هل يقدر باشاغا على منع إيرادات النفط عن حكومة الدبيبة

طرابلس - اتخذ الصراع السياسي بين الحكومة الليبية المكلفة برئاسة فتحي باشاغا، وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، منحى جديدا يدور حول الإيرادات النفطية، التي تمثل الدخل الرئيسي للبلاد.
فبعد إخفاق باشاغا في دخول العاصمة طرابلس بقوة السلاح للسيطرة على مفاصل الدولة، بعد طرده من طرف المجموعات المسلحة المؤيدة للدبيبة، بدأ يغير تكتيكاته بالضغط عن طريق قطع إيرادات النفط.
وأصدر وزير التخطيط والمالية بالحكومة الليبية المكلفة أسامة حماد مساء الأربعاء قرارا بتوقيع الحجز الإداري على إيرادات النفط للعام 2022، المودعة بحسابات المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي لدى المصرف الليبي الخارجي والمؤسسة العربية المصرفية، البالغة 130 مليارا و535 مليونا و70 ألف دينار، ما يعادل نحو 27 مليار دولار و321 مليونا و740 ألف دولار.
وقالت وزارة التخطيط والمالية عبر حسابها على فيسبوك، إن الوزير أسامة حماد استعمل صلاحياته القانونية، وأخطر المصرف الليبي الخارجي بالحجز إداريا على 130 مليار دينار تمثل الإيرادات النفطية، وذلك لإيقاف حكومة الدبيبة عن استعمال هذه الإيرادات.
وكلف أسامة حماد في القرار مسعود ميلاد محمد مندوبا للحاجز، وطالبه بمباشرة الإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذ الحجز الإداري، على أن ينتهي هذا التكليف بانتهاء أعمال الحجز الإداري.
وكانت حكومة باشاغا هددت في وقت سابق باتخاذ إجراءات لوقف تدفق إيرادات النفط والغاز إلى الحسابات المصرفية للمؤسسة الوطنية للنفط، لضمان عدم وصولها إلى حكومة الدبيبة بسبب ارتكابها مخالفات مالية جسيمة.
ووجه وزير التخطيط والمالية أسامة حماد خطابا للنائب العام ورئيس هيئة الرقابة الإدارية ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة مكافحة الفساد لإخطارهم بالجرائم والمخالفات المالية الجسيمة، التي ارتكبها رئيس حكومة الوحدة منتهية الولاية بتاريخ الثامن والعشرين من ديسمبر 2022، والتي تضاف إلى غيرها من المخالفات الأخرى في حق قوت الليبيين.
وذكر أن الدبيبة قام بتعلية مبلغ يزيد عن 16 مليارا و500 مليون دينار من مخصصات الباب الثالث بما يسمى "الترتيبات المالية" التي قدرها لهذه السنة دون سند قانوني.
واعتبر أن الهدف من ذلك "التهرب من إعادة المبلغ إلى حساب الاحتياطي العام في نهاية السنة المالية كما تقضي بذلك التشريعات النافذة"، مضيفا أن "الادعاء بأن المبلغ الضخم يخص تنفيذ مشروعات تنموية لم يجر استكمال إنجازها خلال السنة المالية، ما هو إلا تضليل وافتراء".
كما اتهمت حكومة باشاغا المؤسسة الوطنية للنفط بلعب "دور محوري مخالف للقانون في ذلك، عبر تغذية حسابات وزارة المالية بحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بالتغطية المالية من الإيرادات النفطية المودعة بحساب المؤسسة لدى المصرف الليبي الخارجي".
ويبقى السؤال المطروح الآن هل تستطيع حكومة باشاغا تنفيذ قرار الحجز على إيرادات النفط، في ظل عدم تعاون أغلب المؤسسات الليبية معها المتمركزة في طرابلس، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي.
وتولى باشاغا منذ مارس الماضي السلطة واتخذ من سرت مقرا له، ولم يوفر له مصرف ليبيا المركزي ميزانية لعام 2022 بالكامل، رغم اعتمادها من مجلس النواب والتي بلغت حينها 89 مليار دينار (حوالي 18 مليون دولار)، وهي أول ميزانية يتم إقرارها منذ عام 2014.
وقال في لقاء إعلامي في أكتوبر الماضي إن المصرف المركزي صرف له مليارا ونصف مليار دينار ليبي (330 مليون دولار)، لم يحدد إلى أين تم توجيهها.
وعلى خطى خصمه في طرابلس، أعلن باشاغا إصدار اعتمادات شهرية مؤقتة من ميزانية العام الماضي إلى حين اعتماد مجلس النواب ميزانية العام 2023، التي قدمها إلى رئيس المجلس عقيلة صالح بقيمة تتجاوز 57 مليار دينار أواخر العام 2022.
وجاء اللجوء إلى الاعتمادات الشهرية المؤقتة بعد الصراع مع نائب محافظ مصرف ليبيا المركزي علي الحبري، الذي أقاله مجلس النواب قبل أسابيع بتهم فساد في مشروع إعادة إعمار مدينتي درنة وبنغازي وتعيين آخر.
وأكد متابعون وقتها أن السبب الرئيسي للإقالة كان موقف الحبري من ميزانية حكومة باشاغا، وهو ما أكده الحبري في الحادي والثلاثين من ديسمبر الماضي بعد خروجه عن صمته، إذ قال في مقابلة مع تلفزيون "المسار" إن قرار تمويل حكومة باشاغا جرت مناقشته من قبل اللجنة المكلفة من مجلس النواب وأعضاء من مجلس إدارة المصرف ومسؤولي الحكومة، خلال الاجتماعات التي عقدت في سرت قبل نهاية صيف العام 2022.
وكشف الحبري أنه اقترح على المشاركين في الاجتماع الإبقاء على التمويل المقرر سابقا والمقرر بنحو مليار و500 مليون دينار، وذلك التزاما بما جرى التوافق بشأنه خلال عملية توحيد المصرف المركزي، إلا أن مسؤولي الحكومة أصروا على صرف مبلغ أكبر من المقرر يتطلب تدبيره أكثر من ثلاثة أشهر. واقترح تدبير تمويل قدره ملياران و500 مليون دينار، لكن الحكومة رفضت وأصرت على صرف مبلغ ستة مليارات دينار، ليقال بعدها.
واليوم يدور صراع سياسي خطير على الإيرادات النفطية بين باشاغا والدبيبة بهدف الإنفاق الذي يتوسع ويهدد بدخول البلاد في متاهات الديون الداخلية وحتى الخارجية، إن استمرت سياسة الصرف العشوائي لمدة طويلة، أما أكثر المشكلات الممكنة على المدى المتوسط وما سيترتب عليها من انعكاسات سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين، فهي تبني خفض قيمة الدينار مرة أخرى، في ظل مواصلة الاعتماد الحكومي بشكل كلي على مبيعات النقد الأجنبي في تمويل نفقاتها، وسط غياب مصادر تمويل بديلة.