هل يعيق تشكيل مجلس سياسي في حضرموت تأسيس دولة الجنوب

نائب رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي فرج سالمين البحسني يعلن رفضه ضمنيا للمجلس الحضرمي مشددا على أن تعدد المشاريع والرؤى والإقصاء لن يزيد إلا تفككا.
الأربعاء 2023/06/21
تشكيل المجلس بعد مشاورات شاملة في الرياض

الرياض – أعرب بعض السياسيين اليمنيين عن اعتقادهم بأن إعلان مجلس سياسي في حضرموت (شرق البلاد) في هذا التوقيت يهدف إلى إعاقة جهود المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب بانفصال الجنوب وضم حضرموت، التي تمتلك ثقلا سياسيا وجغرافيا كبيرا في اليمن، إلى الدولة الجنوبية التي يسعى المجلس الانتقالي لاستعادتها في المحافظات الجنوبية.

وجرى، مساء الثلاثاء، إعلان مجلس حضرموت الوطني بعد قرابة شهر من مشاورات بين مكونات اجتماعية وسياسية وعشرات الشخصيات الأخرى في العاصمة السعودية الرياض، ويُقدم المجلس الجديد باعتباره الحامل السياسي لمكونات ومواطني المحافظة اليمنية الواقعة جنوبي شرق اليمن.

ويمكن أن يؤثر المجلس الجديد على تكوين مجلس القيادة الرئاسي، الذي يتكون من ثمانية أعضاء بينهم ممثل لمحافظة حضرموت والمهرة وسقطرى، وهو فرج سالمين البحسني محافظ حضرموت السابق نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أعلن انضمامه للمجلس الانتقالي قبل أسابيع فقط.

ولم يبد البحسني موقفا واضحا من إشهار مجلس حضرموت الوطني والذي يعتبر -كما يقول مسؤولون ومشاركون في المشاورات- ذروة اتفاق الحضارم ومكوناتها.

وقال البحسني في تغريدة على تويتر "ما يجب أن يكون في هذه المرحلة بحضرموت هو أن يحمل كل أبناءها رؤية واحدة واضحة، فهما للواقع السياسي والواقع على الأرض".

وفيما يبدو أنه تلميح من البحسني على رفض المجلس الحضرمي الجديد قال "تعدد المشاريع والرؤى والإقصاء لن يزيدنا إلا تفككا ونحن لسنا بحاجة لذلك من يدرك الواقع سيدرك أمورا كثيرة ومن لا يدرك شيئا سيظل كما هو ولن يقدم شيء سوى مزيدا من التشرذم".

ويسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى استعادة دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي كانت قائمة في محافظات جنوب اليمن قبل أن توحد مع شماله في عام 1990، وذلك بسبب المظالم والاضطهاد التي تعرض لها سكان المحافظات الجنوبية من قبل الشمال بعد حرب عام 1994.

وبعد شهر من التباحث والمشاورات، أعلنت قوى ومكونات وشخصيات سياسية ومجتمعية حضرمية، مساء الثلاثاء، في العاصمة السعودية الرياض، "مجلس حضرموت الوطني"، كحامل سياسي لكبرى محافظات اليمن الغنية بالنفط.

وصدر في الجلسة الختامية للمشاورات التي حضرها محافظ حضرموت، مبخوت مبارك بن ماضي، والسفير السعودي محمد آل جابر، الوثيقة السياسية والحقوقية الحضرمية التي تضمنت نتائج المشاورات الشاملة التي استمرت شهراً برعاية سعودية، والتوقيع على ميثاق "لتعزيز وحدة الصف والقرار الحضرمي والالتزام تجاه حضرموت في الداخل والمهجر، والعمل بشكل موحد وفق مبادئ الوثيقة السياسية والحقوقية، وأن تبقى المصلحة العليا لحضرموت لها الأولوية والمقدمة على كل المصالح الحزبية والشخصية والفئوية".

ونصت الوثيقة السياسية والحقوقية على بنود رئيسة "تلبي تطلعات أبناء محافظة حضرموت وحقهم في إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية، بهدف تخفيف المعاناة الإنسانية وتنمية حضرموت لتكون نموذج وبداية استعادة السلام والاستقرار في الوطن".

وكانت المشاورات الحضرمية انطلقت بالرياض في 19 مايو الماضي. وقالت المكونات الحضرمية، إن المشاورات جاءت حرصاً على النأي بحضرموت عن أي توترات أو خلافات بينية.

وعقب سلسلة من المباحثات التي عقدت في الرياض وشملت رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضاء في المجلس والحكومة، خرجت رؤية أبناء حضرموت بوثيقة تضمنت جملة من المبادئ أكدت في مجملها "وحدة حضرموت وحق أبنائها في إدارة شؤونهم الاقتصادية والسياسية والأمنية، مع الإقرار بالتعددية السياسية والاجتماعية في حضرموت والمحافظات الجنوبية، والتأكيد على الالتزام بالأهداف المشتركة مع تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية".

