هل يقود لاهور شيخ جنكي مسار تغيير المشهد السياسي في إقليم كردستان العراق

جبهة الشعب نواة حزبية جديدة تجتذب الغاضبين من أداء الأطراف الحاكمة في الإقليم.
السبت 2024/03/30
قوة صاعدة لكسر الهيمنة الثنائية على المشهد السياسي

يبدو ظهور قوّة سياسية جديدة وازنة في إقليم كردستان العراق حاجة ملحّة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقّدة التي يمرّ بها الإقليم والتي يُسأل عن إيجادها الحزبان الكبيران الممسكان بزمام السلطة واللذان أصبح انسياقهما وراء المزيد من الصراعات وانغماسهما في سياسة المحاور المحلية والإقليمية يمثلان خطرا على الإقليم وسكّانه.

السليمانية (العراق) - شهدت الساحة السياسية لإقليم كردستان العراق مؤخرا ظهور مولود حزبي جديد بقيادة السياسي الكردي لاهور شيخ جنكي تحت مسمّى جبهة الشعب، قال مراقبون إنّ مؤسسيه أحسنوا اختيار توقيت إشهاره في لحظة بلغت فيها الحياة السياسية في الإقليم درجة كبيرة من الضعف والتراجع جرّاء طول هيمنة الحزبين الرئيسيين؛ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، عليها واستشراء الخلافات بينهما وانسياقهما وراء سياسة المحاور محليا وإقليميا بشكل أصبح يشكل تهديدا لاستقرار الإقليم ووضعه الدستوري ضمن الدولة العراقية.

وسيبدأ الحزب الجديد مسيرته بخوض معترك سياسي كبير متمثّل في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في إقليم كردستان خلال شهر يونيو القادم، في ظل توقّعات بأن تحمل بعض التغيير للخارطة السياسية في الإقليم.

ويرى متابعون للشأن السياسي لإقليم كردستان العراق أنّ حزب جبهة الشعب يمتلك فرصة انتزاع مكان له على الساحة بغض النظر عن النتائج التي سيحققها في الانتخابات القادمة، وذلك بسبب الحنكة السياسية لمؤسسه، وأيضا بسبب التراجع الكبير في منسوب الثقة بباقي الأحزاب العاملة على الساحة وخصوصا الحزبين الأكثر تمكّنا من السلطة واللذين أفضت تجربتهما في الحكم إلى تراجعات كبيرة في أوضاع الإقليم على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتّى الأمنية.

ويُلفت هؤلاء إلى وجود حاجة حقيقية إلى جسم سياسي وازن يعيد التوازن للحياة السياسية في إقليم كردستان العراق ويكسر نمطية الهيمنة الثنائية للحزبين الكبيرين.

وبدأت جاذبية الحزب الجديد للسياسيين في الإقليم تتجلّى سريعا من خلال استقطابه عددا من نشطاء ومنتسبي الأحزاب الأخرى الممتعضين من أداء أحزابهم الأصلية وخصوصا حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي يحتفظ شيخ جنكي بعلاقات وثيقة مع الكثير من أعضائه، وكذلك حركة التغيير.

انتقادات وجهها لاهور شيخ جنكي للأوضاع في إقليم كردستان العراق لخصت التوجهات الإصلاحية لحزبه الجديد

ونقلت وكالة شفق نيوز الجمعة عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها إن بيشرو حمه جان عضو المكتب السياسي السابق لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني سيكون رئيسا لقائمة جبهة الشعب في السليمانية خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.

كما أوضحت المصادر أنّ أغلب مرشحي الجبهة هم شخصيات بارزة وبرلمانيون سابقون من حزب الاتحاد وحركة التغيير والعديد من الشخصيات المستقلة الأخرى.

وكان حزب جبهة الشعب قد عقد في وقت سابق من هذا الشهر مؤتمره الأول بمشاركة مئة وستين عضوا شاركوا في انتخاب فرهاد عمر رئيسا للحزب إلى جانب ثلاثة عشر عضوا لمجلسه القيادي.

وتظهر انتقادات وجهها لاهور شيخ جنكي مؤخّرا للأوضاع في إقليم كردستان العراق ولدور الأطراف الحاكمة في خلق تلك الأوضاع التوجهات الإصلاحية لحزبه.

وقال زعيم جبهة الشعب إنّ “على الأحزاب الحاكمة في الإقليم تصحيح مسار الحكم وتجاوز العقلية الاحتكارية للسلطة، وإلا فعليها أن تتنحى جانبا وتترك الفرصة لغيرها”.

وأكّد في خطاب له بمناسبة أعياد رأس السنة الكردية الجديدة أن تجربة الحكم في إقليم كردستان تعيش حالة من الفشل الذريع، وأن أحزاب السلطة مازالت تختلق الأعذار بدلا من الاعتراف بفشلها، مرجعا “الفشل في إدارة الإقليم بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من الفرص إلى العقلية الاحتكارية والاستبدادية وتجاهل إرادة الشعب”. وأضاف أن هناك مقولة شائعة في الثقافة الشعبية الكردية مفادها “المياه التي لا تجري متدفقة ستتعفن”، وأن هذا المثل ينطبق على أقطاب الأحزاب الحاكمة والمعارضة.

