هل يعقب تغيير الوجوه تحوّل في المحتوى الصحفي بمصر

أسماء رؤساء التحرير الجدد ترسم خارطة المنظومة الجديدة.
الثلاثاء 2023/08/08
على السلطة المصرية مراجعة رؤيتها للصحافة

بعثت بعض التحويرات التي جرت مؤخرا قدرا من الارتياح في الأوساط الإعلامية في مصر التي تأمل حدوث تحول في القطاع يضع حدا لحالة التكلس التي أصابته، ويبرم مصالحة مع المصريين الذين توجهوا إلى الإعلام البديل أو إلى وسائل إعلام خارجية تقدم خطابا مغايرا عن سردية إنجازات السلطة.

القاهرة - فتح اختيار الشركة المتحدة للإعلام الصحافية علا الشافعي لرئاسة تحرير جريدة وموقع “اليوم السابع” الباب للحديث عن تغييرات كبيرة في الإشراف على الصحف والمجلات الحكومية، والتي يمكن من خلالها تحديد البوصلة السياسية، فالأسماء التي سيتم اختيارها على رأس المؤسسات الصحفية في المرحلة المقبلة ستكون دليلا جيدا.

وبعث قرار الشركة المتحدة للإعلام، مساء الأحد، باختيار الشافعي كأول امرأة تتولى رئاسة جريدة يومية ارتياحا في صفوف الجماعة الصحفية التي تتوق إلى تغيير حقيقي في مشهد الإعلام المصري؛ فرغم أن “اليوم السابع” صحيفة خاصة إلا أن تبعيتها للمتحدة منحتها قدرا من الرسمية، فالشركة تابعة لجهات حكومية.

والشافعي ناقدة فنية معروفة، وصاحبة مروحة ثقافية جيدة تمكنها من إدارة صحيفة عامة يومية، وعرف عنها تمتعها بالحياد والنزاهة المهنية التي جعلت الكثير من الصحافيين يعتبرون اختيارها مؤشرا على شكل التغيير المتوقع في مؤسسات حكومية كبيرة، يمكن أن يشمل تغييرا في الوجوه والسياسات.

وتعاني غالبية الصحف والمواقع المصرية الرسمية والخاصة من تكلس في الأداء ضرب مصداقيتها وأفقدها الكثير من المكانة التي شغلتها على مدار عقود، وتحول معظمها إلى ما يشبه نشرات الأخبار التي تتحدث عن إنجازات الحكومة والوزارات من دون أي مسحة نقدية أو معالجات مهنية مختلفة تجذب القارئ وتلبي طموحاته في ظل ثورة عارمة أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا.

اختيار علا الشافعي كأول امرأة تتولى رئاسة جريدة يومية يبعث ارتياحا في الوسط الإعلامي
اختيار علا الشافعي كأول امرأة تتولى رئاسة جريدة يومية يبعث ارتياحا في الوسط الإعلامي

وأشار مراقبون إلى أن النظام المصري لم يعد مرتاحا للمردود الذي تقدمه جميع وسائل الإعلام، ويشعر بخيبة أمل حيث فقدت الصحافة بريقها مرتين؛ مرة بسبب تكلسها وعدم قدرتها على تحسين محتواها، ومرة أخرى لعجزها عن تقديم الدولة بالصورة التي تليق بها، على الرغم من إنفاق أموال طائلة على تطوير بعضها وإطلاق قنوات فضائية.

وأضاف المراقبون أن هناك حالة من الإحباط أصابت البعض من المسؤولين جراء الخطاب الدعائي الزاعق الذي تتبعه الكثير من الصحف، ما أبعد القارئ عنها وأدى إلى انصرافه إلى أخرى مناوئة، وما لم يتم تدارك ذلك من خلال عملية إحلال وتجديد حقيقية فسوف يتم نعي ما تبقى حيا من الصحف المصرية بعد إهمال تطوير المحتوى فيها لفترة طويلة والقبول بما يقدم من مستوى هزيل في غالبيتها.

ويؤدي الشعور بهذه الحالة إلى نوبة صحيان مهنية، يتوقف نجاحها على مساحة الحرية التي يمكن أن تمنح لممارسة العمل في أجواء مواتية تسمح بتناول مختلف يتواءم مع احتياجات القارئ في التفسير والتحليل والتطرق إلى قضايا مسكوت عنها.

هذا علاوة على أن اختيار قيادات مشهود لها بالكفاءة والخروج من عباءة أهل الثقة التي هدمت الكثير من القواعد الثابتة في الصحافة المصرية يوحي بالاستعداد للتغيير.

ويعد التغيير في المضمون الذي ستقدمه الصحف والأشخاص الذين يتولون قيادتها علامة على ما يمكن أن تذهب إليه الدولة، وحجم التحول الذي يمكن أن يلحق بالصحافة، وقدرتها على مسايرة ما يحدث من تطورات بالغة الأهمية، حيث تواجه مصر تحديات متعددة تحتاج إلى رؤى واجتهادات وتقديرات مهنية وصادقة.