تأتي هذه الخطوة عقب تنامي المطالبات الشعبية في المحافظة اليمنية التي تحتل 36 في المئة من إجمالي مساحة البلاد، تتمحور حول تحسين الخدمات والمشاركة السياسية وصنع القرار عطفا على ثقلها التاريخي ومكانتها الاقتصادية كرافد رئيس للاقتصاد الوطني عبر عدد من الحقول النفطية والتنوع الجغرافي بين الساحل والوادي.

كما أكدت الوثيقة "حق الشعب في حضرموت عبر مكوناته المختلفة بالمشاركة العادلة في صناعة القرار السيادي والتمثيل في الغرف البرلمانية والهيئات الحكومية والاستشارية والتفاوضية بما يضمن حماية المصالح الحيوية لأبناء حضرموت بشكل مستقل، والتعهد بتحييد المؤسسات الخدمية والأمنية والعسكرية عن أي اختلافات بينية وصياغة إعلان مبادئ على نطاق واسع يضمن تماسك الجبهة الداخلية وردع أي تهديدات تستهدف حضرموت والمناطق المحررة ودول الجوار والأمن والسلم الدوليين"، وتدعم الوثيقة السياسية والحقوقية الحضرمية أي إجراءات تدريجية تسعى لمعالجة المظالم وإيجاد آليات متوافق عليها للانتقال للتسوية السياسية النهائية.

وعلى مدى الأشهر الماضية، كانت حضرموت، وفقا لمراقبين، بمثابة الورقة السياسية بين مختلف المكونات اليمنية مع مساعي كل طرف لتحويلها إلى ملعب خاص يفرض فيه رؤيته السياسية، وهي الحالة التي لم يعهدها المجتمع في المحافظة ذات التركيبة الاجتماعية التي تنأى بنفسها عن الصراعات.

ومخرجات هذه المشاورات التي أعلن عنها عقب ساعات من لقاء جمع مكونات المحافظة برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، قضت بعدد من الترتيبات الضامنة للوثيقة بإعلان مكونات وقوى حضرمية عن تشكيل "مجلس حضرموت الوطني" كحامل سياسي للتعبير عن "طموحات المجتمع الحضرمي يظل بابه مفتوحاً لجميع القوى والشخصيات المتبنية لرؤية المجلس".

 وأكدت أهمية مبادرة السعودية ودول التحالف لدعم جهود السلطة المحلية لتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية في حضرموت والتدخل العاجل لمنع الانهيار الاقتصادي وتعزيز القوات المسلحة والأمن بدماء جديدة من أبناء المحافظة، وتحسين موقفها الميداني والتسليحي، ومنع إنشاء أي تشكيلات عسكرية خارج مؤسسات الدولة.

ولمتابعة سير هذه الرؤية على أرض الواقع، جرى في الجلسة الختامية تكوين هيئة تأسيسية لمجلس حضرموت الوطني من سبعة أشخاص برئاسة وزير النقل السابق، بدر محمد باسلمة، حُددت لها مهام واختصاصات لإعداد مسودة بهيكلية المجلس ونظامه الأساسي ولوائحه الداخلية والإعداد والتحضير للمؤتمر العام الأول لمجلس حضرموت الوطني.

ويضم مجلس حضرموت الوطني في عضويته كلاً من أعضاء الوفد الحضرمي المشاركين في المشاورات، والوزراء الحضارم في الحكومة اليمنية، والمحافظ والوكلاء، والوكلاء المساعدين بحضرموت، وممثلي المحافظة في مجلسي النواب والشورى.

كما يضم المجلس القادة العسكريين والأمنيين ورؤساء المكونات الحضرمية‏ والأكاديميين، وممثلين عن قطاع المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني والمهاجر الحضرمية وشخصيات اعتبارية.

ونصت الوثيقة على أن يظل البابُ مفتوحاً لانضمام القوى والشخصيات الفاعلة والمتبنية لرؤية المجلس.

وفي وقت سابق، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، خلال اجتماعه مع الأعضاء المشاركين في المشاورات، "أبناء حضرموت إلى تعزيز المكانة العظيمة التي خلدوها عن محافظتهم العريقة في ذاكرة الأجيال كمهد للحضارة الإنسانية ومصدر إلهام في التنمية والإعمار، واحترام مؤسسات الدولة، ونشر ثقافة التعايش والوسطية في مختلف أنحاء العالم". مشيداً بـ"الأجواء الإيجابية التي سادت مشاورات وبدور الحضارم وامتثالهم لمجتمع الدولة".

وإزاء مطالبهم، أكد العليمي حرص المجلس والحكومة على دعم جهود السلطة المحلية في تعزيز الأمن، والسكينة العامة، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن المواطنين، وفي المقدمة إيجاد الحلول الجذرية لقطاع الكهرباء، والخدمات الأساسية، بما يليق بالدور الرائد لمحافظة حضرموت في مختلف الميادين.