هل يشجع الغزو الروسي تركيا على التصعيد ضد اليونان

إسطنبول – اتهمت تركيا الجمعة جارتها اليونان بانتهاك مجالها الجوي بشكل متكرر، وذلك ردا على اتهام مماثل وجهه رئيس الوزراء اليوناني لأنقرة الخميس، فيما تشهد العلاقات بين البلدين اضطرابات متكررة يرى محللون أنها قد تتفاقم مع الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتشهد العلاقات بين تركيا واليونان توترات منذ سنوات، حيث تتهم أثينا جارتها بالتنقيب غير المشروع عن الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لليونان، وفي المقابل تشكك أنقرة منذ عقود في وضع العديد من الجزر في بحر إيجه.
وقالت الصحافية التركية أوزاي بولوت في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي إنه في حين تشتت انتباه العالم بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، مشغولة بمضايقة عضو آخر في حلف شمال الأطلسي، وهو جارتها الغربية، اليونان.
وأضافت بولوت أن الطائرات العسكرية التركية انتهكت المجال الجوي اليوناني 90 مرة في يوم واحد، في الخامس عشر من أبريل، وأجرت ثلاث طلعات جوية في جزر يونانية مأهولة بالسكان، وفقا لوسائل إعلام يونانية. وأشارت إلى أن الطائرات التركية تنتهك في الواقع المجال الجوي اليوناني.
في وقت تشتت فيه انتباه العالم بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت تركيا مشغولة بمضايقة جارتها الغربية اليونان
ووفقا لهيئة الأركان العامة للدفاع الوطني اليوناني، انتهكت تركيا المجال الجوي اليوناني كل يوم من الحادي عشر إلى الثالث عشر من أبريل.
وحلقت طائراتها المقاتلة من طراز (إف 16) فوق جزر باناجيا وأوينوسيس وفارماكونيسي اليونانية. وذكرت صحيفة كاثيميريني أنه “تم التعرف على الطائرات التركية واعتراضها من قبل الطائرات المقاتلة اليونانية على النحو المنصوص عليه في القانون والممارسات الدولية”.
وفي الحادي والثلاثين من مارس عرضت شركة روكيتسان التركية المصنعة للأسلحة، وهي شركة تابعة لمؤسسة القوات المسلحة التركية، صاروخها الجديد مع شريط فيديو وهو يستهدف جزيرة يونانية في بحر إيجه.
وذكر الموقع الإخباري نورديك مونيتور “يتضمن فيديو محاكاة تم إنتاجه للترويج للصاروخ الجديد رسائل لليونان”.
ويقول خبراء عسكريون تحدثوا إلى نورديك مونيتور إن الشركات الكبيرة المنتجة للأسلحة على غرار روكيتسان حققت المزيد من العروض الترويجية العالمية لعملائها الدوليين، لكن الشركات التركية تنتج عمليات محاكاة تستهدف اليونان وجيرانها الآخرين منذ سنوات.
وأضاف “قال الخبراء الذين قاموا بتحليل الصور لنورديك مونيتور إن الموقع الذي أطلقت منه الصواريخ في الفيديو هو ساحل تشيشمي في غرب تركيا وأن خارطة القمر الاصطناعي في الفيديو قد تم استنساخها مع تغييرات طفيفة”.
وتابع التقرير “يبدو الجانب التركي في الفيديو بشكل لا شعوري كقوات صديقة، أو وفقا للمصطلحات العسكرية، كقوات زرقاء، بينما يعرف الجانب الآخر باللون الأحمر، وهو ما يعني العدو”.
وتقول بولوت إنه في الواقع، كانت تركيا، سواء حكومتها أو معارضتها السياسية، تهدد علنا لسنوات بالاستيلاء على جزر يونانية في بحر إيجه. وكما تظهر انتهاكات تركيا الأخيرة للمجال الجوي اليوناني، وشريط فيديو روكيتسان، وتصريحات المسؤولين الأتراك، يبدو أن غزو روسيا لأوكرانيا يوفر سابقة ملائمة لتركيا لزيادة عدوانها العسكري ضد اليونان.
