هل يخرج التوتر بين إيران وإسرائيل عن السيطرة

البحر ميدان المواجهة الجديدة بين طهران وتل أبيب.
الجمعة 2021/04/16
سيناريو المواجهة المباشرة ليس مستبعدا

يتخذ الصراع الإسرائيلي - الإيراني مسارا تصاعديا من الهجمات المتبادلة الصاروخية منها أو السيبرانية وصولا إلى الألغام البحرية، مع الحرص المتبادل على عدم الانجرار إلى حرب شاملة مفتوحة على كل الاحتمالات. ورغم عدم تجاوز الهجمات المتبادلة حدودا مرسومة سلفا يبقى احتمال خروجها عن السيطرة واردا.

القدس - منذ سنوات، تتواجه إسرائيل وإيران بشكل مباشر أو غير مباشر في لبنان وسوريا وقطاع غزة، لكن في الأشهر الأخيرة امتدت التوترات بين البلدين إلى البحر مع سلسلة غامضة من عمليات التخريب والهجمات التي استهدفت سفنا من الجانبين.

اتسعت جغرافية الصراع الإسرائيلي الإيراني من الضربات الجوية وأنشطة التجسس على الأرض، إلى استهداف متبادل لسفن تجارية، أو سفن أخرى يُشتبه أنها تؤدي مهاما أمنية أو عسكرية في البحر الأحمر وشرق البحر المتوسط.

ويخشى مراقبون من زيادة حدة التوترات الإقليمية في المنطقة عبر الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، واحتمالات خروجها عن السيطرة.

وتخوض إسرائيل وإيران منذ زمن حربا بالوكالة في الشرق الأوسط. إذ يتقاتل حزب الله المدعوم من إيران مع الجيش الإسرائيلي، وكذلك حركة حماس الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة وتتلقى دعما من الجمهورية الإسلامية، بينما تتعرض مجموعات موالية لإيران بانتظام لضربات إسرائيلية في سوريا.

وانتقلت هذه الحرب أيضا إلى مجال التجسس والأمن السيبراني. فقد قام جهاز الموساد الإسرائيلي (الاستخبارات الخارجية) بعملية عام 2018 تمكن خلالها من الاستحصال على 55000 صفحة من الوثائق من الأرشيف النووي الإيراني وُضعت أجزاء منها في تصرّف باحثين في جامعة هارفرد الأميركية.

فرزين نديمي: لكل طرف حساباته لتجنب التصعيد لكن الانزلاق وارد

واتهمت إيران إسرائيل على الإثر بتنفيذ هجمات إلكترونية على منشآت استراتيجية.ومن ثمة اغتالت الولايات المتحدة *قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال النافذ قاسم سليماني في العراق. واستُهدفت إسرائيل بهجوم سيبراني طال نظام توزيع المياه. وفي نهاية 2020، قتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في طهران، واتهمت إيران الموساد الإسرائيلي بتنفيذ العملية.

وتقول المحللة سيما شاين من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب خلال نقاش مع صحافيين عبر الإنترنت “إنها سلسلة أحداث وأحداث مضادة، ويمكن لكل طرف أن يحدّد نقطة انطلاقها بشكل مختلف. قد يقول البعض إنها بدأت في يناير 2015 مع استحصال الموساد الإسرائيلي على مخطوطات الأرشيف، بينما يعتبر آخرون أنها بدأت مع اغتيال سليماني، لكن كل هذه الأحداث مرتبطة بالمسألة النووية، وبمحاولة إيران التمركز في سوريا وسعي إسرائيل إلى منعها من ذلك”.

وتضيف شاين “في الأسبوعين الأخيرين، رأينا أيضا الحرب البحرية بينهما تخرج إلى العلن بعد أن بقيت سرية لمدة عامين”. وتتابع “يمكن القول إننا في عملية تصعيدية بين إيران وإسرائيل”.

وأعلنت إيران في 2019 أن ثلاثا من ناقلاتها تعرضت لهجمات في البحر الأحمر. وفي هذا الوقت، تتهم إسرائيل إيران بالقيام بعمليات نقل أسلحة (في البحر أحيانا) إلى حلفائها. كما ترغب بالحد من قدرة طهران على التحايل على العقوبات الأميركية لبيع نفطها وبالتالي ملء خزائنها.

ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن ما لا يقل عن 12 سفينة محملة بالنفط الإيراني أو أسلحة وذخيرة كانت متجهة إلى سوريا تعرضت لهجمات صاروخية أو إلكترونية أو بألغام بحرية متفجرة.

لكن في 25 فبراير تغيرت الأمور، إذ تعرضت سفينة الشحن الإسرائيلية إم.في هيليوس راي لهجوم في البحر، ووُجهت أصابع الاتهام إلى إيران. ثم أصيبت السفينة الإيرانية شهر كورد بالقرب من سوريا، تلتها إصابة سفينة الحاويات الإسرائيلية لوري في بحر العرب، ثم سفينة الشحن الإيرانية سفيز في البحر الأحمر.

وأفادت مصادر مختلفة الثلاثاء عن إصابة سفينة هايبريون راي الإسرائيلية بالقرب من ساحل الإمارات، من دون تفاصيل إضافية.

مراقبون يبدون قلقهم الشديد من زيادة حدة التوترات الإقليمية في المنطقة عبر الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، واحتمالات خروجها عن السيطرة

ويقول الباحث فرزين نديمي “حتى الآن، ظل النزاع البحري بين إيران وإسرائيل منخفض الشدة، في منطقة رمادية أقل من عتبة الأعمال العدائية المعلنة، لكن وتيرة الهجمات تتسارع ومن المتوقع أن تتسارع أكثر، أو أن تمتد حتى إلى منطقة جغرافية أكبر”. كما تحدث عن احتمال استخدام “تكتيكات جديدة” مثل “هجمات الغواصات أو الطائرات دون طيار”.

وبما أن أيّا من السفن المتضررة لم تتضرر بشكل خطير، يرى نديمي أن “هناك جهودا وحسابات لدى كل طرف لتجنب التصعيد”، محذرا من انزلاق “يمكن أن يضرّ بالنقل الدولي”.

ويعتبر الخبير في الشؤون الإيرانية مناحيم مرحافي أن “الطرفين لا يريدان تصعيدا، لكن الأمور قد تتصاعد والإسرائيليون والإيرانيون يدركون هذا الاحتمال ويحاولون تجنبه”.

ويتابع “لا يمكن لإيران أن تفعل أي شيء كبير، لأن البلاد تعاني الى حد كبير من تداعيات كوفيد – 19، ولكن أيضا بسبب المفاوضات مع الغرب. فآخر ما تريده إيران هو الاصطدام مع أي جهة، لكي لا ينعكس ذلك على موقفها على طاولة المفاوضات الهادفة الى إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه عام 2015.

وقد انسحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه”. لكن مرحافي يرى أن إسرائيل الرافضة بشدة لعودة واشنطن إلى الاتفاق “تلعب بالنار” في هذه الحرب البحرية الكامنة، وكذلك في الهجوم على المنشأة النووية الإيرانية في نطنز، إذا تأكدّ أنها هي من تسببت بالانفجار فيها كما تتهمها طهران. ويقول “الخطر الأكبر بالنسبة إلى إسرائيل هو الإساءة إلى علاقتها مع الولايات المتحدة”.

ومنذ مجيء الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن في يناير الماضي، تبنت الولايات المتحدة سياسة الحد من تصعيد التوترات مع إيران والعمل على العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب في مايو 2018.وتعارض إسرائيل عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي المبرم في 2015، وهو ما تؤيده الإدارة الأميركية التي ترى أن يكون إعادة صياغة للاتفاق متضمنا كذلك ما يتعلق بتطوير إيران قدراتها الصاروخية الباليستية.

وفي وقت سابق، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحافي جمعه بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في تل أبيب أن “أي اتفاق نووي مع إيران لن يلزمنا”، في خطوة عمقت المخاوف من اندلاع مواجهة مفتوحة على جميع الاحتمالات مع طهران.

ولا يستبعد محللون عسكريون أن تبادر تل أبيب إلى اعتداء جوي وصاروخي بعيد المدى، تستهدف من خلاله نقاطا محددة و محسوبة داخل إيران، ومنها أهداف معدّة لمواقع ومنشآت نووية، فتدمر بهذه الضربة المنشآت النووية الإيرانية الأكثر قدرة من ناحية الإمكانية اللوجستية والتوقيت على تصنيع قنبلة نووية، وبعد ذلك ستجد أن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي لن تكون مزعجة لها، على الأقل في المدى المنظور.

5