هل يكفي القطع مع التقشف لتطوير الإعلام الرسمي الأردني

تركز السلطات الأردنية خلال هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى على قطاع الإعلام، محاولة بشتى السبل صناعة إعلام قوي قادر على التأثير في الرأي العام. وفي هذا السياق أوصت اللجنة المالية في مجلس النواب خلال مناقشة موازنات مؤسسات الإعلام الرسمية بدعم مؤسسات الإعلام الوطني الأردني “لتعزيز الرسالة الإعلامية التي تحمل رسالة الدولة”.
عمان – قال رئيس اللجنة المالية المهندس محمد السعودي، خلال مناقشة موازنة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية ووكالة الأنباء الأردنية (بترا) وقناة المملكة وهيئة الإعلام، إن الإعلام يعد سلطة رابعة تسهم في حمل الرسالة الإعلامية للدولة الأردنية، مؤكدا ضرورة دعم المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها.
وتمتلك الحكومة الأردنية، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، معظم وسائل الإعلام داخل حدودها. وأُنشئت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية باعتبارها جهةً عامة، لكنها في الواقع ليست أكثر من لسان حال الحكومة. وتُموَّل من خلال رسوم ترخيص تجمع ديناراً واحداً من فاتورة الكهرباء الشهرية لكلِّ أسرة، ويُعيَّن مجلس إدارتها ومديرها من قِبَلِ الحكومة التي يعيِّنها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ونادراً ما تنحرف هذه المؤسسة عن الخط الرسمي.
وقال رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون غيث الطراونة إن “المؤسسة هي صوت وصورة الأردن، إذ أنها مطالبة بصناعة رسالة الدولة الأردنية، حيث أنها بحاجة إلى دعم موازنة أكبر لإيصال الرسالة إلى العالم بالطريقة المثلى، إذ أن 24 مليونا و838 ألف دينار هي موازنة المؤسسة لعام 2022 تعتبر قليلة”. وبين أن “المؤسسة بحاجة إلى تطوير وتحديث في التكنولوجيا والتقنيات المتغيرة، مطالبا بدعم المؤسسة بالنفقات الرأسمالية، لتقديم محتوى مميز يراعي مبادئ وقيم وأخلاق المجتمع الأردني، ولترتقي بمستوى الوعي، وهي مسؤولية وطنية للمؤسسة التي تقدم جميع الخدمات الإذاعية والتلفزيونية”.
10 ملايين أردني يعتمدون على وسائل الإعلام الدولية لمعرفة ما يحدث في بلدهم
من جهته طالب مدير عام الإذاعة والتلفزيون محمد بلقر بـ”دعم موازنة المؤسسة لتحديث وصيانة مباني التلفزيون والأستوديوهات، وتحديث أنظمة البث، وتطوير وتحديث أجهزة وبرامج التلفزيون، ونظام الغرافيك عبر الشاشة، وتعزيز محطات الإرسال”، مؤكدا أهمية ملف تدريب العاملين في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
وقال مدير عام وكالة الأنباء الأردنية (بترا) فايق الحجازين إن “موازنة الوكالة متواضعة في ضوء دورها الوطني بإنتاج المحتوى الصحافي المكتوب”، مبينا أن الوكالة أنتجت 57 ألف مادة إعلامية من مختلف الأنواع الصحافية خلال العام الماضي.
وطالب الحجازين بدعم موازنة وكالة الأنباء الأردنية، وذلك لشراء أجهزة وتقنيات التصوير وحماية الأنظمة السيبرانية لتعزيز الأمن الإلكتروني من أجل صون موقع وكالة الأنباء، وأيضا تطوير غرفة الأخبار لتعزيز التواصل بين الصحافيين في هذه الغرفة، مبينا أن هناك تعاونا مع المكتبة الوطنية لتوثيق أرشيف وكالة الأنباء الأردنية.
من جانبها قالت دانا الصياغ -مدير عام قناة “المملكة”- إن “موازنة القناة تأتي على شكل دعم من موازنة المالية، وموازنتها تقدر بـ11.7 مليون دينار”، مبينة أنه بسبب شح الموارد وجائحة كورونا تم تقليص مخصصات القناة.
وأُنشِئت قناة “المملكة”، بموجب مرسومٍ ملكي في عام 2015، بهدفٍ جريء هو التنافس مع عمالقة التلفزيون الناطقين بالعربية، مثل شبكتي “الجزيرة” و”العربية”. ويُموَّل هذا التلفزيون مباشرةً من خزائن الحكومة، وتعيِّن الحكومة مجلس إدارته ومديره التنفيذي. ومنذ تأسيسه حاول الابتعاد عن الخط الحكومي، وقُلِّصَت ميزانيته السنوية البالغة 20 مليون دينار إلى 9 ملايين دولار، دون إبداء الكثير من التوضيح.
