هل يكون الشعر وسيلة للسلام في زمن الحروب

يمتاز الشعر عن بقية الفنون الأخرى بأنه مشحون عاطفيا، وفي جانب منه انفعالي مرتبط بما يحدث للبشر ووسيلة تعبير عميقة عن دواخلهم، ولذا نجد من يحب يكتب شعرا ومن يعاني أو يتألم يعبّر شعرا، ومن يواجه أي حدث في الواقع مثل الحرب أو الكوارث يكتب شعرا، وهنا تبرز مكانة الشعر وكأنه قلعة الإنسان الأولى التي يحتمي بها من كل طارئ. فهل يمكن للشعر أن يساهم في تحقيق حياة أفضل في زمن الحروب؟
الخرطوم- الفن مجموعة متنوعة من الأنشطة البشرية تنتج عنها أعمال مختلفة. وهو تعبير إبداعي للأفكار والمشاعر والتجارب. وقد أدرج حق الاستمتاع بالفن والمشاركة فيه ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة في العام 1948.
للآداب والفنون دورها على مر العصور في التوثيق للحياة على اختلاف أوجهها. وللفن أنواع مختلفة من أبرزها فن الشعر. وهو يعتبر من أنواع الأدب المعبرة، التي تعمل على نشر ما يسكن صاحبها من عواطف وإيصال أفكاره ومشاعره بصورة جاذبة. وللفنون والآداب دورها في توثيق ما يحدث في الواقع.
قصائد الحروب
من أنواع الشعر الأشعار التي تتأثر بحالات الحروب في المجتمعات التي تعيشها، وتختلف في محتواها ما بين رثاء من يموتون في الحرب وتصوير بطولات المحاربين وتصوير ما يدور في المعارك وتمجيد القادة، وبعضها يسعى للتحريض على القتال والبعض الآخر يدعو إلى السلام.
وعرفت أشعار الحروب منذ القدم ومنها قصيدة عنترة ابن شداد: “هلا سألت الخيل يا ابنة مالك/ إن كنت جاهلة بما لم تعلمي/ يخبرك من شهد الوقيعة أنني/ أغشى الوغى وأعف عند المغنم/ ولقد ذكرتك والرماح نواهل/ مني وبيض الهند تقطر من دمي/ فوددت تقبيل السيوف لأنها/ لمعت كبارق ثغرك المتبسم/ ومدجج كره الكماة نزاله/ لا ممعنا هربا ولا مستسلم/ جادت له كفي بعاجل طعنة /بمثقف صدق الكعوب مقوم/ فشككت بالرمح الأصم ثيابه/ ليس الكريم على القنا بمحرم”.
ولعل قصيدة عنترة التي تناقلتها الألسن والمصادر لقرون باتت من أيقونات أشعار الحرب، وإن كانت تحمل قيما ومثلا قديمة في تصور الصراعات.
والسودان بتنوعه العرقي والقبلي وبتنوع ثقافاته يتميز بتنوع الفنون ويزخر بأنواع مختلفة من الأشعار التي ترتبط بالحياة وأحداثها كتبت بلغات مختلفة بعضها بالعامية السودانية وبعضها الآخر بالعربية الفصحى.
كما عرف السودان منذ القدم أشعار الحماس والحث على الشجاعة وتصوير المواقف البطولية، ومن ذلك الصورة التي عكستها في شعرها رقية شقيقة البطل عبدالقادر محمد إمام إدريس الملقب بـ”ود حبوبة”، التي صورت لحظة إعدامه في العام 1908 ومواجهته الموقف بصمود وشجاعة.
تشاء الأقدار وتقلبات الزمن أن يعيش السودان في الفترة الراهنة حالة حرب استمرت لفترة ليست بالقصيرة، كان لها تأثيرها في الفنون المختلفة ومنها الشعر، وظهرت العديد من القصائد في وصف الحال ومن ذلك “بيوت الحلة تصدح بالنشيد والشفع أيام الحصاد لبسوا الملون والجديد/ والناس خفاف مارقين لطاف زي كل عيد/ والناس أهل نايمين وصاحين بالأمل حتى الشقي الفقران سعيد”.
مارس الشعر دوره الريادي في تحقيق السلام وهو ما نقرؤه مثلا في أشعار ما بعد الحرب العالمية الثانية التي سعت إلى نبذ العنف والعودة إلى الجذور المشتركة لبناء إنسان يتجاوز أهوال ما حدث. وهذا الدور للشعر قديم أيضا في الشعرية العربية. إذ كثيرا ما تجسد دور الشعر العربي الأساسي في إحياء قيم السلام، وهو دور معروف منذ الجاهلية، ولعلَّ أشهر الأمثلة في الجاهلية هو معلقة زهير بن أبي سلمى عن حرب نتجت عن رهان سباق بين داحس فرس قيس بن زهير من قبيلة عبس، والغبراء فرس حمل بن بدر الفزاري (أو أخيه حذيفة) من قبيلة ذبيان. حيث كانت القصيدة دعوة للسلام.
الشعر والسلام
فيما يشهده بلد مثل السودان اليوم هناك محاولات شعرية عديدة بغض النظر عن قيمتها الفنية فهي تحمل لواء السلام وتسعى إلى ردع الصدوع العميقة في المجتمع السوداني المنقسم، وبالتالي تجاوز حالة الصراع ودعوة لإعلاء راية الوطن الواحد.
وظهرت العديد من القصائد في وصف الحال في السودان، ومنها ما كتب عباس الصهيبي والذي قال في قصيدة السودان “كفىٰ للعروبة أحزانها/ دمار يعانيه سودانها/ بلاد النخيل وأرض النماء بـ’نيلين’ تفخر شطآنها/ ومهد الحضارة مجد الكرامة. أخلاقها الشم عنوانها/ وأبناؤها السمر بيض القلوب شهامتهم أين أقرانها/ فماذا جرىٰ كي يشيع الدمار وللفتن الشؤم أعوانها؟”.
◄ من أنواع الشعر الأشعار التي تتأثر بحالات الحروب في المجتمعات التي تعيشها وتختلف بين السلبي والإيجابي
وقال الشاعر عمر بشير أبوعاقلة في قصيدته “أبكيك يا وطني السودان”: يا نیل ماذا جرى ما لي أرى حمما من فوقها حمم تستنزف النعما/ لم القتال لم الإقصاء والعبث والرعب يطرق أبوابا وقد عظما/ والموت في كل شبر يملأ الطرق والناس في هلع والخد قد لطما.
وكثيرا ما نادى الشعراء على مر العصور وفي المجتمعات المختلفة بالسلام ومن ذلك قصيدة حمامة السلام للشاعر عبدالعزيز بشارات حمامة السلام التي جاء فيها “قامت تنادي للسلام حمامة لبياضها تتألق الأنوار حملت بمنقار الجمال جمالها/ وردا تتوه بحبه الأبصار/ نادت سلام الله بالصوت الندي../ فكتبت نبض الشعر حين يثار/ يا أيها الشعب الأبي تحيتي/ وسلام ربي عزة وفخار./ هتفت بحب بلادنا فرحانة/ رقصت لها الأوطان والأشجار/ بالحب نحيا والسلامة نرتقي لا بالرصاص تشوبه الأكدار”.