هل يمكن إنقاذ الصحف السعودية

الرياض - أعلن وزير الإعلام السعودي بالوكالة ماجد القصبي إطلاق خمس مبادرات وزارية جديدة أمام الجمهور الذي ضم مسؤولين رفيعي المستوى وأكاديميين وبالطبع عددا كبيرا من الصحافيين، وذلك في حدث حافل بالنجوم بمناسبة مرور 100 عام على إنشاء صحيفة “أم القرى” الرسمية.
وتضمنت المبادرات إنشاء مركز الأرشيف الوطني للإعلام السعودي وإنشاء متحف الإعلام السعودي، وعقد منتدى أم القرى للإعلام كل عامين، وإطلاق “ميدياثون” (Mediathon)، بالشراكة مع شركة الاتصالات الوطنية STC التي تهدف إلى ابتكار إعلام مستقبلي مبدع. وأخيرًا إطلاق المرحلة الثانية من برنامج دعم وتمكين مؤسسات الصحف السعودية في توجهها نحو التحول الرقمي.
وكان الإعلان عن برنامج لدعم الصحف في المملكة العربية السعودية هو أبرز ما في الأمسية بالنسبة إلى العديد من الصحافيين الذين حضروا، حيث انقسمت ردود الأفعال بين أولئك الذين أعربوا عن ارتياحهم لخطة انتظروا سنوات موعد سماعها، وآخرين متشككين يقولون عنها إنها ستكون محاولة فاشلة أخرى في مهمة حاول تأديتها كل وزير إعلام تقريبًا في السنوات الأخيرة.
ويذكر أن القصبي يشغل منصبه منذ عام 2020، وهو كذلك وزير التجارة في المملكة. وكان أول تصريح أدلى به لزملائه في الوزارة عند توليه المنصب “أداؤكم لم يكن مرضيًا”. وبعد بضعة أشهر رتب للقاء محرري الصحف المحلية للاستماع إلى مشاكلهم المالية ووعد بالنظر في إمكانية وضع خطة إنقاذ.
ويشتهر القصبي بأنه بيروقراطي محنك وموثوق ومؤثر في الديوان الملكي، إلى درجة أن العديد من صغار الموظفين يشيرون إليه بـ”وزير الوزراء”. وبصرف النظر عن توليه حقيبتي التجارة والإعلام، فهو يترأس أيضًا العديد من اللجان ويتولى العشرات من المهام المهمة المتعلقة بالحكومة.
وكان موضوع إنقاذ الصحف موضوعًا مثيرًا للجدل في المملكة منذ انهيار أسعار النفط في عام 2015 والذي كان له تأثير سلبي على الإعلانات والاشتراكات الحكومية والشركات.
وتلقّت المصادر الرئيسية لإيرادات الصحف اليومية المحلية ضربات، وبالتالي عجلت تراجعها تماشيًا مع الاتجاه العالمي في ذلك الوقت، حيث كانت الصحف تغلق أبوابها يوميًا في كل بلد بسبب تأثير الثورة الرقمية.
ومنذ ذلك الحين حاول كل وزير إعلام تم تعيينه تقديم مبادرات لإنقاذ الصناعة، لكن لم تنجح أي منها واضطرت الكثير من الصحف في المملكة إما إلى تسريح الموظفين أو تأخير الرواتب أو تخفيضها أو التوقف عن الطباعة تمامًا.
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أشار إلى أنه يود من وسائل الإعلام في المملكة أن تتحدى الحكومة أكثر، لأن ذلك صحي
وعلى عكس ما قد يعتقده الكثيرون -باستثناء صحيفة “أم القرى” المملوكة للحكومة- فإن جميع الصحف الأخرى في المملكة هي شركات مملوكة للقطاع الخاص ولا تتلقى مساعدات مالية من الحكومة.
يعني هذا -كما ورد في عمود مثير للجدل في أكتوبر 2021 من قبل رئيس تحرير صحيفة “الجزيرة” التي تصدر في الرياض خالد المالك- أن السعودية تخاطر برؤية “يومً في المستقبل القريب حيث لن تكون لها صحافة ولا مؤسسات صحافية”. وانتقد المالك، وهو أيضا رئيس مجلس إدارة جمعية الصحافيين السعوديين، التردد في العثور على ما وصفه بـ”خارطة طريق لإنقاذ الصحف السعودية”. وكتب أن “الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان لن يقبلا أبدًا بموت صحافتنا…”.
وقد رفض عبدالعزيز خوجة، وزير الإعلام والدبلوماسي السابق، المطالب المتكررة الموجهة إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز من قبل رؤساء تحرير الصحف البارزين والتي تنشد تقديم خطة إنقاذ حكومية، وطلب من الصحافيين “التوقف عن التسول” في مقابلة تلفزيونية أثارت جدلا واسعا.
وتمثل آراء خوجة فصيلًا آخر من مستشاري الحكومة الذين يعتقدون أنه نظرًا إلى أن غالبية الصحف هي شركات مملوكة للقطاع الخاص فيجب تطبيق قواعد السوق الحرة، وإذا لم يتمكنوا من تحقيق ربح فعليهم ببساطة الخروج من السوق. وتدعم هذه الآراء حقيقة أنه لولا سوء إدارة الشركات الإعلامية السعودية على مدى السنوات الماضية، لكانت الصحف اليوم في وضع أفضل وأكثر مرونة.
