هل يمكن لليبيا مضاعفة إنتاجها النفطي؟

إقناع شركات الطاقة العالمية بالاستثمار في القطاع مفتاح نجاح الخطة.
الجمعة 2023/03/31
المعاينة وحدها أحيانا لا تكفي!

عزز موقف محللي قطاع الطاقة القول السائد بأن ليبيا أمامها الكثير من التحديات للنهوض بصناعتها النفطية التي تضررت كثيرا بسبب الحرب، وذلك في ظل الخلافات القائمة أصلا حتى مع بروز بعض الجهود لجذب الاستثمارات الأجنبية التي لا تزال قليلة قياسا بما كانت عليه قبل الأزمة.

لندن - فقدت ليبيا الكثير من المكاسب من صناعة النفط بسبب فوضى الحرب، والتي كانت قبل الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي في 2011 قادرة على إنتاج حوالي 1.65 مليون برميل يوميا من الخام الخفيف عالي الجودة.

وشهد الإنتاج قبل الأزمة اتجاها تصاعديا، مرتفعا من حوالي 1.4 مليون برميل يوميا في العام 2000. وسجّلت البلاد حينها حوالي 48 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام المؤكدة، واعتُبرت الأكبر في أفريقيا.

وكان مستوى الإنتاج هذا أقل من الذروة التي تجاوزت 3 ملايين برميل يوميا، والتي شهدتها البلاد في أواخر ستينات القرن الماضي. وحاليا يصل الإنتاج إلى أكثر بقليل من مليون برميل رغم أن ليبيا معفاة من اتفاق تحالف أوبك+.

ووضعت المؤسسة الوطنية للنفط الحكومية خططا قبل 2011 لطرح تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط لزيادة الإنتاج في الحقول الناضجة، ولكن هذه الخطط تعطلت مع الحرب والانقسامات في جميع أنحاء البلاد والتي يبدو أنها عادت الآن.

وأعلنت المؤسسة عن إنشائها لمكتب البرامج الإستراتيجية. وقال رئيسها فرحات بن قدارة، في هذا الإطار “أعلنّا في ما سبق عن عملنا على إطلاق خطة رفع الإنتاج لمليوني برميل خلال ثلاث آو خمس سنوات، وهي إحدى أولوياتي الرئيسية خلال الفترة القادمة”.

سيمون واتكينز: لا يزال تهديد الظروف القاهرة في مراكز الإنتاج موجودا
سيمون واتكينز: لا يزال تهديد الظروف القاهرة في مراكز الإنتاج موجودا

وأضاف “كما أنشأنا مكتب البرامج الإستراتيجية لتكثيف الجهود وتحقيق ضمان تنفيذ هذه البرامج والمبادرات. واليوم ما هو إلا بداية للعديد من المبادرات المبتكرة القادمة”.

ويرى سيمون واتكينز، الذي يكتب لمنصة “أويل برايس” الأميركية، أن استثمار شركات النفط الدولية في البلاد سيكون مفتاح نجاح هذه الخطة.

وقال “كانت العديد من شركات النفط العالمية البارزة قبل الإطاحة بالقذافي في 2011 تعمل إما في ليبيا أو تخطط لذلك”.

وأشار إلى أن أعداد المهتمين بالبلد العضو في منظمة أوبك تضاءلت مع الحرب، ولا يركّز سوى عدد قليل من شركات النفط الدولية على الغاز الليبي.

وكانت إيني الإيطالية من هذه الشركات، التي تشمل توتال إنيرجيز الفرنسية وبريتيش بتروليوم وشل البريطانيتين. وتبقى الشركة الإيطالية في طليعة جهود أوروبا لتأمين إمدادات الطاقة البديلة للصادرات الروسية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من عام.

وتعهدت روما بالقضاء على الحاجة إلى الغاز الروسي بحلول 2025، وأعلنت عدة إجراءات جديدة قصيرة ومتوسطة الأجل لتعزيز تدفقات الغاز الطبيعي المسال والكميات المستوردة عبر خطوط الأنابيب من مصادر أخرى.

