هل يستجيب الرئيس الجزائري لمطالب العفو عن الصحافي القاضي لتلميع صورته

تبون يحرص على إظهار انفتاحه على الحريات والمعارضة تمهيدا لولاية رئاسية ثانية.
الثلاثاء 2024/01/16
رسالة من السلطة وإليها

تطالب شخصيات جزائرية بارزة الرئيس عبدالمجيد تبون بإصدار قرار عفو عن الصحافي إحسان القاضي الذي أثار الحكم القاسي بحبسه انتقادات واسعة داخل البلاد وخارجها، بينما يحاول اليوم الرئيس الجزائري تحسين صورته في إطار سعيه إلى ولاية ثانية.

الجزائر - رفعت مجموعة من الشخصيات الجامعية والإعلامية والفنية في الجزائر عريضة إلى الرئيس عبدالمجيد تبون، تطالبه فيها بإصدار عفو رئاسي عن الصحافي المسجون إحسان القاضي، في الوقت الذي يريد فيه تبون تحقيق نوع من الانفتاح يمهد له الطريق لولاية رئاسية ثانية.

ويطالب هؤلاء المثقفون والجامعيون والصحافيون والفنانون الجزائريون رئيس الدولة باستعمال صلاحياته الدستورية بوصفه القاضي الأول للبلاد وفي إطار ما يخوله له الدستور، من أجل إصدار قرار عفو عن الصحافي ومالك “راديو أم” الإلكتروني، وموقع “مغرب إميرجون” إحسان القاضي، الموجود رهن الحبس لقضاء عقوبة سبع سنوات سجنا نافذا، منها خمس سنوات بتهمة تلقي أموال من الخارج لنشر محتوى مهدد للسلامة والوحدة الوطنية.

ومن الموقعين على العريضة أستاذ علم الاجتماع ناصر جابي، وعالما الطب والفضاء بالولايات المتحدة الأميركية إلياس زرهوني ونورالدين مليكشي، والإعلامي والمعلق الرياضي حفيظ دراجي، ومراسل منظمة “صحافيون بلاد حدود” خالد درارني، وغير من الوجوه التي وقعت على لائحة الإمضاءات.

وألمح ناشط سياسي معارض إلى أن الأولوية للكشف عن الظلم والتنديد به، ثم المرور إلى طلب العفو. وتشير العريضة إلى أن العفو عن الصحافي القاضي يصب في صالح تلميع صورة رئيس البلاد الذي يطمح إلى ولاية رئاسية ثانية وقد واجه انتقادات عديدة داخل البلاد وخارجها بسبب ملاحقة الصحافيين وتوقيفهم على خلفية قضايا النشر، خصوصا أن العريضة تمنح رئيس الجمهورية فرصة الاستجابة لمطالب المثقفين والظهور بمظهر المنفتح على الحريات ما يمهد له الطريق لولاية رئاسية ثانية.

◙ انضمام شخصيات مقربة من السلطة يشير إلى تمهيد صدور قرار بالعفو عن القاضي كرسالة تعبر عن الانفتاح على المعارضة

وذكرت العريضة أن “البعض منا يعرفه شخصيا، والبعض الآخر تابع مسيرته الرائعة عن بعد، مما جعله شخصية رائدة في هذه المهنة، ونحن ندعوكم إلى استخدام صلاحياتكم لمنحه عفوا رئاسيا واستعادة حريته، ورفع العبء الكبير عن عائلته وأحبائه. وهو قرار سيكون وازنا ومؤثرا على صورة الجزائر”. وأضافت “لا نرغب في العودة إلى أسباب اعتقاله والإجراءات القانونية التي أدت إلى الحكم عليه بالسجن المشدد، وبعد استنفاد سبل الانتصاف القانونية، أنت الوحيد الذي يمكنه وضع حد لهذا الوضع المؤلم وفق الصلاحيات التي يمنحها لك الدستور”.

ويعد الصحافي القاضي من بين الإعلاميين البارزين الذين استقطبوا تعاطفا إقليميا ودوليا، من قبل المنظمات والهيئات الحقوقية والإعلامية، حيث راسل الكثير منها الرئيس تبون من أجل إطلاق سراحه، كما كان محور عريضة مماثلة وقعتها شخصيات دولية وحاصلون على جائزة نوبل للسلام، فضلا عن أنه كان محل مساءلة للسلطات الجزائرية من قبل المجلس الدولي لحقوق الإنسان.

