هل يكون باشاغا شخصية المرحلة القادمة في ليبيا

طرابلس – عاد وزير الداخلية الليبي السابق والمترشح للرئاسة فتحي باشاغا إلى واجهة الأحداث السياسية في البلاد في ظل مؤشرات على استحالة إجراء الانتخابات في موعدها ووسط أنباء عن الاستعداد لتشكيل سلطة جديدة من غير المستبعد أن يرأسها باشاغا.
وبعد لقاء أجرته معه مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز زار فتحي باشاغا، بالإضافة إلى نائب المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق، لأول مرة مند بدء الانقسامات في ليبيا مدينة بنغازي، حيث التقى عددا من المترشحين للرئاسة من المنطقة الشرقية في مقدمتهم القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر وسفير ليبيا السابق في الإمارات عارف النايض وعضو المؤتمر الوطني السابق الشريف الوافي.
وقال باشاغا إن اللقاء انتهى بالتأكيد على ثلاث نقاط بهدف “التعامل مع التحديات التي تمر بها بلادنا الحبيبة”، لافتا إلى أن الاجتماع جاء “بدعوة كريمة من المترشح الرئاسي خليفة حفتر”. وأوضح أن الاجتماع يأتي “توحيدا للجهود الوطنية للتعامل مع التحديات والمعطيات التي تمر بها بلادنا الحبيبة، واحتراما لإرادة 2.5 مليون ليبي من الناخبين الذين ينتظرون الموعد المقرر للانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.
ولفت إلى أن الاجتماع انتهى إلى التأكيد على أن “المصلحة الوطنية الجامعة فوق كل اعتبار، وكذلك فإن المصالحة الوطنية خيار وطني جامع لا تراجع عنه”، مؤكدا “استمرار التنسيق والتواصل وتوسيع إطار هذه المبادرة الوطنية لجمع الكلمة ولم الشمل واحترام إرادة الليبيين”.
ولئن أكد باشاغا على احترام إرادة الليبيين بإجراء الانتخابات فإن هذه الزيارة عززت ما يروج من أنباء منذ فترة بشأن الإعداد للإعلان عن مرحلة انتقالية سادسة في ليبيا يكون فيها حفتر رئيسا للمجلس الرئاسي في حين يتولى باشاغا قيادة الحكومة.
وكان باشاغا من أكثر الأطراف السياسية التي حرصت على إجراء الانتخابات في موعدها، أي في الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري، لكنه انتبه مؤخرا إلى أن إجراءها بات أمرا مستحيلا لذلك دعا في بيان منذ فترة إلى ضرورة العمل على تجنب حدوث أي فراغ سياسي بعد الرابع والعشرين من ديسمبر تاريخ انتهاء ولاية حكومة عبدالحميد الدبيبة.
وألمح السفير الأميركي ريتشارد نورلاند الإثنين خلال لقائه بالدبيبة إلى توجه نحو تشكيل سلطة جديدة، حيث أكد أن على المترشح للانتخابات أن يخوض حملته بعيدا عن منصبه. واعتبر مراقبون أن هذا التصريح يعكس وجود فيتو أميركي على الدبيبة الذي يبدو أنه فشل في كسب ثقة الغرب بسبب علاقته القوية بتركيا وروسيا.
سواء أجريت الانتخابات أو تأجلت فإن هناك شبه إجماع على أن باشاغا وضع نفسه كخيار الضرورة في المرحلة القادمة
وشهدت المنطقة الغربية -بما في ذلك العاصمة طرابلس- تحشيدا عسكريا أثار مخاوف داخلية وأممية؛ حيث لم يستبعد مراقبون أن يلجأ الدبيبة إلى الخيار العسكري ورفض تسليم السلطة إلى حكومة جديدة، خاصة وأن مسؤولين من حكومته كانوا قد أكدوا أنهم لن يسلموا السلطة إلا إلى حكومة منتخبة.