ووقعت الشركة الإيطالية العملاقة مؤخرا اتفاقية مع مؤسسة النفط الليبية لاستثمار 8 مليارات دولار، وإنتاج 850 مليون قدم مكعبة يوميا من حقلي غاز بحريين في المتوسط. وقال بن قدارة إن “الصفقة ستشمل تجديد اتفاقية أبرمت في الأصل سنة 2008”.

وتنتج إيني الغاز في ليبيا من حقلي الوفاء وبحر السلام، اللذين تديرهما شركة مليتة للنفط والغاز، وهو مشروع مشترك بين الشركة الإيطالية والمؤسسة الوطنية للنفط.

ويُنقل الغاز من الحقول إلى إيطاليا عبر خط أنابيب غرين ستريم، الذي يبلغ طوله 520 كيلومترا، وله قدرة على نقل 8 مليارات متر مكعب في العام عبر المتوسط حتى جيلا في صقلية.

وتوقفت تدفقات الغاز هذه في مطلع السنة الحالية بسبب أعمال الصيانة غير المجدولة في مجمع مليتة، وفقا لإيني. ولكنها عادت منذ ذلك الحين.

مسعى لتأمين إمدادات الغاز
مسعى لتأمين إمدادات الغاز 

وقد تسعى إيطاليا لذلك إلى تأمين استقرار إمدادات الغاز من ليبيا من خلال ضخّ المزيد من الاستثمارات من شركات النفط والغاز الرئيسية في البلاد.

وذكر بن قدارة قبل ذلك أنه يتوقع بدء برنامج منفصل للتنقيب البري والبحري خلال الأشهر المقبلة، تحت قيادة إيني وبريتيش بتروليوم وتوتال.

والتقى رئيس المؤسسة الوطنية للنفط السابق مصطفى صنع الله مع الرئيس التنفيذي لشركة توتال باتريك بويانيه في أبريل 2021.

ووافقت الشركة الفرنسية على مواصلة جهودها لزيادة الإنتاج من حقول النفط العملاقة في الواحة والشرارة والجرف بما لا يقل عن 175 ألف برميل يوميا.

كما وافقت على جعل تطوير حقول أخرى أولوية. وتتمتع الواحة التي حصلت فيها توتال آنذاك على حصة أقلية في 2019 بالقدرة على إنتاج ما لا يقل عن 350 ألف برميل في اليوم، وفقا لمؤسسة النفط الوطنية.

وقال صنع الله “نعول كثيرا على الخبرات والإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها شركة توتال الفرنسية كونها شريكا تاريخيا قويا للمؤسسة الوطنية للنفط”.

◙ المخاطر الأمنية والمالية لشركات النفط الدولية العاملة في ليبيا تبقى مرتفعة رغم تقديم المسؤولين ضمانات غير كافية

وتوقع أن تساهم الشراكة في إنجاز العديد من المشاريع التطويرية والهامة مثل شمال جالو، وأم.أن – 98 والتي تمثل أهم مراكز قطاع النفط، حيث سيصل الإنتاج من هذين الحقلين إلى ما يقارب 175 ألف برميل.

وأكد صنع الله أن مساهمة شركة توتال في عمليات الصيانة للمعدات السطحية وخطوط نقل النفط الخام المتهالكة، التي تحتاج إلى استبدال، ستكون مفيدة.

ومع ذلك تبقى المخاطر الأمنية والمالية لشركات النفط الدولية العاملة في ليبيا مرتفعة بشكل استثنائي، حتى رغم تقديم المسؤولين ضمانات تبدو في نظر الكثير من المحللين غير كافية.

ويرى واتكينز أن تهديد المزيد من الظروف القاهرة في مراكز النفط والغاز الرئيسية في البلاد لا يزال موجودا، إضافة إلى تأثيرات الجهاز الحكومي المفكك والحرب الأهلية المستمرة.

واستبعد المحلل أن يتغيّر الوضع في أي وقت قريب ويرجع ذلك إلى غموض اتفاق الثامن عشر من سبتمبر 2020 بشأن كيفية تقسيم الأموال من قطاع الغاز والنفط في ليبيا بين مختلف الفصائل السياسية المتحاربة.

