هل يستطيع بايدن بناء طريق حرير "ديمقراطي" يحاصر الصين

تبذل الولايات المتحدة جهودا لتطويق نفوذ الصين المتنامي والذي لم يعد مقتصرا على أوروبا والشرق الأوسط، بعد أن اخترقت مبادراتها كل التحفظات لقيادة الاقتصاد العالمي. ولذلك بدأت إدارة جو بايدن في حشد حلفائها من أجل بناء طريق حرير أميركي قد يجعل الجميع أمام مواجهة مفتوحة تعيد إلى الأذهان الحرب الباردة بين الأميركيين والسوفييت.
واشنطن- تريد الولايات المتحدة مواجهة معضلة من الحجم الثقيل اسمها “مبادرة الحزام والطريق الجديد”، فهي ليست أكثر جهود الاستثمار الصينية طموحا على مدار التاريخ فقط، بل تعتبر خطة شاملة لإعادة توازن القوى في العالم، لكن الأدوات التي تطرحها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ 2013 قد لا تؤتي نتائج ملموسة.
ورغم أن المبادرة الصينية اكتسبت زخما حتى مع قيود الإغلاق المنجرة عن الأزمة الصحية، لكنها لا تزال تواجه تحفظات من الأميركيين وحلفائهم الأوروبيين، بسبب ما يعتبرونه استدراجا تكتيكيا سياسيا مغلفا بالاستثمارات والمبادلات التجارية، للدول التي تقع في مجرى هذا الطريق، وبالتالي جعلها تقع في فخاخ الديون عندما تفتح أبوابها لمشاريع بكين الاستراتيجية.

وفي خضم التوتر الغربي مع الصين بحق أقلية الأويغور المسلمة في منطقة شينيجانغ في شمال غرب الصين، ورد بكين بعقوبات على شخصيات غربية، اقترح الرئيس الأميركي جو بايدن خلال اتصال مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ليل الجمعة الماضي أن تطلق الدول “الديمقراطية” مبادرة منافسة لمشروع الحزام والطريق الصيني للاستثمار في البنى التحتية.
ويؤكد المحلل السياسي المستقل هوا بو أنه بوضع الدفاع عن الحريات في أعلى سلم أولياته خلافا لسلفه دونالد ترامب، يكون جو بايدن بصدد كسب رهانه في إعادة اللحمة بين الأنظمة الديمقراطية في مواجهة التحدي الصيني. ويشير إلى أن الأميركيين وحلفاءهم قد تكون لهم مصالح مختلفة حيال الصين، لكنهم “متفقون حول مسألة حقوق الإنسان.. هذا رمز للتضامن بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين”.
ومع ذلك، ولكي تكلل الاستراتيجية الأميركية بالنجاح في مواجهة العملاق الصيني، يرى محللون أنها يجب أن تتكون من عناصر أساسية، أولها التوظيف المبتكر لموارد المؤسسات الأميركية لتحرير الدول الواقعة في براثن الصين ماليا، وثانيا الاستفادة من انتهاكات الصين لمعايير الإقراض الدولية ضدها، وثالثا، توظيف انتهاكات الصين وحلفائها في مجال الحريات وحقوق الإنسان وأخيرا تسليط الضوء على الفساد، الذي تنطوي عليه خطة طريق الحرير الصينية.
ويسعى الأميركيون والصينيون منذ لقائهما المحموم في ألاسكا، إلى تعزيز تحالفاتهما، واشنطن مع حلفائها الأوروبيين والآسيويين، وبكين مع إيران وكوريا الشمالية. وكان اللقاء الأول في عهد بايدن، آل إلى تدهور متعدد الاتجاهات في العلاقة بين الصين والغرب ولاسيما أوروبا التي كانت أبقت على تواصل نسبي مع بكين في ظل إدارة دونالد ترامب.

