات قوات جهاز مكافحة الإرهاب، وهي قوات أنشأتها الولايات المتحدة ودربتها وسلحتها وتتبنى عقيدة قتالية عسكرية أميركية يمكن لها أن تكون القوة الضاربة في مواجهة تلك المجموعات بدعم وإسناد أميركي "قد" يكون تمت مناقشته بين الكاظمي والإدارة الأميركية.
ومن الصعوبة بمكان وضع مقاربة متوازنة لطلب الولايات المتحدة من الكاظمي التحرك ضد المجموعات الشيعية المسلحة في ذات الوقت الذي تصرح فيه واشنطن بأن قواتها سوف تنسحب من العراق خلال ثلاث سنوات وهي فترة غير كافية لبناء قوات أمنية عراقية قادرة على فرض سلطة الدولة واستعادة قرارها السيادي.
ويمكن أن تؤدي معارضة إيران عبر القوى الحليفة لها إلى مواجهات مسلحة بين القوات الأمنية والمجموعات الشيعية المسلحة التي صعّدت من عملياتها ضد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة باستخدام العبوات الناسفة ضد أرتال الدعم اللوجستي لتلك القوات.