هل يخطط حفتر لتطويق غرب ليبيا أم مجرد استعراض

الجيش يستهدف الوصول إلى سيف الإسلام القذافي ومواقع نفوذه.
الأحد 2024/08/11
ليبيا على أبواب حرب جديدة

إلى حد الآن ما يزال الحديث عن توجه قوات المشير خليفة حفتر إلى منطقة غدامس ضمن التوقعات والتسريبات الاستخبارية، ما يجعل من الصعب معرفة الهدف، هل هو مجرد الاستعراض للتذكير بأنه ما يزال موجودا وقويا أم هو هجوم جديد على منطقة الغرب مستفيدا من الغموض السياسي، أم هو انخراط في تطورات منطقة الساحل.

طرابلس - تتخوف مناطق غرب ليبيا من العودة إلى المواجهات الدموية بسبب استمرار حالة الصراع السياسي والانقسام الحكومي والعسكري وغياب المبادرات الجدية لتكريس الحل وتجاوز حالة الجمود التي تحيط بالمشهد العام في البلاد.

وفي ما أعلن في غرب ليبيا عن حالة النفير العام بعد نشر تقارير عن خطة وضعتها قيادة الجيش الموجودة في الشرق للهجوم على مدينة غدامس والمناطق المتاخمة بهدف تطويقها، فندت قوات المشير خليفة حفتر ذلك، معتبرة أن ردود الأفعال والبيانات الصادرة حول تحركاتها العسكرية ليس لها ما يبررها.

ويستبعد مراقبين أن يخطط حفتر لفرض طوق عسكري على سلطات الغرب لصعوبته عسكريا من جهته، ولأن الوضع السياسي لا يسمح بذلك من جهة ثانية، مشيرين إلى أن قائد الجيش لا يقدر على تكرار هجوم طرابلس في 2019 لاختلاف الظروف كليا.

وشهدت ليبيا خلال الساعات الماضية جدلا واسعا حول ما إذا كانت قوات الجيش التي تتمركز قيادتها العامة في بنغازي، تسعى بالفعل إلى مهاجمة وسط غرب ليبيا وبسط نفوذها على منطقة الحمادة الحمراء الثرية بالنفط والغاز، لاسيما أن لديها جماعات مسلحة متحالفة معها ومستعدة لدعمها في هذه المهمة.

ويقول الخبير في الشؤون الليبية في مركز “المجلس الأطلسي” للأبحاث عماد بادي إن “غرب ليبيا غارق الآن في اضطرابات كبيرة في سياق حشد (قوات) حفتر، الذي ينظر إليه البعض على أنه مقدمة لهجوم محتمل على طرابلس”.

مؤشرات كثيرة تؤكد أن ليبيا يمكن أن تتحول إلى جبهة جديدة للصراع الدائر بين موسكو وكييف

ووفق محللين آخرين ووسائل إعلام محلية، فإن الهدف من هذه التعبئة هو السيطرة على مطار مدينة غدامس، الواقع على بعد 650 كيلومترا جنوب غرب طرابلس، والخاضع حاليا لسيطرة حكومة عبدالحميد الدبيبة.

ويقدّر بادي أن سيطرة القوات الموالية لحفتر على غدامس، وهي منطقة إستراتيجية عند تقاطع حدود ليبيا مع الجزائر وتونس، “ستمثل انهيار وقف إطلاق النار لعام 2020”.

وسيكون للسيطرة على غدامس “العديد من الفوائد” لمعسكر حفتر، ومنها “منع أيّ تحرك (لأنصار الدبيبة) نحو الجنوب، وعزل الدبيبة، وتجريد عماد الطرابلسي (وزير داخليته) من ميزة “السيطرة على هذه المنطقة الحدودية”، وفق ما قال الباحث في “المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة” جلال حرشاوي لوكالة فرانس برس.

ويرى حرشاوي أن قوات حفتر “تطمع منذ عدة سنوات” في مطار غدامس والمناطق المحيطة به لأن السيطرة عليه “من شأنها أن تعزز بشكل كبير وضع حفتر الإقليمي في مواجهة الجزائر وتونس والنيجر” بعد بسط سيطرته على الجنوب بأكمله من الشرق إلى الغرب.

وربطت أوساط ليبية تحركات المشير حفتر بالمواجهات القائمة في شمال مالي بين الانفصاليين الطوارق وحلفائهم من المتشددين الإسلاميين المدعومين من قبل أوكرانيا، والقوات الحكومية المدعومة من قبل روسيا، لاسيما في ظل وجود مخاوف من تسلل إرهابيين من عرب أفريقيا إلى الجنوب الليبي لاستهداف المنشئات الروسية وخاصة في الجفرة وبراك الشاطئ.

وتشير الأوساط الليبية إلى أن مؤشرات كثيرة تؤكد أن ليبيا يمكن أن تتحول إلى جبهة جديدة للصراع الدائر بين موسكو وكييف، وهو ما تخشاه بالفعل قيادة الجيش المتحالفة مع روسيا والتي تعتبر أحد أهم الأطراف المندمجة في مشروع «الفيلق الأفريقي» الذي سيتم الإعلان رسميا عن إطلاقه خلال أسابيع.