وتزعم تركيا أن اليونان تنتهك الاتفاقات الدولية من خلال نشر قوات وأسلحة في الجزر الشرقية في بحر إيجه. ورفضت اليونان مرارا هذه الاتهامات من خلال الرد بأنه طالما هناك تهديد عسكري تركي لهذه الجزر فإنها لن تكون منزوعة السلاح.
وبحسب بولوت، فإن الوضع القانوني للجزر اليونانية في بحر إيجه واضح، حيث حددت معاهدة لوزان حدود تركيا واليونان، باستثناء جزر دوديكانيز التي كانت تحتلها إيطاليا آنذاك والتي توحدت مع اليونان في عام 1947 بعد توقيع معاهدة باريس للسلام بين إيطاليا وحلفاء الحرب العالمية الثانية.
كما أن السيادة اليونانية على تلك الجزر منصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، ما بين معاهدة لوزان لعام 1923، ومعاهدة مونترو لعام 1936 إلى معاهدة باريس لعام 1947.
ومع ذلك، في يوليو من عام 2021 قدمت تركيا شكوى إلى الأمم المتحدة بشأن هذه القضية. وجاء في الرسالة، الموجهة إلى الأمين العام أنطونيو غوتيريش والموقعة من قبل فريدون سينيرلي أوغلو الممثل الدائم لتركيا لدى الأمم المتحدة “بناء على تعليمات من حكومتي، أود أن أوجه انتباهكم مرة أخرى إلى الانتهاكات الصارخة المستمرة من جانب اليونان لالتزاماتها التعاهدية الرسمية في بحر إيجه والبحر المتوسط في ما يتعلق بالجزر التي تنازلت اليونان عن سيادتها عليها بشرط محدد وصارم بأن تظل منزوعة السلاح”.
تركيا تزعم أن اليونان تنتهك الاتفاقات الدولية من خلال نشر قوات وأسلحة في الجزر الشرقية في بحر إيجه
وأضاف “إن انتهاك اليونان المادي المتعمد والمستمر لأحكام نزع السلاح الواردة في معاهدتي لوزان وباريس للسلام، وهما أمران أساسيان لتحقيق هدفهما وغرضهما، يشكل تهديدا خطيرا لأمن تركيا”.
وتتساءل بولوت “إذا لم تكن لدى تركيا طموحات عسكرية أو عدوانية تجاه تلك الجزر اليونانية، فلماذا لا تريد على نحو مستعص عدم وجود عسكري يوناني في تلك الجزر التي هي أرض يونانية قانونيا؟”.
وتقول إنه للأسف، يبدو أن تركيا لديها أجندة توسعية لها تاريخ يمتد لقرون طويلة والتي عبر عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لكن اليونان في المقابل، وبحسب بولوت، ليس لديها مثل هذه الأجندة. فلم تكن اليونان مشغولة بغزو أو تهديد جيرانها أو الدول الأخرى في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، غزت تركيا شمال قبرص في عام 1974، وشردت قسرا المسيحيين اليونانيين الذين يعيشون هناك، وكانت تناور للحصول على الباقي. وفي عام 2018 غزت تركيا أيضا شمال سوريا، وباستخدام القوات شبه العسكرية الجهادية، احتلت المنطقة منذ ذلك الحين.
وتقول بولوت إن تصرفات تركيا التي تستهدف اليونان وقبرص تتعلق برغبة تركيا في التفوق الجيواستراتيجي في المنطقة على حساب القانون الدولي، وكذلك حول السعي الإسلامي التركي للتوسع والتفوق على اليونانيين وغيرهم من غير الأتراك في المنطقة. واليوم، ونتيجة لسياسات تركيا العنيفة والعدائية ضد اليونانيين، يقيم حوالي 1800 يوناني فقط في إسطنبول، وهي مدينة بناها اليونانيون.
وأضافت “لقد كلف العدوان التركي والفظائع عددا لا يحصى من الأرواح والمعاناة الإنسانية المروعة. وطالما استمر الغرب في تمكين تركيا من ارتكاب انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان والقانون الدولي، فإن الاستقرار والسلام سيظلان حلما بعيد المنال في المنطقة”.