هناك فرصة لصعود حزب جبهة الشعب على أرضية حالة الامتعاض من أداء الأطراف الممسكة بزمام السلطة في الإقليم

كما توجه بانتقاداته إلى حكومة الإقليم مشيرا إلى أنّها مازالت تقدم الأعذار بدلا من الاعتراف بالفشل والإخفاقات في حين أن هذا الإنكار يُشكل جزءا كبيرا من أسباب استمرار الوضع البائس في الإقليم.

وقال إن “هناك طرقا عديدة للتعافي وتصحيح مسار الحكم والإدارة، وأسرع هذه الطرق أن يعترف الفاعلون الأساسيون بالفشل، حتى يتمكنوا من فهم واقعهم الحقيقي، سواء بإجراء تغييرات جذرية أو التخلي عن مقاليد الحكم”.

ووجه خطابه إلى الأطراف المشاركة في الحكم قائلا “إن الطريق الصواب هو تصحيح المسار أو ترك السلطة قبل أن يقارعكم ويخلعكم الشعب”.

وسيُقبل إقليم كردستان العراق في العاشر من شهر يونيو القادم على محطّة سياسية هامة تتمثّل في تنظيم انتخابات برلمانية جديدة.

وتستمد الانتخابات المرتقبة أهميتها من كونها ستخرج كردستان العراق من حالة الفراغ الدستوري التي دخلها منذ أن رفضت المحكمة الاتحادية العراقية قبل نحو عام قرار برلمان الإقليم بتمديد فترته النيابية.

وستجري الانتخابات في ظل ظروف ومعطيات متغيرة لا يُستبعد أن يكون لها أثر على نتائجها وبالتالي على المشهد السياسي في الإقليم ككل.

وقامت المحكمة الاتحادية مؤخرا بتقليص عدد نواب برلمان الإقليم من مئة وأحد عشر نائبا إلى مئة فقط وذلك بإلغاء المقاعد التي كانت مخصصة للأقليات في نطاق نظام الكوتا، كما قررت تقسيم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية بدلا من دائرة واحدة، وأسندت الإشراف على الانتخابات إلى المفوضية المستقلة العليا للانتخابات (اتحادية) بدلا من المفوضية المحلية التابعة للإقليم.

أغلب مرشحي الجبهة هم شخصيات بارزة وبرلمانيون سابقون من حزب الاتحاد وحركة التغيير والعديد من الشخصيات المستقلة الأخرى

وأغضبت تلك القرارات الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم الذي رآها موجّهة ضدّه ولمصلحة غريمه حزب الاتّحاد الوطني، وأعلن تبعا لذلك عدم مشاركته في انتخابات يونيو القادم في ظل توقّعات قوية بأن يتراجع عن قراره نظرا لكونه مستفيدا من وجوده في السلطة ولا يمكنه التنازل عن مكاسبه الكبيرة فيها.

ويقرأ مراقبون في تقلبات المشهد السياسي بإقليم كردستان العراق بوادر تغيير قد تكون الانتخابات القادمة مقدّمة لها.

ويرى هؤلاء وجود فرصة لصعود حزب جبهة الشعب على أرضية حالة الامتعاض من أداء الأطراف الممسكة بزمام السلطة في الإقليم.

وأجرت صحيفة آوينه (المرآة) الكردية قبل أيام استطلاعا للرأي شمل معظم المناطق والمدن في إقليم كردستان العراق.

وشارك في الاستطلاع 3542 شخصا من جميع الدوائر الانتخابية الأربع لإقليم كردستان قال 93 في المئة منهم إنهم لم تعد لديهم قناعة وثقة بالعملية الانتخابية والحياة البرلمانية في الإقليم.

وتصدّر الحزب الديمقراطي الكردستاني قائمة الأحزاب التي ستفوز بمقاعد في البرلمان الجديد بنسبة 29.98 في المئة، يليه غريمه التقليدي الاتحاد الوطني الكردستاني إذ حصل على نسبة 17.90 في المئة من أصوات المشاركين، تليه قائمة جبهة الشعب بنسبة 12.42 في المئة من الأصوات وذلك الرغم من أنّ زعيم الجبهة شيخ جنكي غاب عن المشهد السياسي لسنوات عديدة ويفتقد إلى ماكنة إعلامية تروج لخطابه السياسي والانتخابي، إلا أن الاستطلاع يكشف حضوره الجماهيري القوي.

ويظل من أكثر القوى السياسية في كردستان العراق مواجهة للتقلبات والمصاعب، الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني، والذي دخل مؤخرا في صراعات متعددة مع جهات داخل الإقليم وفي عموم العراق، وبات يتعرض لكم هائل من الانتقادات لمواقفه والمعارضة لسياساته، ما قد يشكل تهديدا لاستقراره في السلطة ضمن الإقليم بشكل مريح كما كانت عليه الحال من قبل.

كما لا يبدو غريمه حزب الاتحاد الوطني في أحسن أحواله، خصوصا وأنّه على رأس القوى السياسية المهدّده بخسارة الكثير من نشطائه وقاعدته الجماهيرية لمصلحة منافس جديد صاعد هو حزب جبهة الشعب بقيادة لاهور شيخ جنكي.

3