قائد الجيش لا يقدر على تكرار هجوم طرابلس في 2019 لاختلاف الظروف كليا

وقالت وكالة “نوفا” الإيطالية إن المشير حفتر يعزز قواته للسيطرة على غدامس، الواقعة بالقرب من الحدود الجزائرية والتونسية.

وأشارت إلى أن الهدف من تحركات قواته، هو فرض طوق عسكري على غرب ليبيا، والسيطرة على مناطق حدودية مع الجزائر في غدامس، بما في ذلك معبر الدبداب مع الجزائر، ومعبر وازن مع تونس.

ورأت الوكالة ان الانتشار غير المسبوق يستهدف أيضا السيطرة على مناطق الحمادة الحمراء والزنتان في شمال غربي البلاد، ومنطقة الجبل الغربي، وتابعت أن حفتر يستهدف من هذا الانتشار الوصول إلى سيف الإسلام القذافي، بناء على معلومات مزعومة عن نيته تشكيل وحدات عسكرية تنافس وحدات حفتر في جنوب البلاد.

وبالمقابل، أكد محللون لـ«العرب» أن التقرير الإيطالي يتضمن الكثير من التهويل، وأن قوات حفتر غير قادرة على بسط نفوذها على منطقة الجبل الغربي والزنتان، وأن ليبيا ليست في حاجة حاليا إلى حرب أهلية جديدة، كما أن القوى الإقليمية والدولية تكاد تجمع على ضرورة إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه إلى حين الانتهاء من تحديد ملامح الوضع النهائي في البلاد.

وسعت قيادة الجيش في بنغازي إلى تفنيد ما راج خلال الأيام الماضية عن نية قواته شن هجوم للسيطرة على بعض مناطق وسط غرب البلاد بما فيها مدينة غدامس المحورية عند المثلث الحدودي مع تونس والجزائر.

وقالت رئاسة أركان القوات البرية إن تحركها جاء تنفيذا لتعليمات المشير حفتر ضمن الخطة الشاملة لتأمين الحدود الجنوبية وتعزيز الأمن القومي للبلاد وتكثيف الرقابة على الشريط الحدودي مع دول الجوار.

قوات حفتر غير قادرة على بسط نفوذها على منطقة الجبل الغربي والزنتان، كما أن ليبيا لا تتحمل حربا أهلية جديدة

وأضافت في بيان ”نهدف للتصدي لأيّ تهديدات قد تستهدف سلامة البلاد واستقرارها، وتعزيز الأمن على حدودها”، وأن ”انتقالنا العسكري استهدف مدن سبها وأوباري وبراك الشاطئ وغات والقطرون وإدري التي تنعم بالأمن والسلامة لوجود القوات المسلحة فيها، وهدفنا هو تعزيز الأمن فيها”.

وتابعت أركان القوات البرية برئاسة صدام حفتر ابن المشير حفتر، أن تحركاتها «لا تستهدف أحداً، ولكنها تهدف لتعزيز الأمن في المناطق الحدودية، خاصة مع توتر وضع دول الجوار مما يجعل البيئة خصبة لتنامي تجارة المخدرات وانتشار العصابات”.

ودعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الجمعة إلى “وقف التصعيد العسكري” و”تجنب المزيد من التوترات”، بعد تحركات لقوات موالية للمشير خليفة حفتر في جنوب غرب البلاد الواقع تحت سيطرة حكومة طرابلس المعترف بها دوليا.

وطالبت البعثة في بيان “جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب أيّ عمل عسكري استفزازي يمكن أن يعرّض الاستقرار الهش في ليبيا وأمن سكانها للخطر”.

وأصدرت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بيانا مشتركا الجمعة بشأن “التحركات العسكرية المستمرة في جنوب غرب ليبيا”، دعت فيه إلى “أقصى درجات ضبط النفس”.

وفي ذات السياق، تحول الوضع الميداني في غرب ليبيا إلى ملف أساسي خلال اللقاءات الاقليمية والدولية ذات العلاقة، ففي أنقرة التقت رئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني خوري، مع نائب وزير الخارجية التركي، برهان الدين دوران حيث تم استعراض آخر المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية في ليبيا، مؤكدةً على أهمية المضي قدماً في العملية السياسية لتحقيق الاستقرار في البلاد.

وأكد نائب وزير الخارجية التركي دعم بلاده الكامل لجهود بعثة الأمم المتحدة في تسهيل العملية السياسية في ليبيا، مشدداً على ضرورة العمل معاً لضمان تقدم ليبيا نحو الانتخابات وتحقيق تطلعات الشعب الليبي في الاستقرار والسلام.

وناقش المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند، مع السفير التركي لدى ليبيا، غوقين بيجيتش، المسار الأمني نظرا إلى دور تركيا المشترك في رئاسة مجموعة العمل الأمني.

واجتمع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بممثلين عن عدد من القوى الأمنية بالمنطقة الغربية للاطلاع على مستجدات الأوضاع الأمنية وما يمكن أن تؤول إليه خلال الفترة القادمة.

كما حذر مجلس الدولة من أن تسفر تحركات قوات حفتر بجنوب غربي البلاد، التي وصفها بـ«المشبوهة»، عن «عودة إلى الصراع المسلح»، مطالباً بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بموقف واضح تجاه هذه التحركات، التي وصفها بأنها غير مبررة وغير مشروعة، وإدانتها بشكل واضح وصريح.

اقرأ أيضا:

2