ويؤكد مراقبون للشأن الإعلامي الأردني ضعف قدرة الإعلام الرسمي على التأثير في الرأي العام الأردني، ويقولون إن “التقصير الحكومي سبب رئيسي في ضعف الإعلام؛ فالحكومة تبخل بالتمويل بما لا يمكّن هذا الإعلام من أن يؤدي الدور المنوط به، لاسيما في ظل ما يجري داخل الأردن، وما يحيط به من أحداث خطيرة”، إذ أهملت الحكومة الإعلام الرسمي إلى درجة عدم الاكتراث، في حين أن الظروف الصعبة التي يمر بها الأردن تحتاج إعلاماً يقود ويوجه، وإليه يتوجه الناس.
وأشار وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول إلى أن الموازنات التي ترصد لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الأردنية تعتبر “تقشفية”، وأن هذه المؤسسات تعاني بسبب الموازنات المتواضعة.
في المقابل يعتبر إعلاميون أن “المطلوب هو تحرير الإعلام الرسمي من العقلية السياسية التي تتحكم فيه”.
التقصير الحكومي سبب رئيسي في ضعف الإعلام؛ فالحكومة تبخل بالتمويل بما لا يمكّن هذا الإعلام من أن يؤدي الدور المنوط به
ووفقاً لمؤشِّر حرية الصحافة العالمي لعام 2021، الذي أعدَّته منظمة “مراسلون بلا حدود”، يحتلُّ الأردن المرتبة 129 في حرية الصحافة من بين 180 دولة. وهذه المرتبة المتدنية هي إلى حدٍّ كبير نتيجة لقوانين وممارسات وسائل الإعلام التقييدية في البلاد. ولعلَّ الأكثر ضرراً هو القوانين المتعلِّقة بملكية وسائل الإعلام، والتي منحت الحكومة دوراً مباشراً في عمليات معظم الشركات الإعلامية، وتسببت في بروز ظاهرة الرقابة الذاتية بين الصحافيين. وفي بعض الأحيان يُترَك 10 ملايين شخص يعيشون في الأردن معتمدين على وسائل الإعلام الدولية لمعرفة ما يحدث في بلدهم.
وبالإضافة إلى اللوائح المتعلِّقة بملكية وسائل الإعلام فإن القوانين الأخرى في البلاد تضعف -بشكلٍ مباشر أو غير مباشر- عمل الصحافيين.
وينظم قانون المطبوعات والنشر الصادر عام 1998 إصدار المطبوعات والكتب، ويسرد العديد من الاستثناءات لحرية التعبير المنصوص عليها في الدستور الأردني.
وصدر قانون الإعلام المرئي والمسموع عام 2003 لينظِّم تراخيص محطات الإذاعة والتلفزيون. وينصُّ على وجوب أن تُدار هيئة الإعلام الأردنية من قِبَلِ شخصٍ تعيِّنه الحكومة، وعلى أن اللجنة لها الحق في إغلاق البث إذا انتهك أحد المحظورات العديدة المفروضة على المحتوى والمُحدَّدة بشكلٍ غامض. وعلاوة على ذلك يخنق قانون العقوبات الأردني وقانون مكافحة الإرهاب وقانون السب والقذف وقانون الذات الملكية -من بين أمورٍ أخرى- الصحافة الحرة.
ورغم ذلك يصر رئيس لجنة التوجيه الوطني والإعلام والثقافة النيابية يسار الخصاونة على الإشادة بالدور الذي يؤديه الإعلام الرسمي بكل مؤسساته في إيصال وجهة النظر الأردنية تجاه القضايا المصيرية.
ودعا الخصاونة إلى تحسين رواتب العاملين في مؤسسات الإعلام الرسمي، مقترحا تأسيس “المنتدى الأردني للقضايا المعاصرة”، تكون مهمته رفد الإعلام الأردني بالمحتوى النوعي لجميع القضايا العربية، خصوصا المصيرية منها. وأكد أن هذه المؤسسات يجب ألا ننظر إليها باعتبارها الناطق الرسمي باسم الحكومة فقط، وإنما لها دور كبير ومهم لنقل الرأي والرأي الآخر. وأوضح أن من يمتلك المهنية العالية قادر على إيجاد القوالب الإعلامية لنقل الواقع بكل موضوعية ومهنية وشفافية ومصداقية، فضلا عن تسليط الضوء على جميع وجهات النظر.