وكانت حركة التغييرات في القيادات التي شهدتها الصحافة المصرية خلال الأعوام الستة الماضية أقل من طموحات العاملين فيها، لأنها أبدت اهتماما بصحافيين محدودي الموهبة، لم يقدموا ما يتناسب مع ما تحتاجه الصحافة من قدرة على التطرق إلى مواضيع مسكوت عنها، وجاءت من رحم إدارة أعلى اعتقدت أن تكبيل الصحافة ضمانة سياسية للحكومة تجنبها التعرض لانتقادات حادة وتسمح لها بالعمل في هدوء.

وحققت هذه الإدارة غرضها في التكبيل والتضييق والتنكيل أحيانا، لكنها لم تجن ثمارا سياسية منها، إلا إذا كان الصمت المطبق على الصحافة مطلوبا بحد ذاته، وهو ما أفسد جوانب عدة في جسم الصحافة وقضى على جزء معتبر من حيويتها، وخسرت الدولة سلاحا مهما في مواجهة خصوم استفادوا من صحافتهم وقنواتهم المتباينة.

ويرى صحافيون أن التغيير المنتظر في القيادات الصحفية سيأتي مغايرا هذه المرة، ومن المرجح أن يتضمن وجوها جديدة معروفة بالكفاءة والنزاهة والموضوعية، وحسب الدرجة التي يتمتع بها هؤلاء يمكن توقع المحتوى الذي سوف يقدمونه لاحقا، بينما الدوران في الحلقات السابقة يعني خسارة مزدوجة للدولة ومهنة الصحافة.

مصر تحتاج إلى صحافة حرة بعد تجربة كادت تقضي على تاريخها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ولن يحدث ذلك في غياب قيادات قادرة على فهم المهمة التي تقوم بها الصحافة حاليا

وتحتاج مصر إلى صحافة حرة بعد تجربة كادت تقضي على تاريخها في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ولن يحدث ذلك في غياب قيادات قادرة على فهم المهمة التي تقوم بها الصحافة حاليا، وتتجاوز حدود الخبر وتفاصيله العادية، فالقارئ يبحث عما وراء الخبر وأبعاده، الأمر الذي غاب عن الكثير من الصحف المصرية مؤخرا، وكاد الاجتهاد يتحول إلى جريمة إعلامية.

ويتعامل مراقبون مع التغييرات المتوقعة على عالم الصحافة في مصر بصبغة سياسية من خلال ما ستحمله من توجهات، وما إذا كان لديها ضوء أخضر لممارسة المزيد من الحرية أم لا، فالحالة الأولى تعني أن هناك إصلاحا عاما في المنظومة الراهنة، والتغيير في الصحافة يتبعه تغيير في السياسة والاقتصاد… وهكذا، بينما الحالة الثانية (عدم التغيير الحقيقي) تشير إلى اللجوء للمسكنات أو أن ثمة تغييرا بلا مضمون.

ما أحدثه اختيار الصحافية علا الشافعي لرئاسة تحرير “اليوم السابع” يعكس إلى حد بعيد رغبة في الانحياز للتغيير شكلا، لكنه أيضا يشي بأن التغيير لن يعيد تكرار نماذج سابقة لا تتمتع بالكفاءة، فاختيارها ينطوي على توجه محسوب في عملية التغيير، أو بمعنى أدق حذر كثيرا ويقع في المنطقة الوسطى، إذ يتجنب مشاهد عقيمة سابقة ولا يصل إلى مستوى الطموحات بحدوث نقلة كبيرة في الإعلام أو تحول يقول إن الدولة قررت إطلاق يد الصحافة في رفع سقف فضيلة الحرية.

ربما يكون هذا الاستنتاج معبرا عن الحالة التي يمكن أن تذهب إليها الحكومة في التغييرات القادمة ومقبولا في سياق الأزمة التي عانى منها الإعلام عموما خلال الفترة الماضية، وإن كان أقل من تطلعات الجماعة الصحفية فإنه يمنح أملا في إمكانية مبارحة المساحة القاتمة التي أعاقت قيام الإعلام المصري بدوره في خدمة الدولة بالطريقة التي تتناسب مع التطورات التي لحقت به.

وتقود هذه النتيجة إلى أن التغيير السياسي سوف يأتي محدودا وفي إطار يمنح الحكومة القدرة الفائقة على التحكم في الكثير من المفاصل، وأن التغييرات التي ستقوم بها لا تعني تخليها تماما عن منهجها الصارم في الرقابة، ومهما كانت الوجوه التي سيتم اختيارها ستقوم بدور مهني في حدود المسموح والممنوع أيضا، لكن وفقا لرؤية أكثر تقدما مما ظهر في الاختيارات الصحفية السابقة.

5