هل يختار الأولاد والبنات الألعاب بدافع من الفطرة أم بتأثير من العوامل الاجتماعية

دراسة تؤكد أن الأولاد يحبون اللعب بالألعاب المرتبطة بالذكور.
الاثنين 2024/10/21
لكل ألعابه

برلين - يتمثل السؤال الأول الذي يطرح باستمرار على الآباء الذين يسجلون أسماء أبنائهم في فصول لتعليم فن الكروشيه أو في دار حضانة، هل هو ولد أم بنت؟ ولكن هل لهذا السؤال أهمية حقيقية؟ من المؤكد أن له أهميته منذ النظرة الأولى لمجموعة من الأطفال تلعب هنا وهناك.

ومن الغالب أن تتجمع البنات اللاتي يرتدين فساتين وردية اللون مطرزة بالترتر، لتمثيل أدوار الأسرة أو للقفز في أنحاء المكان أو للرقص أو للثرثرة مع بعضهن البعض، أما الأولاد من جهة أخرى فينشغلون ببناء أشكال من المكعبات أو الدخول في سباقات العدو حول الفناء أو على متن الدراجات.

وهل يمكن أن نقيس بالضبط أي نوع من هذه الأنشطة ينبع من الفطرة، وأيها مكتسب عن طريق المعايير الاجتماعية؟ من الناحية العلمية يطلق على هذه الأسئلة النقاش حول تأثير الطبيعة البشرية على الأطفال مقابل تأثير عوامل التنشئة.

واستنتج تحليل بريطاني موسع شمل 16 دراسة قائمة على الملاحظة، أجري عام 2017 على مدى عدة سنوات، حول الاختيار الحر للألعاب من جانب الأولاد والبنات الذين تتراوح أعمارهم بين عام واحد وثمانية أعوام، أن “الفوارق بين الجنسين عند اختيار الألعاب موجودة، وتبدو أنها نتيجة لعوامل فطرية واجتماعية في نفس الوقت”.

الفوارق بين الجنسين عند اختيار الألعاب موجودة، ويبدو أنها نتيجة لعوامل فطرية واجتماعية في نفس الوقت

وقال الباحثون في ورقة بحثية نشرت في مجلة “تطور الرضع والأطفال”، إنه تبين لهم أن الأولاد يحبون اللعب بالألعاب المرتبطة بالذكور مثل المركبات بأكثر مما تميل إليها البنات، بينما تلهو البنات بالألعاب المرتبطة بالإناث مثل العرائس والدمى بأكثر مما يميل إليها الأولاد، وأشاروا إلى أن الاختلافات في الهرمونات قد يكون لها دور في هذه الاتجاهات.

كما تبين لهم أن فترة تعلق الأولاد باختيار الألعاب المرتبطة بالذكور تزداد مع تزايد أعمارهم، غير أن ذات النموذج لا ينطبق على البنات، وبالإضافة إلى ذلك لوحظ تركيز الأبحاث التي أجريت في وقت سابق على الاختلافات بين الجنسين عند اختيار الألعاب، مقارنة بالأبحاث التي أجريت فيما بعد والتي أشارت إلى احتمال “وجود تأثيرات بيئية مكتسبة”.

وهذه الأبحاث اللاحقة ترى أن اختيار اللون الوردي للبنات والأزرق للأولاد، هو نتاج لتأثير اجتماعي محض، وتقول الكاتبة والمدونة ألموت شنرنج التي شاركت في تأليف كتاب بالألمانية تحت عنوان “فخ الوردي والأزرق: نحو طفولة بدون أنماط ذكورية وأنثوية”، إن من الصعب إصدار أحكام حول ما إذا كان الأطفال لديهم اختيارات جبلوا عليها بالفطرة، تتعلق بالفوارق بين الجنسين عند اختيارهم لألعاب معينة.

وتضيف شنرنج أن “التأثيرات البيئية موجودة على الدوام بدءا من اليوم الأول في حياة الطفل”، وتشمل هذه التأثيرات ليس فقط لون غرفة الطفل والأشكال المرسومة عليها، أو ملابسه وحتى الدمى التي تعطى له ليمصها، وتشير الدراسات – حسبما تقول – إلى أن الآباء الذين ينتظرون طفلا ويعرفون جنس الجنين، يتصرفون بشكل مختلف وفقا لنوعه وعلى سبيل المثال يدللون البنت التي لا تزال داخل الرحم.