ويحظى باشاغا الذي سطع نجمه خلال السنوات الماضية، وخطف الأضواء من رئيس الحكومة السابق فايز السراج، بعلاقات وطيدة مع جهات أميركية نافذة. ويقول مراقبون إن ثقة الأميركيين فيه نابعة من البراغماتية التي يتحلى بها مقارنة بغيره من السياسيين في ليبيا -بمن في ذلك الدبيبة- الذين يصرون على إطالة عمر الانقسامات، وهو ما ترفضه واشنطن.
ولاحظ هؤلاء المراقبون أن باشاغا خرج من دائرة الجدل خلال الفترة الماضية وأصبح شخصية سياسية تحظى باتصالات واسعة ومهمة مع كل الأطراف السياسية في ليبيا؛ فبالإضافة إلى انفتاحه على حفتر لم يتخلّ عن عقيلة صالح رئيس مجلس النواب بعد خسارة قائمتهم المشتركة في جنيف، بل استمر في التنسيق معه لإصدار القوانين الانتخابية التي حظيت بدعم المجتمع الدولي.
وترشح باشاغا في قائمة مع عقيلة صالح خلال المحادثات التي جرت في جنيف لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن القائمة سقطت وهو ما أثار استغراب المتابعين حيث رجح كثيرون فوزها لأنها مدعومة من عدة أطراف داخليا وخارجيا في حين ربط البعض فشلها بما دار من أنباء عن الرشاوى التي اتهم رجل الأعمال الملياردير علي الدبيبة بتقديمها إلى أعضاء ملتقى الحوار.
وتحرك باشاغا سريعًا في الخارج ووضع نفسه في صوره قائد المعارضة لحكومة الدبيبة التي نجحت نسبيا في عملها داخل ليبيا ولكنها فشلت في كسب الرهان الدولي؛ إذ لاحظ الجميع أن الدبيبة هو رئيس الحكومة الليبي الوحيد الذي لم يتمكن بعد 2011 من لقاء الرئيس الأميركي أو مستشار الأمن القومي ولم يتمكن من كسب ود الفرنسيين والألمان الذين دعموا مؤتمر برلين 2 بُغية التعبئة للانتخابات.

ونجح باشاغا في كسب ود المصريين والاقتراب من كل الدول الإقليمية بما في ذلك استعادة ثقة تركيا التي زارها مؤخرا للقاء وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو بعد أن فهم الأتراك أنه من الشخصيات التي تحولت إلى رقم صعب في المعادلة السياسية الليبية.
ويقول مراقبون إن باشاغا سيستفيد كثيرا من ابتعاد الدبيبة عن السلطة إذا جرت الانتخابات خلال الفترة القادمة؛ فقد كان يستغل منصبه في استمالة الليبيين إذ قدم منحا للمقبلين على الزواج بالإضافة إلى الترفيع في رواتب العاملين في بعض القطاعات، كما استفاد من التحالف مع محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير الذي التزم بصرف رواتب الموظفين في موعدها.
وبحسب الكثير من الليبيين أصبح باشاغا الآن المرشح الأول للمنطقة الغربية بعد أن بدأت شعبية الدبيبة تتآكل بسبب ما يروج عن تزويره لشهادته العلمية، بالإضافة إلى قضية تأخر وصول الكتاب المدرسي وانقطاع التيار الكهربائي من جديد، مما يفسح أمام باشاغا مجددا مجال كسْب ثقة بعض مرشحي المنطقة الغربية لكي يلتفوا حوله، موظفا في ذلك خبرته، وهو ما يمنحه فرصة أخرى بما في ذلك سعيه الدؤوب للتواصل مع أنصار النظام السابق والقيادة العامة للجيش.
ويرى هؤلاء أنه سواء أجريت الانتخابات أو تأجلت فإن هناك شبه إجماع عَلى أن باشاغا وضع نفسه كخيار الضرورة في المرحلة القادمة من تاريخ ليبيا بما تضمه من شخصيات سياسية أساسية.