وفي صناعة الصحف السعودية يشير مصطلح “الإدارة” عادة إلى المديرين التنفيذيين أو المديرين العامين الذين يتخذون القرارات المالية والتجارية والإدارية، بينما يقتصر دور المحررين على اتخاذ القرارات التحريرية ويكونون مسؤولين عن الوصول إلى الجماهير والتأثير في الرأي العام.
ووفقًا لرئيس تحرير جريدة “مكة” موفق النويصر، فإن المشكلة الشائعة هي أن الرؤساء التنفيذيين غالبًا ما يأتون دون خبرة إعلامية أو أي فهم لمتطلبات الصحافة. وكتب في عمود حول هذا الأمر في فبراير الماضي “جدران المؤسسات الصحافية منخفضة، لذا يمكن لأي شخص أن يتسلقها ويرمي القمامة في الفناء الخلفي للصحف”.
وحاول النويصر شرح جزء من أسباب تحول المؤسسات الصحافية في السعودية من جني الأرباح إلى الإفلاس في العقد الماضي. وأوضح أن الصحف عاشت ذروتها في العقود الثلاثة التي سبقت عام 2012 بسبب “الحجم الكبير للكعكة الإعلانية التي جلبت أرباحًا سنوية من سبعة أو ثمانية أرقام”.
وألقي باللوم على إدارة الشركات في اتخاذ قرارات خاطئة وإهدار الإنفاق على كل شيء بخلاف المحتوى، فيما وصفه بـ”استثمارات تجميلية” مثل الطباعة الملونة والورق المصقول.
ويشارك العديد من زملاء النويصر وجهات نظره الساخرة حول إدارة الصحف السعودية.
في صناعة الصحف السعودية يشير مصطلح "الإدارة" إلى المديرين العامين، بينما يقتصر دور المحررين على اتخاذ القرارات التحريرية ويكونون مسؤولين عن الوصول إلى الجماهير
وتعمل مثل هذه الحجج على تمكين الأطراف المترددة في الحكومة من التدخل وإنقاذ صناعة الصحف، خوفًا من أنه مع وجود مثل هذه الإدارات على رأس الشركات الإعلامية -بغض النظر عن كيفية ضخ الأموال- فإن العائد على الاستثمار سيكون ببساطة حلولا إصلاح فورية وستعود المشكلة إلى الظهور في غضون بضع سنوات.
وبالنسبة إلى النويصر المشكلة أكثر تعقيدًا بكثير؛ إذ لا يعتقد أن هناك عددًا كافيًا من الأشخاص -سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص- الذين يعرفون ما الذي يتحدثون عنه، أو حتى ما يعنيه “التحول الرقمي” لصناعة الصحف، في حين أن جميع الصحف السعودية تقريبًا لديها بالفعل مواقع الويب وحسابات الوسائط الاجتماعية وبودكاست.
وظهر مصطلح “التحول الرقمي” قبل 10 سنوات، لكن لم ينتبه إليه أحد. ومع ذلك عندما جاء مرة أخرى مع الإصلاحات التي تمر بها السعودية أصبح مطلبًا عامًا ورسميًا، وأشار النويصر إلى أن القليل في المشهد الإعلامي الحالي يفهم بالفعل ما يعنيه ذلك. وقال النويصر لـصحيفة ”عرب نيوز” السعودية الناطقة بالإنجليزية “أتمنى لو كان هناك المزيد من التوضيح”، مضيفًا أنه من اللافت للنظر أنه بصفته رئيس تحرير صحيفة لا يعرف شيئًا عن تفاصيل هذا البرنامج. وتابع “على سبيل المثال، تشير المبادرة إلى المرحلة الثانية، وهنا لا يسعني إلا أن أسأل: ما هي مخرجات المرحلة الأولى التي اكتملت والتي أدت بنا إلى الانتقال إلى المرحلة الثانية؟”.
يذكر أنه في مقابلة حديثة مع مجلة “ذا أتلانتيك” أشار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى أنه يود من وسائل الإعلام في المملكة أن تتحدى الحكومة أكثر. وقال للمجلة الأميركية “أعتقد أن وسائل الإعلام السعودية يجب أن تنتقد عمل الحكومة وخططها، لأن ذلك صحي”.
ومع ذلك، يبدو أن إحياء الصحافة في المملكة يتطلب جرعة معززة كبيرة.
وفي التاسع عشر من مارس كتبت النويصر عمودًا آخر بعنوان “هل تثق وزارتنا بوسائل الإعلام لدينا بقدر ثقة ولي العهد؟” وأوضح كيف أن معظم الجهات الحكومية “لا تقدّر دور الإعلام إلا عندما يثني عليها مجانًا”. وأضاف “مع ذلك، عندما يقوم الصحافيون بعملهم ويكونون ناقدين، ينتهي الأمر بهذه الكيانات الحكومية بحرمانهم من نصيبهم من الإعلانات، وتقييد سلطتهم بالدعاوى القضائية، وعدم الرد على الاستفسارات وإحالتهم إلى مركز الاتصالات الحكومية”.
في غضون ذلك قال صحافيون إنه من الجيد أن جزءًا من مبادرة الوزارة كان بناء متحف، “لأنه إذا لم تنجح هذه المبادرة الوزارية للتحول الرقمي، فهذا هو المكان الذي ستذهب إليه جميع العلامات التجارية للصحف السعودية”.