هل يقوّض فيتو فرنسي – أميركي انقلابا عسكريا في مالي

تصاعدت وتيرة الاضطرابات في مالي لتمتد إلى المؤسسة العسكرية التي قاد بعض جنودها تحرّكا خارج الثكنات لقي تنديدا إقليميا ودوليا، ما قد يؤثر على أهدافه غير المعلنة. ويرى متابعون أنه لا يمكن فصل التحرك العسكري عن موجة الاحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا.
باماكو – دخلت مالي الثلاثاء في مرحلة من عدم اليقين بعد أن تحدثت تقارير إخبارية عن وجود محاولة لانقلاب عسكري في البلاد، بينما وصفت أخرى ما جرى بتمرّد مجهول الأسباب لبعض العسكريين، في وقت تعيش فيه البلاد أسوأ أزمة سياسية منذ 2012 .
وعلى الرغم من تضارب المعلومات، إلى حد كتابة هذه الأسطر، فقد أخذت الولايات المتحدة كما فرنسا الداعمة بقوة للرئيس المالي، ما يروّج بشأن انقلاب عسكري على محمل الجدّ وسارعتا إلى التحذير من مغبة هذه الخطوة، في موقف أشبه بالفيتو ضد أي نوايا من هذا القبيل قد تكون صيغت من خلفهما.
ويقول مراقبون إن أي انقلاب عسكري في دول القارة الأفريقية لم يناقش مسبقا مع القوى الاستعمارية السابقة التي لا تزال تحظى بنفوذ تنموي وحتى سياسي، لا يمكنه أن ينجح.
ويدعّم هؤلاء حجتهم بالانقلاب العسكري على الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله في 2008، والذي تردّد حينها أن فرنسا كانت على علم مسبق به وشاركت في التخطيط له.
ويفكر الانقلابيون العسكريون في أفريقيا عادة في حجم الدعم الدولي لتحركاتهم بدرجة أولى قبل المرور إلى التنفيذ واختيار اللحظة المناسبة لذلك، وهو ما لم يتوفر لحد الآن للعسكريين المتمردين في مدينة كاتي على بعد 15 كيلومترا من العاصمة باماكو، حيث ترفض فرنسا وواشنطن أي تغيير سياسي في البلاد خارج الأطر القانونية.
وعبّرت الولايات المتحدة عن معارضتها لأي تغيير للحكومة في مالي خارج الإطار الشرعي، حتى من قبل الجيش، فيما سيطر جنود على معسكر مهمّ بالقرب من باماكو.
وقال المبعوث الأميركي لمنطقة الساحل بيتر بام عبر تويتر “نتابع بقلق تطور الوضع اليوم في مالي، إن الولايات المتحدة تعارض أي تغيير للحكومة خارج إطار الدستور سواء من قبل الذين هم في الشارع أو من جانب قوات الدفاع والأمن”.
وأدانت دول غرب أفريقيا الثلاثاء ما اعتبرته “تمردا”، داعية العسكريين الماليين “للعودة فورا إلى ثكناتهم”.
وأكدت مجموعة دول غرب أفريقيا في بيان “رفضها الثابت لأي تغيير سياسي غير دستوري ودعت العسكريين إلى احترام النظام الجمهوري”.
وأضاف البيان “على أي حال ندين بقوة المحاولة الجارية وسنتخذ كافة التدابير والأعمال اللازمة لإعادة تطبيق النظام الدستوري”.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في بيان إن “فرنسا تقبلت بقلق أمر التمرد الذي حصل اليوم في مالي وتدين بشدة هذا الحدث الخطير”، مؤكدا أن باريس “تشاطر الموقف الذي عبرت عنه المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ودعت فيه إلى حماية النظام الدستوري”.
وشدد لودريان على “تمسك فرنسا الكامل بسيادة وديمقراطية مالي”.
وعلّق مصدر في وزارة الدفاع المالية لوكالة الصحافة الفرنسية عما يجري، بالقول “نراقب الوضع عن كثب. لقد اتصلت القيادة العسكرية بالقوات”، رافضا أن يكون ما حصل عائدا إلى “تمرد”.
وتواجه مالي، بؤرة التهديد الجهادي في منطقة الساحل منذ عام 2012، أزمة اجتماعية وسياسية خطيرة منذ يونيو.
وأعلنت المعارضة تظاهرات جديدة هذا الأسبوع من أجل المطالبة باستقالة الرئيس أبوبكر كيتا، وبلغ التحرك ذروته باحتلال مكان رمزي في وسط باماكو الجمعة والسبت.
ويعبّر المحتجون عن استيائهم إزاء العديد من الأمور في واحدة من أفقر دول العالم، بدءا من تدهور الوضع الأمني إلى عجز السلطات عن وقف العنف في البلاد والركود الاقتصادي وفشل خدمات الدولة والفساد في عدد من المؤسسات.
وأضيف إلى هذه الأزمات قرار المحكمة بإلغاء نتائج نحو 30 مقعدا في الانتخابات التشريعية التي انعقدت في أبريل.
وفي 10 يوليو تطورت ثالث تظاهرة كبرى في البلاد ضد السلطة بدعوة من حركة 5 يونيو إلى ثلاثة أيام من الاضطرابات الدامية في باماكو، كانت الأسوأ في العاصمة منذ انقلاب 2012.
ورفضت المعارضة المالية التنازلات التي قدمها كيتا بهدف حل الأزمة السياسية، وقالت إنها لن تقبل بغير تنحّيه عن الحكم.
وأعلن كيتا في كلمة عن حل المحكمة الدستورية وأنه يتجه إلى إعادة جانب من الانتخابات التشريعية المثيرة للجدل.
وقال متحدث باسم تحالف المعارضة نوهوم توجو، إن التحالف يرفض الاقتراح، مؤكدا “لن نقبل هذا الهراء، نطالب باستقالته بوضوح”، حيث يضم التحالف زعماء سياسيين ودينيين وقادة منظمات أهلية.
وتثير الأزمة السياسية الحالية في مالي، التي يشهد قسم واسع منها أعمال عنف جهادية أو نزاعات محلية، قلق حلفائها والدول المجاورة التي تخشى أن تغرق البلاد في الفوضى.
ويخشى حلفاء مالي الأفارقة والأوروبيون والأميركيون على حد السواء وجود عنصر آخر مزعزع للاستقرار في بلد يواجه الجهاديين وسلسلة من التحديات وسط منطقة غير مستقرة.