ويرى متابعون للشأن الإعلامي في الجزائر أن مقر الشركة الإعلامية الناشرة لموقعي “راديو أم” و”مغرب إميرجون”، والمملوكة للصحافي القاضي، كان آخر منبر تعبر فيه المعارضة عن آرائها ومواقفها السياسية، كما كان فسحة للرأي الآخر، قبل أن يدخل صاحبه في صدام مع السلطة وينتهي به المطاف في أروقة المحاكم وتحت طائلة حكم وصف بـ”القاسي جدا”.

ولفت الموقعون إلى أن “إحسان، الذي تميز بقوة بمسيرة والده المجاهد بشير القاضي، كان دائما يهتم بمصالح الجزائر. لقد أكسبته احترافيته والتزامه الاحترام المستحق في بلدنا وخارجها. تعاطفا مع مواطنيه، اختار إحسان القاضي دائما، حتى لو كانت الظروف صعبة، العمل في منزله ومن أجل بلده”.

وبإلقاء نظرة على هوية الموقعين يبرز بعض المعروفين منهم بمواقفهم المناوئة للسلطة والمؤيدة لمطالب الحراك الشعبي في 2019، ويشير انضمام آخرين معروفين بقربهم من السلطة إلى أن المسألة تندرج في سياق تمهيد لصدور قرار يرفع العقوبة عن القاضي، لتكون بذلك رسالة من السلطة للتعبير عن مدى استعدادها للانفتاح على المعارضة، خاصة وأنه لا يفصلها إلا أقل من عام عن موعد الانتخابات الرئاسية.

وتميّزت السنوات الأولى من العهدة الرئاسية لتبون بتثبيت تقليد لقاءاته الدورية مع وسائل الإعلام المحلية، في خطوة وصفت باهتمام الرئيس بصورته الإعلامية وفي نفس الوقت تشديد القيود على الإعلام المعارض.

وقال الموقعون “سيدي الرئيس إن المصير المحفوظ لإحسان القاضي قد سبب إحباطا كبيرا لدى العديد من الجزائريين الذين يرغبون في رؤية تكريس الحريات في بلادنا. نأمل أن تستخدموا صلاحياتكم الدستورية للإفراج عن إحسان القاضي، فضلا عن سجناء الرأي الآخرين والسماح لهم بقضاء العام الجديد مع عائلاتهم. مثل هذه النعمة من جهتك ستكون إشارة قوية للعدالة والحرية”.

◙ عبدالمجيد تبون يحاول تثبيت تقليد لقاءاته الدورية مع وسائل الإعلام المحلية في خطوة وصفت باهتمام الرئيس بصورته الإعلامية 

وجاءت الإشارة مقتضبة جدا إلى من يعرفون بسجناء الرأي، الذين مازالت السلطة تنفي وجودهم، وتعتبر أن من يوصفون بذلك الوصف هم سجناء حق عام، نظرا لما اقترفوه في حق الأشخاص والمؤسسات. وكان عدد من الصحافيين في الجزائر قد تعرضوا للسجن والمتابعات القضائية خلال السنوات الأخيرة، رغم أن النصوص التشريعية ترفض الأحكام السالبة للحرية في حقهم، إلا أنهم يتابعون بتشريعات جزائرية أخرى تطبق على جميع المتهمين من مختلف الفئات.

ولا يزال الصحافي مصطفى بن جامع يقبع في السجن بمدينة قسنطينة، وهو المتابع في العديد من القضايا بعد تهم آخرها مساعدة الناشطة السياسية المعارضة الفرانكوجزائرية أميرة بوراوي على الفرار إلى فرنسا مرورا بالأراضي التونسية، وتم تثبيت عقوبة ستة أشهر حبسا نافذا في حقه مؤخرا.

وفي المقابل حمل منشور للناشط السياسي المعارض ومنسق حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي (غير مرخص) كريم طابو رسالة منتقدة لعريضة الشخصيات والوجوه البارزة المرفوعة إلى الرئيس تبون، حيث قال إن “الاستغناء عن الواجب الأخلاقي والسياسي في الكشف والتنديد بالمظالم، ثم طلب التسامح والغفران من الجلاد، هو في أحسن الأحوال سذاجة، وفي أسوأ الأحوال جبن”.

وأضاف “(نيلسون) مانديلا لم يكن مانديلا إلا لأنه رفض الرضوخ للعفو والعطف الذي قدمه فريديريك دي كليرك عدة مرات، لقد أدرك مانديلا أن الشيء الجوهري والأهم هو إنهاء نظام الأبارتيد (نظام التمييز العنصري). هذا مجرد تذكير”. ولفت إلى أنه “بغض النظر عن الحكم والإدانة الظالمة لإحسان القاضي، فإن الجزائر كلها المعتقلة والمحاصرة والمحرومة من السعادة، تتوقع من نخبتها أن تتحرك من أجل تحريرها”.

5