هل ينجح البرلمان اللبناني في منع فوضى دستورية تركها عون

بيروت – يمثّل تحديد البرلمان اللبناني موعدا لمناقشة رسالة الرئيس ميشال عون بخصوص إقالة الحكومة، محاولة لحث الأطراف السياسية على إيجاد أرضية للتوافق من أجل تفادي استمرار الفراغ والفوضى اللذين تركهما عون خلفه، بعد مغادرته قصر بعبدا.
ودعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الاثنين البرلمان إلى حضور جلسة الخميس لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون بخصوص إقالة الحكومة.
وقال بيان لمكتب بري إن "الجلسة البرلمانية ستعقد الخميس المقبل في تمام الساعة 11 ظهرا بتوقيت بيروت، لتلاوة رسالة فخامة رئيس الجمهورية".
وتشير دعوة بري، وفق مراقبين، إلى أنه يريد تحديد موقف الكتل النيابية من خطوة عون التي تعد سابقة في لبنان، كما يرمي أيضا إلى إيجاد حلول توافقية مع هذه الكتل لإخراج البلاد من أزمتها، خاصة وأنها لم تعد تحتمل أكثر مع الفوضى الدستورية التي تركها عون خلفه.
وواقعيا قد يستفيد عون وصهره جبران باسيل بشكل كبير من تصعيدهما السياسي ومن خلق فوضى دستورية في لبنان، في الوقت الذي تسعى فيه الدول المعنية بالملف اللبناني إلى تثبيت الاستقرار، إذ ستصبح لدى عون قدرة أوسع على التأثير في الملف الرئاسي، وهو المدخل الوحيد لتشكيل الحكومة وإعادة الانتظام إلى المؤسسات.
وأقصى ما يمكن أن يحققه التيار الوطني الحر هو تحسين شروطه في المعركة الرئاسية، خصوصا أن سقف طموحاته لا يصل إلى إيصال رئيسه جبران باسيل إلى بعبدا، إذ إن باسيل نفسه يعلم ذلك ويحاول باستمرار تأكيد عدم ترشحه في هذه المرحلة.
لكن ما يتوق إليه التيار هو الاستفادة من التصعيد والفراغ ليضمن لنفسه البقاء فاعلا في الحياة السياسية، ويمنع خصومه من عزله سياسيا بعد انتهاء ولاية عون.
ووجّه عون رسالة إلى البرلمان حول توقيع مرسوم استقالة حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، وفق خطاب ألقاه الأحد قبل مغادرة القصر الرئاسي قبل يوم على انتهاء فترة ولايته.
وقال عون "اليوم صباحا (الأحد) وجّهت رسالة إلى مجلس النواب بحسب صلاحياتي الدستورية، ووقّعت مرسوم استقالة الحكومة".
وفي المقابل، ردّ ميقاتي في بيان أن "الحكومة ستتابع القيام بواجباتها الدستورية، ومن بينها تصريف الأعمال"، معتبرا أن "المرسوم الذي قبل استقالة الحكومة، المستقيلة أصلا بمقتضى أحكام الدستور، يفتقر إلى أي قيمة دستورية".
ويرى مراقبون أن بري، ومن خلفه حزب أمل الذي يتزعمه، وحليفه حزب الله، قد يعملان على إيجاد أرضية للتوافق لتجنيب لبنان سيناريوهات كارثية، لاسيما وأنه ينتظر تمويلا من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار يصرف على مدى أربع سنوات، بعد اتفاق مبدئي في أبريل الماضي.
كما لا يستبعد المراقبون أن يدعو بري إلى حوار وطني لإنهاء الأزمة السياسية، خاصة وأن الظروف الدولية والإقليمية غير مؤاتية لانشغالها بالحرب الروسية - الأوكرانية. كما أن الدور الخليجي، وخصوصا السعودي الذي لعب دورا في تقريب وجهات بين الأفرقاء، غير متاح حاليا.
وتعد خطوة عون سابقة في لبنان، حيث يتعين على رئيس الجمهورية إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة في اليوم ذاته الذي يوقّع فيه مرسومي تعيين رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة. وتصدر المراسيم الثلاثة معا.
لكن خبراء دستوريين يقللون من تداعياتها ويضعونها في إطار "الصراع السياسي" بين الرجلين، بحسب فرانس برس.
وخلقت المناكفات السياسية القائمة بين رئاستي الحكومة ورئاسة البلاد جدلا دستوريا جديدا، إذ شكك عون وفريقه السياسي بدستورية إدارة حكومة تصريف الأعمال للبلاد وميثاقية هذه الخطوة في ظل الفراغ، وإمكانية تسلمها لمهامه خلال هذه الفترة، في بلد يدار بالتوازنات الطائفية والتحاصص بينها، حيث رئاسة الجمهورية عرفا من حصة المسيحيين الموارنة، فيما رئاسة الحكومة من حصة المسلمين السنة، ما أتاح لعون طرح الميثاقية بتسلم ميقاتي وحكومته للحكم في مرحلة الفراغ الرئاسي.
وينصّ الدستور اللبناني على أن تتولى الحكومة صلاحيات الرئيس في حال تعثّر انتخاب رئيس جديد للبلاد قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي.
ويخيم على الأوساط القانونية والسياسية في لبنان خلاف بشأن تولّي الحكومة الحالية صلاحيات الرئيس، لأنها بحكم المستقيلة بموجب الدستور، منذ إجراء الانتخابات التشريعية في مايو الماضي، لتتولى منذ ذلك الوقت مهامّ تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
ويرى مراقبون أن الهدف من خطوة عون هو منع اجتماع حكومة تصريف الأعمال خلال فترة الفراغ الدستوري، لاسيما أنها لم تتقدم باستقالتها لرئيس البلاد كي يقبلها أو يرفضها.
كما كشف ميقاتي، خلال مداخلة مع تلفزيون "الجديد"، أنه سيصطحب معه إلى القمة العربية التي ستقام في الجزائر غدا وزير الطاقة وليد فياض.
وأشار ميقاتي إلى أن عنوان المرحلة هو عدم التصادم مع أحد، والمستقبل هو ما يرسم لنا خطواتنا، وإذا كان هناك من مصلحة لاجتماع وزاري سيعقد.
أما عن الوزراء الخمسة المقاطعين، فقال ميقاتي "يستطيعون أن يطلبوا إعفاءهم من مهامهم، فإما نعين مكانهم وإما يتصرف في وزاراتهم الوزراء بالوكالة".
لكن ميقاتي توقع أن "هؤلاء لن يفعلوا حيث لا مقاطعة ولا تعيين بديل، لاسيما أن اجتماعهم برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل جاء قبل أيام على نهاية العهد".
وفي يوليو الماضي، كلّف عون ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة، بعد حصوله على أصوات 54 نائبا (من أصل 128)، لكنه فشل في ذلك حتى اليوم في ظل الخلافات القائمة بين القوى السياسية اللبنانية.