وتضيف أن التجارب أظهرت أن الناس يلعبون، بدون وعي في الغالب، مع طفل شخص آخر بشكل مختلف اعتمادا على ما إذا كانوا يعتقدون أنه ولد أم بنت، ولذلك إذا أظهر الأطفال الذين يبلغون من العمر عاما واحدا تفضيلا لألعاب معينة، فإن التأثيرات الثقافية يمكن أن تكون السبب، وتؤكد أنه “لا يمكن دراسة علم الأحياء والتنشئة الاجتماعية بشكل منفصل”.

وترى عالمة النفس التنموي دوريس بيشوف كولر أن الجنسين يتصرفان بشكل مختلف بالطبيعة والفطرة، وتقول إن هناك أسبابا نفسية تتعلق بالتطور، تجعل الأولاد يحبون ممارسة الألعاب العنيفة في سن مبكرة عندما يلتحقون برياض الأطفال.

واستشهد عالم الرئيسيات فرانس دي وال الذي توفي مؤخرا، بدراسات تشير إلى أنه عندما نعطي القردة ألعابا يلهو بها البشر، تميل الإناث إلى التقاط الدمى بينما يميل الذكور إلى التقاط المركبات.

ولكن هل يمكن أن يتم بدقة تحديد أي الألعاب هي المرتبطة بالأولاد وأيها المرتبطة بالبنات، وأيها المحايدة أي التي لا ترتبط بأيهما تحديدا أي محايدة؟ وأشارت دراسة بريطانية أجريت عام 2020 تم خلالها تحليل 75 من دراسات تفضيل ألعاب الأطفال، إلى أنه لا يوجد اتفاق دائم على ذلك.

تحليل بريطاني موسع شمل 16 دراسة قائمة على الملاحظة استنتج أن الفوارق بين الجنسين عند اختيار الألعاب موجودة، وتبدو أنها نتيجة لوجود تأثيرات بيئية مكتسبة

ومع ذلك فإن التفاعل بين الاستعداد البيولوجي ـ الوراثي والعوامل البيئية لا يمكن إنكاره، ويمكن للتأثيرات البيئية أن تعزز الاستعداد البيولوجي، على سبيل المثال عندما يحصل الأطفال على ألعاب مرتبطة فقط بنوعهم الجنسي، وعندما يكون رد فعل الآباء أكثر إيجابية إزاء الألعاب المرتبطة بنوع الطفل، أو عندما يشاهد الأطفال أقرانهم من نفس جنسهم وهم يلعبون.

بل إن التأثيرات البيئية يمكن أن تؤثر حتى على التعبير عن الجينات، كما أظهر مجال علم “ما فوق الجينات”، وهو علم يبحث في الكيفية التي يمكن أن تسبب السلوكيات والبيئة الطريقة التي تعمل بها الجينات.

وغالبا ما تزداد الاختلافات بين الجنسين خلال السنوات الأولى من العمر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التسويق القائم على النوع الاجتماعي وفقا لما تقوله شنرنج، سواء كانت مفاجأة ألعاب بيض كيندر أو كتب أو شامبو أو شباشب، فإن جميع منتجات الأطفال هذه الأيام تأتي تقريبا في نسختين: للأولاد أو للبنات، أو القرصان أو الأميرة.

وتقول شنرنج “لم يحدث من قبل على الإطلاق، أن تعرض جيل لمثل هذا الحد من القصف برسائل الثنائية بين الجنسين مثل الجيل الحالي”، مشيرة إلى أنه في حين أن الألعاب على شكل جنود أو الدمى تم تصنيفها على أساس النوع الجنسي للأطفال في السنوات الأولى من أعمارهم، فقد تم توسيع وصف الولد ـ البنت بواسطة منصة إنستغرام، وأيضا عن طريق ملصق إعلاني بارز يمكن رؤيته عند محطات الحافلات العامة، وأيضا في البرامج التلفزيونية الموجهة للأطفال.

وتؤكد شنرنج قائلة إن “الكثير من الأطفال لا يريدون في البداية أن يكون هناك هذا التقسيم في عالم الوردي ـ الأزرق، غير أن أصواتهم لا تجد آذانا صاغية”.

وتتفق الباحثتان مايا جوتز وبريجيت إيرجانج من معهد أبحاث وسائل الإعلام والتثقيف الإعلامي ومقره ألمانيا، على أن التسويق القائم على النوع قد زاد خلال السنوات الأخيرة.

16