جان-بيار كابيستان: نتجه إلى نظام القطبين وحرب باردة جديدة بين الأخيار والأشرار
ويقول خبير الشؤون الصينية جان-بيار كابيستان من الجامعة المعمدانية في هونغ كونغ إنه “نتجه إلى نظام القطبين وحرب باردة جديدة بين، من جهة الأخيار (الأنظمة الديمقراطية والغرب) والأشرار (الأنظمة الدكتاتورية والصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية”.
ويضيف “ثمة وحدة صف قوية للأنظمة الديمقراطية حول شينجيانغ وهونغ كونغ وحقوق الإنسان في الصين، والجديد بالنسبة إلى الولايات المتحدة هو أنها بحاجة إلى حلفائها لتشكيل ثقل مواز لنفوذ الصين”.
وفي دلالة رمزية على ذلك رافق دبلوماسيو 26 دولة الاثنين الماضي زميلهم الكندي إلى المحكمة في بكين حيث يحاكم في جلسات مغلقة أحد كنديين اثنين أوقفا نهاية العام 2018 بعد أيام على توقيف مسؤولة في مجموعة هواوي الصينية في كندا.
في الجهة المقابلة، حمل أعلى مسؤول للشؤون الدبلوماسية في الصين يانغ جييشي في الثامن عشر من مارس الجاري في انكوريدج بقوة على وزير الخارجية الأميركي أنتوني بليكن مثيرا استحسان الأوساط القومية في الصين. وقال يومها “الولايات المتحدة والدول الغربية لا تمثل الرأي العام العالمي”.
وكثف وزير الخارجية الصيني ووانغ يي منذ ذلك الحين الاتصالات مع الدول، التي تتواجه مع الغرب بدءا بلقاء سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، الذي زار الاثنين الماضي جنوب الصين. وشكل اللقاء فرصة للبلدين للتشديد على “عدم وجود شكل واحد فقط للديمقراطية”.
وواصل لافروف جولته في تركيا وإيران والسعودية حيث حصل على دعم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للسياسة الصينية في شينجيانغ في شمال غرب الصين. والسبت الماضي، وقع وانغ يي في طهران اتفاق تعاون استراتيجي وتجاري على 25 عاما بين البلدين مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف.
وفي الجانب الأميركي كان بايدن استبق لقاء انكوريدج ليعقد قمة عبر الإنترنت مع الهند واليابان وأستراليا في إطار تحالف “كواد” الرباعي غير الرسمي الذي يهدف إلى إيجاد ثقل مواز للنفوذ الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتعليقا على ذلك يقول هوا بو إن الصين تجد نفسها أمام “سياسة تطويق متعددة الأشكال” تنفذها واشنطن على الصعيد الاستراتيجي والتكنولوجي والتجاري.
ومن وجهة نظر هوا بو فإنه أمام هذا التهديد الثلاثي لا يشكل التحالف مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية ثقلا موازيا.
أما أنتوني بلينكن فقد استعد لأول لقاء وجاهي له مع الصينيين، من خلال جولة في اليابان وكوريا الجنوبية جارتي الصين المباشرتين وقد واصل جولته في بروكسل قبل عدة أيام حيث وعد ببناء تحالف مع الاتحاد الأوروبي في مواجهة الصين وروسيا.
وأعلن الأميركيون والأوروبيون والبريطانيون والكنديون بالتزامن عقوبات على مجموعة من الموظفين الصينيين الكبار اعتبروهم مسؤولين عن قمع مسلمي الأويغور في شينجيانغ. وأثارت هذه العقوبات المنسقة سخط بكين التي ردت عليها بالمثل مشددة على أنها لن تتلقى دروسا في حقوق الإنسان من أي طرف كان.
ومستشهدة بأحداث التاريخ، ذكرت الناطقة باسم الخارجية الصينية هوا شونيينغ الألمان بالمحرقة اليهودية وفرنسا بالمجازر في الجزائر والأميركيين والبريطانيين بتجارة الرق والكنديين بمعاملة السكان الأصليين.
يسعى الأميركيون والصينيون منذ لقائهما المحموم في ألاسكا، إلى تعزيز تحالفاتهما، واشنطن مع حلفائها الأوروبيين والآسيويين، وبكين مع إيران وكوريا الشمالية
لكن بعيدا عن الحرب الكلامية، ترى الخبيرة بالشؤون الصينية بوني غلايزر من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن أن الصحافة الصينية تركز كذلك على الجوانب الإيجابية لاجتماع انكورديج أي النقاط، التي اتفق البلدان على التعاون بشأنها مثل المناخ واللقاحات.
وعبر التقرب من روسيا ترد الصين خصوصا على تحالف كواد وتسعى إلى الإظهار أن لديها أصدقاء وخيارات أخرى. وتقول غلايزر “إلا أن الصين تؤشر بوضوح إلى أنها تريد علاقة مستقرة مع الولايات المتحدة. العالم ليس بصدد الانقسام إلى معسكرين متواجهين”.