وتقرر إبرام صفقة بين قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر وعناصر من حكومة الوفاق الوطني. وأوضح حفتر في الصفقة أن العمل على رفع الحصار النفطي المطبق آنذاك لن يستمر في غياب اتفاق على إطار محدد حول كيفية تقسيم عائدات النفط بين الفصائل.

ولم يحدث اتفاق على مثل هذا الإطار حتى الآن، وأدى هذا إلى سلسلة من الحصارات على مختلف الموانئ والمنشآت.

وطالت تلك العمليات ميناء البريقة الشرقي الذي تبلغ قدرته التصديرية نحو 60 ألف برميل من النفط يوميا، وميناء الزويتينة النفطي بشرق مدينة بنغازي، حيث تبلغ حوالي 90 ألف برميل يوميا.

مؤسسة في مهب المزايدات والمصالح
مؤسسة في مهب المزايدات والمصالح 

وتقرر قبل ذلك إغلاق حقل الشرارة في غرب البلاد والذي يمكنه ضخ حوالي 300 ألف برميل يوميا، وقبله حقل الفيل النفطي الذي ينتج 70 ألف برميل يوميا.

وأصدر رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في يوليو الماضي قرارا باستبدال مجلس إدارة مؤسسة النفط ورئيسها صنع الله، وتقرر تعيين فرحات بن قدارة، الذي كان محافظا للبنك المركزي قبل 2011، وهو صديق للدبيبة.

استنكر صنع الله، الذي نال دعم كل الهيئات التشريعية المعارضة في ليبيا، قرار الدبيبة وحذره من المساس بالمؤسسة الوطنية للنفط أو عائدات الطاقة والعقود التي تديرها.

وفي أعقاب ذلك عقد بن قدارة مؤتمرا صحافيا في مبنى المقر الرئيسي للمؤسسة وحصل على دعم شركتين رئيسيتين تابعتين للمؤسسة هما شركة الواحة للنفط، وشركة الخليج العربي للنفط، ولكن الواحة حذفت بعد ذلك رسالة الدعم التي نشرتها.

◙ 2 مليون برميل يوميا تطمح ليبيا إلى بلوغها في غضون ثلاث أو خمس سنوات من الآن

وجاء كل ذلك إثر المحاولة الفاشلة لرئيس الحكومة المعينة من البرلمان فتحي باشاغا للاستيلاء على السلطة في طرابلس، وحدث هذا وسط رفض مستمر للدبيبة الذي تعيّن عبر عملية بقيادة الأمم المتحدة في 2021 في انتظار إجراء الانتخابات التي تأجلت مرارا.

ويقول واتكينز إن حاجة الغرب إلى الحفاظ على تأمين إمدادات الطاقة البديلة بعيدا عن روسيا ستؤدي إلى ممارسة الضغط على المؤسسة الوطنية للنفط والفصائل السياسية المختلفة في ليبيا.

وبحسب رأيه، سيكون المفتاح هو المضي قدما في شروط اتفاقية سبتمبر 2020 الأصلية، التي وقعها حفتر ونائب رئيس المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق، والتي تضمنت تشكيل لجنة فنية مشتركة للتعامل مع أموال النفط.

وذكر البيان الرسمي عن دور اللجنة الفنية المقترحة أنها “ستشرف على عائدات النفط وتضمن التوزيع العادل للموارد وتراقب تنفيذ بنود الاتفاقية”.

ومع سيطرة حكومة الوفاق الوطني على المؤسسة الوطنية للنفط، وبالتالي على مصرف ليبيا المركزي حيث يُحتفظ بالعائدات، ستعدّ اللجنة أيضا “ميزانية موحدة تلبي احتياجات كل فرد وتسوي أي خلاف حول مخصصات الميزانية”.

وللقيام بذلك “سيتطلب من البنك المركزي في طرابلس تغطية المدفوعات الشهرية أو الفصلية المعتمدة في الموازنة دون أي تأخير، وبمجرد أن تطلب اللجنة الفنية المشتركة التحويل”.

غراف

 

10